برهان عثمان – عنب بلدي
تعددت الأمثال التي تصف أهمية الجار في الموروث الشعبي السوري ومنها: “الجار قبل الدار“، “والله وصى (أوصى) بسابع جار“، و“قوم جارهم عزيز“، في دلالة على أهمية من يجاورك في سكنك وإقامتك، ويقدر تأثيره على الحياة العائلية والشخصية، لكن السؤال الذي يمكن طرحه هنا، كيف سيكون الحال إذا كان جارك هو أحد عناصر تنظيم “الدولة“؟
يقول عدد من أهالي مدينة الرقة لعنب بلدي، في معرض إجاباتهم وتوضيحاتهم على مدى تأثير وجود عناصر التنظيم بجوار الأهالي، إنه شعور بـ”المرارة”، ويقول عزام، أحد سكان حي الفردوس، إنه يشعر بالاضطهاد والقهر والمرارة، وبأنه مواطن درجة ثانية مقابل جاره الذي ينتمي للتنظيم ويتمتع بالكهرباء بشكل دائم، ويتقاضى راتبًا مرتفعًا ويملك سيارة ويتناول طعامًا فاخرًا، مشيرًا إلى أنّ هذه التناقضات تترك “غصة” لدى الكثير من أهالي المدينة، ويضيف “الكثير من الأهالي يشعرون بالغربة في أحيائهم، خاصة بعد أن كثّف التنظيم خلال الفترة الأخيرة من استملاك البيوت وتوزيعها على عناصر التنظيم، لينتشروا في حارات المدينة فارضين جوارهم على السكان، ما جعل أهالي المدينة يندبون حظهم دون القدرة على التعبير عن ذلك، لأن رفض جوار التنظيم يعني العداء له، وهذه تهمة قد تقود صاحبها الى الإعدام.
جوار يمنحك حظوة
لا يعترض جميع الأهالي على جوار عناصر التنظيم، فهو بالنسبة لبعضهم فرصة قيّمة يمكن الاستفادة منها، كما يصف قاسم المحمد، (مواطن من الرقة) والذي يرى في نفسه “خبرة في اختيار البيوت وجوارها”، ويضيف “قد تمنحك مجاورة مجاهد في التنظيم ميزات كثيرة، مثل الحصول على المكاسب والحظوة عند الدولة، ويشكّل نوع من الوساطة والحماية، كما أن ذلك قد يساعد في تزكية الشخص”، لكن السيد حسين، وهو رب عائلة مؤلفة من خمسة أفراد وأحد سكان حي الدرعية الشعبي في الرقة، يخالف القاسم الرأي، ويقول “رغم وجود بعض الميزات للعيش بجوار عناصر التنيظم، إلا أن ذلك قد يجلب الكثير من المخاطر، فأنا أخشى على أبنائي من الاختلاط مع العناصر”، مشيرًا إلى أنه يخشى على عائلته وأبنائه من الاقتناع بأفكار عناصر التنظيم والانخراط معهم.
وبسبب هذا الوضع بات حسين، ومن باب الخشية على عائلته، يفكر بالنزوح عن المدينة عندما تتاح له الفرصة المناسبة، لكنه يسأل “إلى أين نذهب؟” في إشارة منه إلى عدم وجود أماكن آمنة بسبب الصراع المحتدم على الجبهات.
خطر المهاجرين
تصف ريم وهي نازحة من دير الزور، تسكن بالقرب من حارة الصخاني، حالة الحي بـ”المزرية” بعد أن أتعبتها حالة النزوح والفقر، فقد كانت تسكن مع عائلتها في إحدى مدارس المدينة، قبل أن يقوم التنظيم بإخراجهم منها.
هذه السيدة تعتني بوالدتها المريضة وشقيقها المصاب، ورغم ذلك فهي تصف جوار عناصر التنظيم بـ”الخطِر” فهي تخشى من القصف الذي يستهدف العناصر بشكل يومي، لكنها تميّز بين العناصر المحلية والمهاجرة حيث يرتفع مستوى الخطر في جوار المهاجرين، كما أن التعامل معهم أصعب، نظرًا لعدم تفهمهم لعادات الأهالي وتقاليدهم مقابل التعامل مع العناصر المحليين من أبناء المنطقة.
قيادي برتبة وزير
الشاب رامي، وهو بائع في شارع المنصور التجاري، يقول إن “العنصر القيادي في التنظيم هو أكثر خطورة وأكثر تشددًا في معاملته لجيرانه، “أشعر أنني بجوار وزير أو محافظ، وهذا يزيدني رعبًا وفي النهاية كل ما نبحث عنه هو الأمان”.
لا يستطيع رامي العيش بشكل طبيعي، “أنا لا أستطيع الكلام بصوت مرتفع، كما أنني مجبر على الذهاب إلى المسجد حتى في حال المرض، هذا فضلًا عن الخُطب والمواعظ التي أسمعها مع عائلتي كل يوم من العناصر وزوجاتهم”.
ويضيف “أشعر بأني عار ومراقب في كل حركة، كما أن بيوتنا مهددة بالتفتيش في أي لحظة”.
تنفير من التنظيم
يرى مقربون من التنظيم، استطعلت عنب بلدي آراءهم “أن الحديث عن مجاورة عناصر التنظيم والتحدّث عن مساوئه طعن في دولة الخلافة وتنفير منها، وأن جوار المجاهدين منَعة وعزة لكل من يحب الدين، وكل كلمة تصدر ضدهم أو تشكك فيهم وفي مناطقهم هي عداء لدين الله”.
لكن هذه النظرة يعترض عليها الكثير من الناشطين والأهالي الذين تحدثت معهم عنب بلدي، ذلك أن تصرفات العناصر أبعدت الكثير من الأهالي وكانت سببًا في نزوحهم عن المدينة، حيث باتت مناطق التنظيم تشكو نزيفًا مستمرًا للسكان لدرجة أجبرت التنظيم على إصدار قوانين تحد من خروج الأهالي من مناطقه ومراقبة منافذ الخروج وقطع طرق التهريب إلى المناطق الأخرى.