في ذكرى أسعد خرشوف

tag icon ع ع ع

نبيل محمد

مرّت أمس (11 من تموز) الذكرى السنوية السابعة لرحيل الفنان السوري نضال سيجري، الذي فارق جمهورَه في ريعان عطائه الفني، وبعد إصراره على الاستمرار بالوقوف أمام الكاميرا حتى الرمق الأخير، حيث ظهر فاقدًا صوته في مسلسل “الخربة”، بعد أن انتزع السرطان حنجرَته، ثم غيّبه، عن 48 عامًا.

قد يبدو استذكار سيجري، في ذكرى وفاته، أو دون مناسبة، هو استذكار للاختلاف في ظل حمّى التشابه المسيطرة على أغلبية منتجات الفن السوري تلفزيونًا ومسرحًا وسينما، التشابه الذي حوّل أغلبية ما أنتِج سوريًّا في السنوات الأخيرة إلى مادة رديئة، رداءة ليس أصلها اتباع هذا المنتج للخطاب السياسي السوري الرث، وتطويع كل ما يمكن تطويعه في الفن ليخدم العقلية الأمنية، إنما أيضًا لتسطّح الشخصيات الفنية التي كانت تبشّر ربما بمدارس جديدة مختلفة. حتى الطاقم الذي كان سيجري يعمل من خلاله، من ممثلين وكتاب ومخرجين، باتوا خارج سياق الاختلاف والجدّة التي أشارت في مرحلة سابقة إلى أنها تحاول “التغريد خارج السرب”، هذا التشبيه الذي أيضًا يبدو مستهلكًا لكثرة ما استخدِم على ألسنة من وجدوا أنفسهم مختلفين.

“ضيعة ضايعة” ذلك العمل الكوميدي السوري الاستثنائي الذي حضر على شاشاتنا في جزأين، وحاز متابعة ربما لم يحظَ بها عمل تلفزيوني سوري سابقًا، بل وكرّس شخصيات كوميدية خالدة، لم تكرَّس قبل ذلك إلا أيام “غوار الطوشة” و “حسني البورظان”، تمثلت بشخصيتي “جودة أبو خميس” و”أسعد خرشوف”، في البيئة الفقيرة البعيدة عن أي تطور مدني، والخاضعة لسلطتي الفقر والخوف. بتتبع نجوم هذا العمل سنجد “جودة” (باسم ياخور) متربعًا في مكانة إعلامية ومالية وفنية، نالت ما يمكن من الشهرة، والثروة، ببرامج ذات إنتاج ضخم، ضخ بها كبار رجال الأعمال المتنفذين في زمن الحرب فتات أرباحهم من الأسواق السوداء، وحضرت فيما شاءت من مسلسلات مكرورة، ولم يغب صوت ياخور المؤيد للنظام الذي أتاح له ما شاء من مجد وشهرة. أما مختار الضيعة “البيسة” فالتصق بكرسي نقابة الفنانين، رغم أنف الفنانين الموالين بكل ما أوتو من أصوات وواسطات، حاولوا فيها تغييره فلم يقدروا، ليبقى الآمر الناهي، بينما عدوه التقليدي “سليم” (فادي صبيح) حاول الحلول مكانه فلم يستطع لكرسي النقابة سبيلًا، لكنه وجد لنفسه مكانًا في مجموعة كبيرة من أفلام السينما التي حملت خطاب النظام بكل تكلّفه وزيفه. وكذا حاولت “ديبة” (تولاي هارون) إزاحة “المختار” عن كرسيه بكل ما أوتيت من صوت لم يهدأ مهللًا للنظام خلال سنوات طويلة ولم تقدر، فالختم لا يخرج من جيب المختار.

يبقى وجه المسكين “أسعد” الذي غاب عن ذاك المعترك، هو الصورة النقية الوحيدة في هذا العمل، الصورة التي لن تزعجك إن شاهدت المسلسل مرة أخرى، والشخصية التي لابد أنها كانت الأكثر ثباتًا في ذهن الجمهور من خلال هذا العمل، لم تتح له الحياة زمنًا ليرى الواقع الحالي، وليكون جزءًا من هذا المشهد، أو على نقيضه تمامًا، وليقع في مغبة خسارة حيز واسع من الجمهور بناء على موقف سياسي. بقي صوته المبحوح، المتأثر بتردي صحته، ذا وقع مختلف لجمهور التلفزيون. أما جمهور خشبة المسرح، فيعرف تمامًا أي مكان كان فيه سيجري، من انتماء لهذا الفن الذي هجره كثير من مرتاديه وعشاقه، في ظل تردي ظروفه الإنتاجية، وإهماله من قبل المؤسسة الرسمية المحاربة لكل فن جماهيري أوبرالي يحث على النشاط والخروج من المنزل، وممارسة الثقافة.

البساطة والعفوية والشعبية والصدق وخفة الظل، صفات من الصعب أن تجتمع بفنان سوري، خاصة في زمن بات الفن السوري فيه ابن معمل السياسة بشكل مباشر لا رمزي، لكن هذه الصفات اجتمعت في شخصية سيجري، الذي بمرارة غيابه المبكر ربما مُنح خلودًا لن يمنحه الحضور لكثيرين من زملائه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة