خزائن فارغة في مطابخ السوريين.. أين ذهبت “المونة”؟
عنب بلدي – نور عبد النور
يشارك جميع أفراد العائلة السورية في مواسم “المونة” خلال السنة، بتحضير كميات كبيرة من بعض أنواع المواد الغذائية، كالمربيات والأجبان والمكدوس وبعض أصناف الخضراوات، لتأمين ما يكفي منها لعام كامل، ينتهي بموسم جديد وورشة عمل عائلية أخرى.
ربات المنزل، اللاتي ورثن ثقافة التموين كسمة مميزة للبيت السوري، لم ينتقلن بشكل كامل إلى المواد الاستهلاكية التي أخذت في الانتشار بشكل كبير في الأسواق، منذ تسعينيات القرن الماضي، بل حافظن على الإنتاج المنزلي لبعض الأصناف، الأمر المرتبط بخلق نوع من “الأمن الغذائي العائلي”، الذي يشكل نمط حياة يميز منازل السوريين.
ومع اندلاع الثورة السورية، أخذت ثقافة المونة بالتراجع متأثرةً باعتبارات الحرب لتكسر السياق الذي تقوم وفقه حياة السوريين على مستويات مختلفة، وبات البحث عن بدائل لما كان يخزّن في المطابخ أمرًا واسع الانتشار.
ميزانيات عائلية عاجزة أمام جنون الأسعار
قدّرت آخر الدراسات الاقتصادية الميزانية الكافية لإبقاء العائلة السورية عند خط الفقر بـ 142 ألف ليرة سورية، المبلغ الذي يساوي نحو 300 دولار أمريكي، إلا أنّ الموظف السوري العادي يبدو عاجزًا عن تأمينه، إذ لا تتجاوز رواتب الموظفين السوريين 40 ألف ليرة وسطيًا.
ومن المعروف أنّ التموين يحتاج كميات كبيرة من المواد الأولية لإنتاج ما يكفي العائلة لمدة عام، إلا أنّ ارتفاع أسعار الخضراوات والفاكهة بشكل كبير، حال دون القدرة على توفيرها.
السيدة أم أيمن، القاطنة في ريف إدلب، أكّدت لعنب بلدي، أنها اضطرت نتيجة تراجع الحالة الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، للاستغناء عن أصناف كثير كانت تقوم بتموينها قبل الثورة، كالمكدوس والمخللات، واقتصرت على تخزين الرز وبعض أنواع الحبوب، كمواد أساسية.
أما أم مصعب، في مدينة دمشق، فباتت تعتمد “المونة الاقتصادية”، حسب تعبيرها، وتضيف “اضطررت للاستغناء عن الجوز البلدي الذي يصل سعره إلى 8000 ليرة، وأصبحت أعتمد على الجوز الأوكراني الأقل جودة وأقل سعرًا”.
التيار الكهربائي يقطع صلة السوريين بثلاجاتهم
شهد قطاع الكهرباء على مدى الأعوام الخمسة الماضية، تراجعًا كبيرًا في كافة المدن السورية، الأمر الذي عطّل عمل الثلاجات المنزلية لفترات طويلة، وجعلها مكانًا غير مناسب لتخزين الأطعمة والمأكولات.
وبما أنّ التبريد يعتبر الوسيلة الأهم لحفظ الأغذية، استغنى السوريون عن تخزين أصناف مختلفة، كالبازلاء والفول والمربيات واللحوم، وبات استخدامها يقتصر على الشراء اليومي وبكيمات صغيرة.
وتقول أم أيمن “اعتدت أن أشتري 40 كيلو من الجبن كل عام وأخزنها في ثلاجة البيت، ولكن الآن نشتري كميات قليلة يمكن أن تستهلك خلال فترة قصيرة، حتى لا تتعرض للتلف”.
النزوح عدوّ المونة
يعيش أغلب السوريين حالة من عدم الاستقرار نتيجة استمرار الحرب، الأمر الذي يترك احتمالًا دائمًا بمغادرة المنازل أو تضررها بفعل القصف، ما يقلل من جدوى تخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية.
ويشير محمود، وهو بائع مواد غذائية بالجملة، في الأحياء الواقعة تحت سيطرة النظام في مدينة حلب، إلى أنّ الوضع الأمني المتوتر قلل من إقبال الناس على شراء كميات من المواد الغذائية.
ويضيف “كان المتجر يزخر دائمًا بالزبائن الذين يشترون الزيت، والرز، ودبس البندورة، والبقوليات بكميات كبيرة، إلا أنّ الناس باتت تفضل اليوم الشراء بالكيلو، وهو ما لم يعتده البيت الحلبي”، ويبرر الأمر بأنّ “السوري لا يعرف اليوم متى يغادر منزله أو متى يتهدم فلا يمكنه الاحتفاظ بمواد كبيرة من المواد الغذائية”.
أما زهرة، النازحة في مدينة حلب، تؤكد أنّها لم تعتد الحياة في البيت الصغير الذي تقطن فيه مع عائلتها منذ ثلاثة أعوام، ولم تتمكن فيه من ممارسة طقوسها السنوية في إعداد المونة.
بدائل منطقية
في ظل ارتفاع الأسعار، وانقطاع التيار الكهربائي، كان لا بد للسوريين من البحث عن وسائل للمحافظة على الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية الموسمية، الأمر الذي دفعهم إلى العودة لوسائل تقليدية قديمة وابتكار أخرى.
تجفيف الكوسا والباذنجان والفول والبامية، هو ما تقوم به أم مصعب، منذ عامين، بهدف الاحتفاظ بها واستخدامها خلال العام، فيما عادت لاستخدام الماء والملح لحفظ الأجبان والزيتون وغيرها، بعد أن بات من الصعب الاعتماد على الثلاجة، بينما اعتمد أغلب السوريين على تقليص الكميات التي كان يتم تموينها قبل خمسة أعوام، أو الاستغناء عن بعض المكونات.
الزراعة المحلية، في المناطق السورية، باتت المعيار الأساسي لطبيعة المواد التي يتم تموينها في سوريا، وخاصة في المناطق المحاصرة التي يصعب الوصول إليها، كما أكّدت سميرة برجاوي، وهي ربة منزل في الغوطة الشرقية، لافتةً إلى أنّ السكان باتوا مضطرين للاعتماد على ما تنتجه الأراضي من كوسا وملوخية وبامية، لتخزينها بعد أن يتم تجفيفها.
الاستدلال على الحالة الاقتصادية لسوريا كدولة وأفراد، من خلال تراجع ثقافة التموين، والاعتماد على المواد الاستهلاكية اليومية والمعلبة، يبدو أمرًا منطقيًا، إلا أنّ البدائل التي حافظت على وجود نسبي للمونة في المنازل السورية، تعدّ شكلًا من أشكال التمسّك بثقافة المجتمع ومقاومة تأثيرات الحرب وتردي الأوضاع الاقتصادية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :