"لا يمكن ترك العوام على هواهم فيضلوا "

تنظيم “الدولة” يخنق أهالي الرقة بقائمة محظوراته

camera iconحديقة الرشيد في الرقة - نيسان 2013 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

سيرين عبد النور – عنب بلدي

بفم خُيّط بأسلاك معدنية، جال عناصر جهاز الحسبة التابع لتنظيم الدولةفي مدينة الرقة، بأحد المواطنين بعد اتهامه بـ الطعنفي التنظيم، صورة تلخص أوضاع المدينة المحاصرة اليوم، والتي قيدها بالخوف والبطش، راسمًا حدود مناطقه بالنار والبارود، ومشيّدًا حول أهلها سورًا عاليًا من القوانين والمحظورات.

ولا يكاد يسمع في أرجاء المدينة سوى صوت إذاعة البيان FM التابعة للتنظيم، ورغم أن التحالف الدولي اخترقها عدة مرات، إلا أنها ماتزال تبث رسائلها وحيدة في فضاء الرقة.

وبينما تصدح الخيام الدعوية والنقاط الإعلامية بأناشيد وخطب التنظيم الدينية المسجلة، يحاول الأهالي رغم الخوف كسر القبضة الإعلامية المشددة، من خلال أجهزة الراديو التي عادت إلى الحياة وانتعشت أسواقها في مناطق التنظيم، بعد فتاوى تحريم التلفاز و “صحون الدش”، فيما يتذرع الناس برغبتهم في الاستماع لإذاعة التنظيم في حال ضبط الجهاز في المنزل أو السيارة.

جدار من العزلة والصمت

قرارات المنع التي يصدرها التنظيم لا تتضمن لوائح تفصيلية أو إجرائية، ولا حتى عقوبات واضحة، ما يمنح عناصره مساحة واسعة للتعدي على حرية الأهالي والاعتداء عليهم، فتنوعت عقوبات من ألقي القبض عليه بتهم حيازة الممنوعات (أجهزة الراديو والتلفاز).

ورغم تطبيق القرارات بشكل جزئي، إذ ماتزال بعض المناطق الخاضعة لحكم التنظيم تحتوي على هذه الأجهزة، كما أنها موجودة داخل جميع مقرات التنظيم ومنازل عناصره، إلا أن بعض الأهالي وصفوا لعنب بلدي ما يجري بـ “المخزي والمحزن”، كونه عملية عزل مدروسة بهدف منع تواصلهم مع العالم الخارجي، على حد وصفهم.

أبو علي، الذي يقطن في حي الثكنة داخل المدينة، مع قلة ممن بقوا فيه بعد أن هاجر سكانه باعتباره أبرز تجمعات التنظيم، أوضح لعنب بلدي “إنهم يمنعون كل شيء، فقد شملت إجراءات التنظيم تشديد الرقابة على مقاهي الإنترنت وإغلاق الكثير منها، إضافة إلى تفتيش جوالات المارة، وتنفيذ حملات دهم بشكل شبه دوري على أحياء المدينة”.

ولجأ التنظيم إلى إنشاء شبكة من المخبرين لمساعدته في إحكام الرقابة على الأهالي، وفق “أبو علي”، الذي اعتبر أن “النظام كان يحكمنا بقوانين وضعية نستطيع الاحتجاج عليها، لكن هنا من الصعب الاعتراض على فتاوى وقوانين إلهية أو التشكيك فيها فكل تساؤل هو شك وطعن وكفر “.

لا يمكن ترك العوام على هواهم فيضلوا

اللغط الذي أثارته قوانين التنظيم الأخيرة الخاصة بمنع أجهزة التلفاز، إضافة إلى تصرفات عناصره، دفعت بعناصر التنظيم ومؤيديه للدفاع عن وجهة نظرهم، مبررين القوانين “بحماية الدولة الإسلامية من الأفكار الصليبية والغربية والعلمانية” وفق “أبو معاذ الشامي”، وهو لقب يطلقه على نفسه أحد المتعاطفين مع التنظيم في حي المشلب.

ورغم أن الشامي لم يلتحق بالتنظيم بشكل رسمي، إلا أنه يعقد حلقات دعوية يوميًا للترويج لأفكاره، وينبري للدفاع عن قوانينه، معتبرًا في حديثه لعنب بلدي “هذا حقنا فالعالم اجتمع على حربنا ولابد من اتخاذ رد فعل”.

ويرى الشامي أن كل تلك الوسائل (التلفاز والدش والإنترنت)، “تستهدف جبهة التنظيم الداخلية وتحرض الناس ضد الإسلام، كما تبث الفرقة والفتن، فضلًا عن المفاسد الموجودة أصلًا”، مشيرًا “التشديد والإجراءات التعسفية ضد جميع وسائل الإعلام والثقافة، وسائل ضرورية لحماية أمننا وسلام أرضنا”، وبرر كلامه “لا يمكن ترك العوام على هواهم فيضلوا “.

ويحاول التنظيم توفير بدائل تنقل أخباره للناس، وتعوضه عن الوسائل الإعلامية الأخرى (إذاعة البيان)، إذ يوزع داخل نقاطه الإعلامية المنتشرة في المدينة مطبوعاته ونشرات يومية وأقراص مدمجة في الفقة والعقيدة والتفسير مجانًا.

أيادي التنظيم تطال الأقلام والأفكار خارج حدوده

حسن، ناشط من مدينة الرقة، اضطر مثل الكثيرين غيره، للخروج بسبب تهديدات التنظيم، اعتبر أن قوانين التنظيم الأخيرة، “تأتي مثل غيرها من الأنظمة الاستبدادية الشمولية التي تسعى للإمساك بجميع مفاصل الدولة والحياة والتي من أهمها وسائل الإعلام”.

وبحسب الناشط ورغم ابتعاد معظم الناشطين عن المدينة، إلا أن الخوف بقي يلاحقهم حتى في الخارج، مشيرًا إلى أن أيادي التنظيم تطال الأقلام والأفكار خارج مناطق سيطرته، “وأكبر دليل هو تبنيه خلال الأشهر الماضية اغتيال ناشطين سوريين في تركيا”.

وتستمر التهديدات لمن بقي “لإخضاع الجميع”، بحسب ناشطين من المدينة، حاورتهم عنب بلدي، وعلق أحدهم (رفض نشر اسمه)، “لا نأمن على أنفسنا من خناجر و كواتم يحملها متطرفون متعاطفون مع التنظيم أو مرتزقته”.

ويرى الناشط أن الهدف مما سبق “تركيع المدينة والأهالي، فالصور والكلمات هي أكثر من قاوم وأقوى من تصدى، كما أن التنظيم يعرف أنها أكثر تأثيرًا و أبعد مدىً وأشد قوة وقدرة على الاختراق “.

قائمة طويلة من المحظورات وضعها التنظيم تشمل المطبوع والمسموع والمرئي، و كل ما هو بعيد عن أفكاره، بما فيها الاتجاهات الدينية الأخرى والمذاهب المخالفة له، وغدا أهالي الرقة يصبحون كل يوم على قرار جديد يطيل تلك القائمة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة