tag icon ع ع ع

الاغتصاب الجنسي هو أحد الانتهاكات التي تقوم بها قوات النظام السوري (أمن وجيش) في معظم المناطق الثائرة ضد نظام بشار الأسد بعد كل حملة عسكرية تنفذها في تلك المناطق. حيث يعمد عناصر قوات قمنا بالبحث والتحري حول هذه القضية الشائكة، والتقينا مع عدد من الشهود الناجين من مجزرة التربة التي كان الجدل الأكبر حولها، كما قابلنا بعض النساء اللاتي تعرضن لمحاولات اغتصاب من قبل الجنود، و زرنا أحد الأطباء المطلعين على الحوادث التي وقعت والذي أكد لنا حصول تلك الحالات.
ونود أن نشير هنا إلى أن بعض الفتيات اللواتي تعرضن للتحرش أ ومحاولات الاغتصاب أو تم اغتصابهن فعلًا تكتمن على الأمر ورفضن الحديث عنه أو إخبار أحد به لاعتبارات عديدة..

يقول أبو رائد – وهو أحد الناجين من مجزرة التربة- «لم تخلُ المجزرة من الكلمات النابية التي تعرضت لها النساء والفتيات يومها، كنا جالسين ننتظر الإفراج عنا، وكانت بيننا عائلة – التي قُتل جميع أفرادها في وقت لاحق من نفس اليوم- عندما نادى عناصر الأمن على ابنتهم البالغة من العمر 17 عامًا وطلبوا منها التوجه إلى الشقة التي كانوا يتمركزون فيها دون أن نعرف السبب، وبعد حوالي 10 دقائق خرجت الفتاة وهي تبكي وترتب ثيابها وآثار صفعة باديةٌ على وجهها!! ذهبت الفتاة مباشرة إلى والدتها التي كانت تسأل الضابط عنها، كنت قريبًا منهما وسمعت أمها تسألها «ساوولك شي؟» لتجيبها نافية أنهم لم يفعلوا لها شيئًا. أبو علي – شاهد آخر- يروي ما رآه «عندما نادى الجنود على الفتاة غابت لمدة ربع ساعة تقريبًا، ربما تعرضت خلالها للتحرش والمضايقة والكلام المسيء من هؤلاء العناصر، ولكن من المرجح أنهم لم يغتصبوها وذلك حسب حالها حين عادت من عندهم ونظرًا لمدة غيابها القصيرة».

هاني – شاهد يقطن في بناء مجاور مطلّ على المكان الذي جرت فيه الحادثة والمجزرة – يروي مارآه أيضًا، حيث شاهد ثلاثة عناصر وقد جمّعوا بضعة شبان أمامهم وبعد قليل أتوا بفتاة تلبس عباءة سوداء ولا ترتدي الحجاب على رأسها، وهم يصيحون بالشباب «شوفوها… هاي اللي عم تتمشرف علينا» ومن ثم أعدموهم وأصيبت الفتاة بعدة طلقات لكنها لم تمت مباشرة وبقيت حية تئن وتتعذب بجراحاتها لأكثر من نصف ساعة، ونحن نسمع صوت آهاتها – يتابع هاني الحديث- إلى أن ياتي أحد العناصر ليقول لزميله «ريّحها» لنسمع صوت طلق ناري وليختفي صوت الفتاة بعد ذلك!! الشاهد هاني لا يعرف الفتاة ولكن وبالتقصي والسؤال والبحث تبين أن الفتاة التي تحدث عنها الشاهد هاني هي نفسها لأنها كانت تلبس عباءة سوداء وذلك كما ظهرت في تقرير قناة الدنيا وحسب شهادة أبو رائد وأحد أقاربها…
يذكر أن الفتاة هي ابنة السيدة التي ظهرت في تقرير قناة الدنيا وأجرت مذيعة القناة معها ذلك اللقاء الشهير معها وهي مضرجة بدمائها وقد استقرت أكثر من عشر رصاصات في جسدها، وبقيت في مكانها لساعات دون أن يتم إسعافها أو نقلها إلى المشفى ما أدى إلى وفاتها بعد أيام.

مجزرة داريا

أبو علي – شاهد آخر- يحدثنا أيضًا عن فتاة ليست من داريا وأغلب الظن أنها قدمت من «الجديدة» المجاورة برفقة ابن عمها،  فتاة في الثالثة والعشرين من عمرها تقريبًا ولا ترتدي الحجاب، رأها تتحدث إلى عناصر الجيش وتطالبهم بإعادة نقودها التي كانت معها والمجوهرات التي كانت تلبسها بعد أن سرقها العناصر منها وبعد طول جدل قال لها أحدهم «تعي خدي دهباتك» واصطحبها إلى شقة مجاورة، وغابت تلك الفتاة ما يزيد عن نصف ساعة لتعود وهي تبكي، وتوجهت إلى الضابط الجالس على الكرسي في الجوار وبدأت تقبل قدميه وهي تقول له «لا تخليهن ياخدوني» فقال لها ماكان يقوله طوال ساعات لضحايا المجزرة «انتو متل ولادي»!! وعندما جاء العنصر وأمسكها من شعرها ليجرها قال له هذا الضابط «اتركا ما قلتلك هي متل بنتي» عندها بدأت الفتاة بالبكاء مجددًا وقالت له «اغتصبوني… عناصرك اغتصبوني» فضربها الضابط على فمها وقال لها «اخرسي ما قلتلك انت متل بنتي»، عندها نهض الشخص الذي كان معها فقال له أحد العناصر «قعود ولك حيوان ليش وقفت» فيجيبه «هي بنت عمي» تكرر هي «نعم هذا ابن عمي» قال العنصر بعد أن بقي ابن عمها واقفا «تعا لشوف» ثم ذهب به خارجًا ولم نراهما بعدها

يتابع أبو علي حديثه: عندما نزلت الفتاة من الشقة بعد أن أخذها ذلك الجندي، كانت ثيابها ممزقة وكنزتها لا تستر كامل بطنها، وبعد أن توجهت إلى الضابط وتحدثت إليه، أشارت إلينا بأنهم يقتلون الناس خارج هذا الزقاق ثم صارت تبكي وتقول «اغتصبوني»…!!!

أبو فايز ناجٍ آخر من المجزرة روى لنا كيف أن امرأة في الثلاثينيات من عمرها كانت تجلس بالقرب منه عندما جاء أحد عناصر الأمن يسأل «حدا رحلو دهب؟» فـأجابت المرأة «نعم» وذهبت برفقة عدة نسوة معه وعندما وصلن إلى الشارع صرخن «ما بدنا شي… ما بدنا شي!!».. ظننا أنهن شاهدن الجثث فبدأن بالصراخ… لكن هاني الشاهد الذي كان في البناء المجاور يقول أنه رأى عناصر الأمن وقد أخذوا معهم بعض النساء وهن على قيد الحياة بإحدى سيارات الأمن، ولتبقى الحلقة مفقودة حاليًا في ظل وجود عدد من المفقودين والمفقودات الذين لم يُعرف عنهم شيء حتى الآن.

ضحية من ضحايا الاغتصاب في داريا روت لنا ما جرى معها أثناء الحملة الأخيرة، روت ذلك وهي تبكي ولم تتجاوز بعدُ ما حل بها قبل شهرين من الآن… تقول: كنت لوحدي في المنزل عندما بدأ عناصر الجيش يداهمون منطقتنا، انتشروا في كل المنازل ودخل عنصران لتفتيش منزلنا، اقتاداني أمامهما وأمروني بالدخول إلى إحدى الغرف قبلهم وجعلوا مني درعًا بشريًا في حال كان هنالك أحد في الغرفة… تقدمتهم وعندما دخلت الغرفة دفعوني بقسوة وأمروني أن أخلع ثيابي فرفضت… فقالوا لي «سنغتصبك شئت أم أبيت… بلا ما نضربك» ثم خرج أحدهم  من الغرفة ليحرس الباب وفتح حنفيات الماء ليوهم بقية أصدقائه أنهم يغسلون أيديهم وثيابهم، أحسست بخوفهم من أن يأتي أحد ويراهم فبدأت بالصراخ بأعلى صوتي، لكن العنصر هددني واقترب نحوي… وتغلب عليّ الخوف…. اغتصبني العنصر الأول فيما كان الآخر يحرس في الخارج وأنا أصرخ وما من مجيب، ثم تبادلا الأدوار.. وأنا أبكي وأصرخ وما من منقذ.

في مكان أخر من داريا حيث تمركز عناصر الجيش لبضع ساعات وفي أحد المنازل اعتقل العناصر رجال المنزل وهددوهم باغتصاب نسائهم، ثم جروهم خارج المنزل وبدأوا بتفتيش المنزل وهم يوجهون أسوأ الكلمات النابية للنسوة اللاتي كن ف الداخل ويهددونهن باغتصابهن . «هناء» إحدى القاطنات في ذلك المنزل تقول: «كنا بالمنزل حوالي العشرة نساء، وعندما دخلوا حولوا المنزل إلى فرع للتحقيق!! كانوا يستدعونناا الواحدة تلو الأخرى إلى الغرفة أو المطبخ  ليتم التحقيق معها من قبل الضابط» …. «عندما دخلت للتحقيق قال لي: جاثيًا عاريًا فرفضت، فقام من على الكرسي وضربني على وجهي…. لم يسألني أي سؤال عن السلاح أو عن أهلي  كما سأل أخواتي البنات قبلي، استدعاني للتحقيق أكثر من مرة، وفي كل مرة أدخل بها لعنده كان يقول لي أنت أحلى وحدة وأحقر وحدة»….. تتابع هناء «لقد أمرني أن أخلع ملابسي وإلا قام بقتل زوجي وابني الموجودين خارجًا فرفضت وقلت له اقتلهماه ولن أفعل ما تريد… كرر الضابط طلبه بأن أخلع ملابسي… قلت له إنني مريضة ولقد أجريت عملية مؤخرًا فضربني وأخرجني من الغرفة وهو يشتم ويسب ولم يستدعني للتحقيق بعدها .

أختها الكبرى تروي كيف حقق الضابط معها: «استدعاني الضابط الجالس بالمطبخ ومعه عنصران وبدأوا يسألونني أين السلاح فقلت لهما لا يوجد عندنا سلاح، فقال لي أحدهم يا بتخبرينا وين السلاح أو بدي اغتصبك… كررت جوابي نفسه فانهال عليّ بالضرب وهو يقول سأغتصبك فأنا لم أرى زوجتي منذ شهور وأنتم السبب. وهددني بأني إن لم أمتثل له وأرضخ لطلبه فإنه سيقتل إخوتي في الخارج فأجبته: يموتوا شرفاء أحسن ما يوطوا راسن»

أسيمة، أختهم الصغرى، تروي ما جرى معها… لقد سمعتهم يتحدثون عني!!… كان العناصر يقولون لبعضهم ويتهامسون «الصغيرة الحلوة خلوها للمعلم»!!! وتتابع أسمية  «اقتادوني إلى الضابط في الغرفة وقالوا لي اخلعي ثيابك فرفضت ذلك مباشرة، فضربني وهو يتفوه بأفحش الكلمات، ثم سألني عن السلاح فنفيت وجود أي سلاح في البيت فضربني وأخرجني من الغرفة»، تتابع أسيمة: حققوا معي أكثر من مرة، وفي كل مرة كانت مدة التحقيق لا تتجاوز الربع ساعة وأحيانًا بضع دقائق فقط… وفي إحدى المرات سألني العنصر المتواجد مع الضابط بالغرفة: ما بدك تشلحي تيابك؟؟!! كيف بدنا نرضي هالشب!!!!؟، وأشار إلى الضابط، فقلت للضابط اعتبرني متل أختك، فانهال عليّ أحد العناصر بالضرب والشتم «بدي اقتلك… فشرتي تكوني أخت المعلم» عندها صرخت بهم «اقتلونا وريحونا»….

تتابع أسيمة: بعد ذلك بقليل جاءهم اتصال  يأمرهم بالانسحاب وإخلاء المنطقة فورًا، فانهالوا علينا ضربًا قبل أن ينسحبوا وهددونا بالقتل إذا تكلمنا عن ما حدث معنا أمام أحد!!!

تصرفات أخرى غريبة قامت بها قوات النظام حسب ما يروي بعض الأهالي. فكثير من الأهالي الذين عادوا إلى منازلهم بعد أن اقتحمتها قوات النظام رووا كيف أنهم وجدوا أن بعض الملابس النسائية الخاصة مفقودة من منازلهم، فيما روى آخرون أنهم وجدوا ملابس نسائية ملوثة بالدماء مرمية في منازلهم وفي الطرقات، وبعضها وضع على «عصا» في إشارة من العناصر أنهم قد هتكوا الأعراض.

ولم يكتف النظام بتلك الممارسات بلإن عناصره قاموا بهتك أعراض الاموات أيضًا!! حيث يروي البعض ممن شارك في دفن جثث الشهداء أن عناصر الأمن والجيش قد سلموا جثث بعض النساء وقد مزقت ثيابهن!! فيما يروي شاهد آخر قال أنه ساعد في نقل جثة مدير منطقة داريا العقيد «محمود العمر» أنه بعد أن قتل عناصرُ الأمن مديرَ المنطقة بتهمة الانحياز إلى الأهالي لأنه طالب الأمن والجيش بعدم ارتكاب مجزرة في المدينة وعدم استخدام القوة المفرطة بحق أبنائها، قام عناصر الأمن الذين قتلوه بالتنكيل بجثته ووضعوا عصا في مؤخرته!! وقد أكد أحد مخاتير المدينة هذه الرواية فيما نفى أشخاص آخرون ذلك بقولهم إن أحًدا لم يستطع دخولالمخفر يومها.

أطباء الأمراض النسائية والأمراض النفسية أكدوا لنا وجود حالات اغتصاب تعرضت لها عدد من النساء أثناء الحملة الأخيرة على مدينة داريا، وأشار هؤلاء الأطباء إلى أن هؤلاء الفتيات والنساء يمررن حاليًا بأزمة نفسية سيئة بعد التجربة القاسية التي عاشوها…  كما أشاروا إلى وجود حالات أخرى – علموا ببعضها ولا يزال كثير منها طي الكتمان- لم يفصح أصحابها عنها لأن الأهالي يعتبرون ذكر حوادث الاغتصاب يمس بشرف الفتاة وعائلتها، فتراهم يُفضّلون كتمانها وإخفاءها رغم ما تحمله من أوجاع وآلام بشعة تضيق بها نفوسهم وتعتل منها صدورهم.

هذه بعض من الشهادات التي تجرأ أصحابها على الحديث عنها أوامتلك من شاهدها القوة والشجاعة ليروي ما رآه بعينيه من ممارسات ممنهجة يقوم بها عناصر النظام وبتوجيه مباشر من رؤسائهم في كثير من الأحيان. ورغم قسوة هذه القصص والألم الذي تسببت به لمن مر بهذه الحوادث وعايشها ولمن حوله، إلا أنها على ما تبدو لا تمثل إلا القليل مما ارتكبه النظام وعناصره في مناطق أخرى ومدن أخرى، حيث كان الاغتصاب سلاحًا أساسيًا في معركته ضد أبناء سوريا يسعى من خلاله لإذلالهم وكسر إرادتهم وإجبارهم على التراجع عن ثورتهم المطالبة بالحرية والعدالة والكرامة. فما رُوي من قصص التحرش وحوادث الاغتصاب التي قامت بها قوات على قلتها ليست إلا دليلًا يُظهِر الوجه الحقيقي للأسد ونظامه، ويثبت للعالم كله إجرام هذا النظام وانتهاكه للحرمات الإنسانية وارتكابه لكل أنواع الفواحش التي ما سبقه إليها أحد من العالمين.

مقالات متعلقة