الطبيب الضابط أبو البيش

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

تحدث رئيسُ بقايا سوريا، بشار الأسد، فور عودته إلى قاعة الخطابات، بعد هبوط ضغطه المفاجئ، عن “الأطباء” الذين يعتنون بالمرضى وينسون أنفسهم، وأتبع الجملة بابتسامة الواثق، على أساس أنه طبيب، ومختص بالعيون، بعيد من قبالي!

أنا، محسوبكم، كاتب هذه الأسطر، مستعد أن أحلف بالذي اسمُه على الماء جَمَد، على أن المرحومة “عيوش الكحالة” كانت تفهم بأمراض العيون أكثر منه، نعم، عيوش التي كانت تشخّص المرض الماثل أمامها بأنه نوع من “بَشْكَرة الدجاج” (فقدان البصر مع حلول المساء) وتعطي المريض قَطْرة تسميها “حَدّ الفصلين”، فإما أن تنجلي عيناه بعد أول قطرة، ويصبح قادرًا على التفتيح داخل المازوت، أو تتطور بشكرتُه لتشمل الليل والنهار. وبناء على مداخلات عيوش الطبية، أطلق أهل معرتمصرين مثلًا شعبيًا رائعًا هو: البشكرة أرحم من العمى.

لم يدرس أبو البيش الطب مثل بقية الطلاب الذين أوفدهم أهاليهم إلى بريطانيا العظمى لهذا الغرض، طبعًا، وهذا غير عائد لكونه “طَشَنة” لا يفرق بين الإرهابيين والإرهابيون مثل عضو مجلس الشعب محمد قبنض، ولكن لأن أبناء حافظ الأسد عندما كانوا يعيشون في كنف والدهم، كانوا موعودين بمستقبل رئاسي باهر، وعيش رغيد على حساب الشعب السوري المنحوس المجبر على الهتاف بحياة قاتله. وعليه فإن دراسة الطب وسائر العلوم الأخرى لا تلزم لهم، ولماذا يثقل الواحد منهم رأسَه بهذا العلاك إذا كان عمله القادم سيكون في القتل، والتعذيب، ومراقبة ولاء أفراد الطغمة الحاكمة له، وإلقاء الخطابات السفسطائية على الشعب الغلبان؟

ذات مرة، في بداية الثورة، ضرب الجيش العربي السوري الباسل مئذنة جامع في إحدى مناطق سوريا الشرقية، بقذيفة مدفعية، وعلى الفور ظهر أبو البيش في مقابلة تلفزيونية، وقعد يشرح للمذيع، مستخدمًا أصابعه في الإشارات والشوبرة، أنه، بوصفه ضابطًا في الجيش، يعرف أن المئذنة لا تُضرب بحيث تقتلع من شروشها إلا إذا كان الإرهابي جالسًا في أسفلها، فإذا كان الإرهابي متمترسًا في الأعلى يكفي ضربها في وسطه برشاش 500. وقد أثار ذلك الحديث استهزاءَ الناس، ليس لأنه يتحدث عن ضرب المآذن (فهذا أمر مألوف عند نظام الأسد)، ولكن لأنه يَدَّعي أنه ضابط، ويفهم بالعلوم العسكرية، ومعروف أن أقارب حافظ الأسد الأباعد كانوا يكتفون من الدراسة العسكرية بتسجيل أسمائهم في القيود، ولا يرجعون إلى الكلية إلا وقت توزيع شهادات التخرج مع تسليم الرتب، فما بالك بابن حافظ؟

عندما قُتل باسل الأسد ووقع الخيار على بيشو لوراثة الحكم جاء عمو عبد الحليم خدام، ونفضه، خلال دقيقة واحدة، بمجموعة ترفيعات يحتاج الضابط العادي إلى ثلاثين سنة لبلوغها، هذا إذا لم ينفضه أحد المخبرين بتقرير أمني مساحته دونم، ووقتها لا تكتفي القيادة الحكيمة بتوقيف ترفيعه، بل تتصرف معه إما بالنقل إلى الجيش الشعبي، أو إلى التدريب الجامعي، أو تسرحه نهائيًا، وإذا كان التقرير حاميًا بعض الشيء يمكن أن يغطّس تحت الأرض، فيساق إلى سجن “تدمر”، وإذا كان محظوظًا إلى “صيدنايا”، وفي أغلب الأحيان يموت في السجن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة