مشكلات تواجه الأم مع أطفالها في ظل غياب زوجها

tag icon ع ع ع

لعل المرأة الأم من أشد الناس تضررًا وأكثرهم معاناة خلال عامي الثورة، فمعاناتها مع أطفالها في ظل غياب زوجها (مقاتلًا أو مسعفًا أو معتقلًا أو شهيدًا) جعل من تربيتها لأطفالها حملًا ثقيلًا يضاف إلى حمل الظروف القاسية.

تقول رنا متحدثة عن حالتها مع أطفالها الثلاثة في ظل غياب زوجها القسري والموجود داخل مدينة داريا، بعدما أرغمت على الخروج منها مع أطفالها منذ بداية الحملة العسكرية الأخيرة أن هناك أمورًا عديدة أثرت بشكل سلبي على تربية أبنائها، أهمها غياب السلطة المتمثلة بوالدهم، فالأم لوحدها لا تستطيع قيادة الأبناء، وتعتبر رنا أن دورها مكمل لدور زوجها في تربيتهم، كما أنها في الفترة الأخيرة تستنفذ الكثير من وقتها في محاولة تعويض أطفالها عن غياب والدهم، فضلًا عن تأمين حاجياتهم ومصروفهم، مما جعلها تقصّر بدورها كأم تجاههم.

وذكرت رنا بأن غياب زوجها أمر صعب جدًا، فوجود الأب مع الأم يخلق توازنًا ضروريًا في الأسرة تفتقده حاليًا، وأن هذا الخلل يؤثر سلبًا على أطفالها، وتقول بأنها تحاول تعويضهم قدر الإمكان لكنها تحس بالتقصير دومًا، أحيانًا تفقد الحكمة في تعاملها معهم بعيدة عن زوجها. في هذه الأثناء وفي ظل غياب زوجها لا تستطيع رنا أن تنسى بأن أطفالها يكبرون بعيدًا عن والدهم الذي غابت عنه كثير من تفاصيل مراحل نموهم.

تردف رنا والدموع تملأ عينيها «طفلي الصغير يردد دائمًا كلمات اشتياقه لوالده، لا يوجد شيء يعوض الأولاد عن الأب، أنا نشأت ووالدي موجود في عائلتي، وأفهم تمامًا ما معنى كلمة أب، وأعي قيمته وضرورة وجوده ولا أتمنى لأطفالي أن يحرموا من هذا الحق الطبيعي.»

لم تكن رنا الوحيدة التي عانت من مشكلة غياب زوجها في تربية أبنائها، فمنال، وهي من سكان داريا، تقول إن غياب زوجها المعتقل منذ ما يزيد عن سنة ونصف عن ابنها الوحيد زيد أثر كثيرًا على شخصيته، فتصرفات الطفل زيد وسلوكه يدلان على أنه أصيب بأزمة نفسية نتيجة غياب والده الذي كان يحضر له كل ما يريد وكان يلاعبه ويسليه، وكثيرًا ما يظهر كرهه لأبناء عمه لأن لديهم آباء يعتنون بهم، ويسأل زيد أمه باستمرار عن موعد عودة والده، ولماذا طال غيابه، ويذكر دائمًا بأنه يدعو له لكن والده لم يعد بعد وأنه ضجر لأجل غيابه، كما أنه يستيقظ من نومه ليلاً ويسأل أسئلة غريبة، ويتكلم عن زيارته  لوالده في سجن عدرا المركزي قبل أشهر ويذكر تفاصيل الزيارة، حتى لباس والده ومن رافقهم بالزيارة، ويطرح تساؤلات كثيرة عن شعر والده المحلوق ونحالة جسمه.. أم زيد لا تخفي قلقها على طفلها الذي كان يبدي عنفًا متكررًا وكرهًا متزايدًا تجاه الأطفال الذين يلاقون اهتمامًا وعناية من آبائهم.

عائشة صديقة منال، اعتقل زوجها منذ ما يقارب العام ونصف وهي تشعر بصعوبة في توفيقها بين دورها ودور زوجها (المغيب) في تربية ابنتها، فالطفلة ذات العامين تسارع في السؤال عن والدها كلما شاهدت آباء أقرانها، ومن الصعب جدًا أن تفهم طفلة بعمرها أين والدها، تقول عائشة «هذا الأمر يترك أثره فيّ وفي طفلتي، وفي كل مرة أحاول أن أضع جوابًا مناسبًا لكن مشكلة حقيقية تواجهني».

رانيا أم لطفلتين كان قد استشهد زوجها منذ حوالي سبعة أشهر، تقول بأنها تعاني من صعوبة كبيرة في التعامل مع ابنتها الكبرى ريما ذات الأربع أعوام ونصف، فوالدها الذي كان يحدثها يوميًا على الهاتف، فقدت الاتصال معه منذ استشهاده، وهي يوميًا تسأل أمها عنه، تقول رانيا أنها في البداية لم تخبرها بنبأ استشهاده وأخبرتها بأنه مسافر، لكن هذا الكلام لم يعد ينفع مع ابنتها ولم تعد قادرة على إخفاء هذا الخبر عنها، كانت تشعر أنها لو علمت بخبر استشهاد والدها ربما تخفف عنها بعض الألم التي تعاني منه نتيجة فقدان زوجها، وبالتالي تفهم أن والدها ذهب للأبد، لكن النتيجة لم تكن كذلك، فريما أبدت تصرفات عدوانية وباتت تتصرف بعصبية تجاه أي موقف، وأصبحت تلجأ للانعزال، وتغيرت نفسيتها كليًا، ورفضت فكرة رحيل والدها. تقول ريما لأمها أحيانًا أنها تريد الموت لكي تذهب وترى والدها المشتاقة إليه.

وخلال حديث عنب بلدي مع الأخصائية رنا بعد إطلاعها على هذه المشاكل زودتنا ببعض النصائح التي يجب على الأمهات اتباعها مع أطفالهم. وقالت بأن مساعدة الطفل على التعبير عن مشاعره تكون عادةً بالرسم وسرد القصص والمسرح، من حقه أن يشعر بالحزن والفقد، أما بالنسبة للتربية ودور الأب فيها، فيمكن للأم أن تبحث عن قدوة لطفلها، قد يكون شخصًا من العائلة، شاب أو كبير، وتدع الطفل يمضي معه بعض الوقت أسبوعيًا ولو ساعة في الأسبوع، بالإضافة إلى فرض قوانين حازمة في البيت والمكافأة على الالتزام بها، وأن تبتعد عن العقوبة قدر الإمكان، كما يساعد أيضًا تجاهل التجاوزات ومكافأة الطفل على الإيجابيات، وإن اضطرت للعقوبة فالعزل أفضل العقوبات، والابتعاد عن الجدل والقيل والقال.

وأشارت الإخصائية رنا إلى أن السيدة منال أخطأت في أخذ ابنها لزيارة والده في السجن، فالأطفال مرنين ويتأقلمون بسرعة، بينما الكبار هم من لديهم صعوبة في التكيف مع هذه الظروف، لذلك ترى أن ردود فعل الأمهات تحتمل من الأسى أكثر مما يحتمل الأطفال.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة