“الشاهد المشهود”.. تدوين لتأملات فكرية بقالب السيرة الذاتية

tag icon ع ع ع

يمتلك الناس شغف معرفة الزوايا المظلمة من حياة الشخصيات العامة في سيَرها الذاتية، وما يمكن أن يصدم القيم السائدة ضمن الأسرار الشخصية لتلك الشخصيات، وهذا ما لم يكن في السيرة الذاتية للكاتب الفلسطيني وليد سيف، التي نشرها في 2016 تحت اسم “الشاهد المشهود- سيرة ومراجعات فكرية” ضمن 511 صفحة.

وفلسفة سيف في الغاية من كتابة السيرة الذاتية برزت في العنوان نفسه، إذ إن حياة الفرد، أي فرد، هي دراما إنسانية يتجلى فيها الشرط الإنساني والوجودي بكل ما فيه من أفراح وأحزان متحققة أو منكسرة، وبغض النظر عن مدى شهرة ذلك الفرد من عدمها، ولذلك فإن أي سيرة ذاتية يجب أن تركز لا على صاحب السيرة نفسه، إنما على التأمل والغوص في التساؤلات والمراجعات الفكرية التي تأخذ الطابع النقدي لعمل صاحب السيرة وتجاربه في نطاق مهنته.

السيرة المدوّنة لا تخلقها الوقائع الفعلية في حياة الإنسان، بقدر ما تخلقها الكتابة نفسها، وقيمة السيرة، وفق سيف، تتمثل في قيمة النص نفسه لا في الواقع الخارجي الذي يفترض أن النص يسعى إلى تسجيله، وإلا تحول نص السيرة إلى ما يشبه التحقيق الصحفي أو ملف الاعترافات التي تستند إليها التحقيقات الأمنية.

ويتنقل الكاتب في سيرته بين تجاربه الأدبية الأولى ورحلة دراسته الأكاديمية، وعمله في نطاق النصوص الدرامية التلفزيونية، تاركًا في كل مرحلة تعليقه وانتقاده حول تجاربه الفكرية وكيفية تغيرها وتطورها.

ويلخص الكاتب نظرته إلى الدين بقوله، إن الدين كحال أي مرجع عقدي أو مصدر ثقافي لا ينطق عن نفسه خارج نشاط الوعي الذي يتعامل معه.

وبذلك، فالحاكم المستبد يمكن أن يستغله ليبرر استبداده ويؤبده، ويقمع معارضيه. وفي المقابل، يمكن أن تستند إليه التيارات المتطرفة المنغلقة لتشريع القتل ونفي التعددية وتكريس التخلف، كما يمكن أن تستند إليه التيارات الوسطية المستنيرة، لتعظيم قيمة الحياة والإنسان، واحترام مبدأ الاختلاف والتعددية، ودفع عجلة التحرر والتقدم والتجديد والتطور والإنهاء.

ولا يصح، كما يعتقد سيف، الخلط بين الإسلام بوصفه عقيدة دينية يؤمن بها من يشاء وينكرها من يشاء، وبين الإسلام بوصفه حقيقة حضارية فاعلة يتدافع الناس على طرق توجيهها وتوظيفها.

وهذه الحقيقة الحضارية يجتمع فيها كل من ينتسب إلى الهوية العربية الإسلامية، المسلم وغير المسلم، والمؤمن وغير المؤمن، والفرد في هذه الحالة مجموعة هويات في الوقت نفسه، يجتمع في إحداها مع طرف، وفي غيرها مع أطراف أخرى، دون أن يلغي أحدهما الآخر بالضرورة.

وهذا يعني أن من جعل هويته العقدية اللادينية أو غير الإسلامية قوة طاردة للهوية الحضارية العربية الإسلامية، فقد احتكم للجمود الفكري بدلًا من النظر المعرفي، ووقع في الاغتراب والتغريب وتشتت الانتماء.

ومن يحاول الانتساب إلى هوية غير الهوية الإسلامية باقتراح “هوية أقلوية” عربية بديلة تتجرد من الإسلام، فلا يمكن تفريغها من مكوناتها الحضارية الإسلامية، مثل اصطناع هوية فرعونية أو فينيقية وأخرى سورية تنغلق على الهلال الخصيب، فلا يمكن تشييد هوية فرعونية مثلًا، بلا لغة فرعونية متواصلة من الماضي إلى الحاضر، بكل ما تعنيه اللغة من محمولات ثقافية تشكل الوعي والنظرة العامة للحياة.

وليد سيف هو فلسطيني من مدينة طولكرم، اهتم بكتابة النصوص الدرامية التلفزيونية والقصة القصيرة والشعر والتأليف المسرحي، كما يعتبر ناقدًا وباحثًا أكاديميًا، وهو من أبرز مؤلفي الدراما التاريخية، برز اسمه بشكل لافت في مسلسلات “التغريبة الفلسطينية”، و”عمر”، و”صلاح الدين الأيوبي”، ضمن رؤية المخرج السوري حاتم علي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة