نحو 900 طفل يُستغلون في أعمال لا تناسب أعمارهم
أطفال الحسكة يهجرون الدراسة إلى أسواق العمل تحت نظر الأهالي
بهار ديرك – الحسكة
يعيش الأطفال في الحسكة ظروف فقر واستغلال وحرمان من التعليم، جعلت حالتهم النفسية في وضع “لا يحسدون عليه”، ويزيد معاناتهم المعارك الدائرة على الجبهات بين الوحدات الكردية وتنظيم “الدولة“، ومؤخرًا الصراع مع قوات النظام السوري داخل المدينة.
نتيجة الوضع المتردي لهذه المنطقة تأثرت حالة الأطفال النفسية والتعليمية بشكل جلي، وساهم في تدهورها ارتفاع مستويات الفقر وتراجع مستويات العناية الصحية والتعليم.
شيرزاد هادي، موظف في مديرية التربية بالحسكة، أوضح لعنب بلدي أن السنة الدراسية المقبلة ستسجل تسرب تسعة آلاف تلميذ، منهم من هاجر إلى خارج البلاد، ومنهم من ترك التعليم نتيجة تخبط المؤسسات التعليمية في سوريا وفي المنطقة على وجه التحديد. وذلك وفق ما كشفته مديرية التربية في الحسكة التابعة للنظام السوري.
وتتقاسم قوات النظام إلى جانب حزب الاتحاد الديمقراطي السيطرة على محافظة الحسكة، ويتلقى الطلاب تعليمًا من كلتا الجهتين، ما تسبب بخلق حالة فوضى أثرت على الطلاب ومنعت الأهالي في كثير من الأحيان من إرسال أولادهم إلى المدارس.
هجرة مقاعد الدراسة
المرشدة الاجتماعية، هالة عنتر، والتي تعمل في إحدى المدارس الخاصة بالحسكة، لاحظت خلال متابعتها لسير الدورات التعليمية الصيفية في الحسكة عدم رغبة الطلاب بالتعلم، لأن فكر الطالب منصبّ في الهجرة إلى خارج سوريا أو العمل في مجالات أخرى وهجرة التعليم، مشيرة إلى أن أهم العوامل التي أثرت على الطفل في الحسكة وريفها هي انتشار الفقر والحاجة إلى العمل في أي مجال لتأمين قوت عائلته.
بدوره عامر بكر، وهو أب لثلاثة أطفال مقيم حاليًا في قرية نائية بريف الحسكة، أكد لعنب بلدي، أنّ ابنه الأكبر (11 عامًا) كان يتعلم في المدرسة وهو الآن حاليًا يعمل على “بسطة” لبيع مواد التجميل في المدينة لأن الظروف المعيشية “صعبة”، ولا يتمكن من شراء المتطلبات اليومية، لذلك قرر عدم إرساله إلى المدرسة العام المقبل.
انتشار عمالة الأطفال
ونظرًا لارتفاع معدلات الفقر وفقدان العائلات لمعيلها فقد انتشرت عمالة الأطفال بشكل كبير في معظم المناطق السورية وهذا ما تؤكد عليه عالية مروان، ناشطة إغاثية من القامشلي، فقد أوضحت لعنب بلدي، أن طبيعة عملها تستوجب مقابلة عائلات نازحة ومحتاجة وأخرى مقيمة في الحسكة، وقد اتضح لها أن معظم هذه العائلات زجت بأطفالها في سوق العمالة بسبب الظروف المتردية التي تمر بها المنطقة، وعدم قدرة المواطن في الحسكة على تأمين لقمة العيش، وأضافت “شخص واحد لا يستطيع إعالة عائلة كاملة بسبب ارتفاع الأسعار بشكل كبير، فقد وصل سعر كيلو البندورة إلى 500 ليرة والسكر إلى ألف ليرة”.
وأشارت إلى أن “الطفل المقيم في بيته والذي لا يعمل، يعيش في ظروف ليست بأحسن من الذين يعملون، لأنه يعيش ظروفًا نفسية وحالة اكتئاب لدرجة قد تؤثر على نموه و درجات ذكائه”.
تأثير الحرب على الأطفال
يرى هوزان فايز، طبيب نفسي، أن مشاهد الحرب التي تدور رحاها في سوريا والتي يشاهدها الأطفال عبر وسائل الاعلام تؤثر عليهم بدرجة كبيرة وتتسبب بشكل مباشر بتراجع مستواهم التعليمي، ويضيف بأن هناك حالات كثيرة تزور عيادته النفسية، تؤكد أن للأهالي دورًا في تفاقم أوضاع الأطفال النفسية عبر إجبارهم على العمل، أو الحديث دومًا عن الوضع أمامهم بصورة سلبية، ما يخلق عندهم أزمة نفسية حادة.
دعم نفسي شحيح
وسط حالة الفوضى التي تعيشها سوريا، وخاصة في مجال تعليم الأطفال وتربيتهم، غادرت معظم منظمات المجتمع المدني محافظة الحسكة، وتركت الأطفال بحاجة ماسة لمختلف الأنشطة التي تعزز وعيهم وترفع مستواهم الفكري. الموظف دحام خليل، العامل في إحدى منظمات المجتمع المدني، كشف عن دور قامت به منظمته بدعم 40 طفلًا عبر تأسيس مشروع ترفيهي، وأخضعت الأطفال لبرامج مخصصة، يقول خليل “لاحظنا استجابة الأطفال للمشروع ورغبتهم في الاستمرار ضمن المشروع الذي يهدف بطبيعة الحال إلى خروج الطفل من حالته النفسية التي يعيشها”.
تخبط في حكم المحافظة
يعتبر مواطنون التقتهم عنب بلدي أن الأوضاع الأمنية غير المستقرة، والتخبط في إدارة المحافظة من قبل الأطراف التي تسيطر عليها، والتي تشكل “قوة أمر واقع”، سبب أساسي لما آلت إليه أوضاع عامة الناس، وكانت فئة الأطفال الأكثر تضررًا.
ويوضح خالد سعيد رشيد، ناشط حقوقي من منظمة “ماف” لحقوق الإنسان، أنه وثق مع فريقه العديد من حالات استغلال الأطفال أثناء العمل، إذ تعرض للضرب والشتم ولم يخل الأمر من إهانات أخرى، وتشير الأرقام إلى أنه وعلى مستوى الحسكة يوجد 897 طفلًا يعملون ضمن ظروف لا تناسب أعمارهم، ما يشير إلى أنهم سيعانون من مشكلات صحية مستقبلية.
وفي هذا السياق يؤكد الدكتور رضوان مردلي، أحد أطباء مدينة الحسكة، أن أطفال المدينة يعانون من “هشاشة العظام وقابلية التعرض للالتهاب الروماتيزمي”، وهذا ما لمسه من خلال مراجعة أطفال لعيادته حيث تثبت التحاليل وصور الأشعة إصابة الأطفال بأمراض عديدة منها “الانتكاس العظمي، والالتهابات الحادة في العمود الفقري”، وأغلب هؤلاء الأطفال يعملون ولا يتعلمون في المدارس.
ومع استمرار الصراع وارتفاع مستويات الفقر والرغبة بالهجرة، يبقى أطفال الحسكة “الحلقة الأضعف” ومن غير المتوقع أن يتحسن واقعهم التعليمي والمعيشي لينعكس على وضعهم النفسي، طالما لم تضع الحرب أوزارها في معظم أنحاء البلاد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :