وين كنتوا لمّا؟

tag icon ع ع ع

ملاذ الزعبي

لطالما خاطبني محدّث منذر خدام بصيغة الجمع في السؤال العابر للزمان والمكان «وين كنتوا لمّا كان يحدث كذا وكذا»، وكنت أعتقد أن هذه الصيغة إنما قائمة على توقير شخصي الكريم وتبجيله، وأنها تأتي في السياق نفسه الذي يدفع محدّث منذر خدام أن يخاطبني قائلًا «حضرتكم فعلتم كذا» أو «حضرتكم صرحتم بكذا»، إلا أنني اكتشفت متأخرًا أن غطرستي إنما قادتني إلى سوء فهم مريع، وأن هذا السؤال ما هو إلا اتهام مبطن لشخصي الكريم ذاته بالمشاركة أو بالتواطؤ في جرائم متعددة الأشكال والجهات المنفذة والضحايا.

فأنا، ودون العياذ بالله، وفق هذا السؤال مشارك بصفتي عربيّ العرق في القمع البعثي المديد للأكراد، والأنكى أنني مساهم لا يمكن إغفال دوره في قمع انتفاضتهم عام 2004. وأنا أيضًا، كوني من منبت سنّي، شاركت في الانتهاكات بحق أبناء محافظة السويداء من الدروز عام 2001. وإلا وين كنتوا لمّا..

وبما أنني سوري، فلا يمكن تجاهل دوري الحاسم في اجتياح جيش بلادي للبنان وحكمه البلد المجاور بالحديد والمخابرات على مدى عقود شهدت ما شهدته من تجاوزات. وأنا، ذو الأصول الريفية، متواطئ بكل تأكيد على تدمير «الضيعجي» حافظ الأسد لمدينة حماة وارتكابه مجزرة فيها عام 1982. وإلا فأين كنت لمّا..

طبعًا، لا تقتصر الموبقات التي كنت أحد مدبريها على الشأن السوري، فأنا، كمسلم أيضًا لا بدّ أنني ضالع في التحريض والتخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. وكشرقي، لربما أسهمت في اعتداءات حصلت وتحصل بالغرب. وكأحد مواطني النصف الجنوبي من الكرة الأرضية ثمة شك يحوم حولي بخصوص حوادث وجرائم جرت في نصفها الشمالي. وإلا وين كنتوا لمّا..

بناء عليه، ووفق صيغة التساؤل الإنكاري ذاتها فإنني أحمّل الحاج هوزان عيسى من سكان الحارة الشرقية في بلدة ديريك جزءًا من المسؤولية عن أي انتهاك ارتكبته أو سترتكبه قوات كردية بحق جهات أو تجمعات عربية أو تركمانية أو آشورية، كما أسأل سكان بلدة سبرينغفلد الأميركية «وين كنتوا لمّا قامت القوات الأميركية باحتلال أفغانستان والعراق»، وأدين كذلك صمت الآنسة لونا الطرابلسي من محلة درب التبانة في مدينة طرابلس على مشاركة حزب الله اللبناني في قتل الشعب السوري واحتلال أراضيه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة