tag icon ع ع ع

عنب بلدي – روزنة

صبغ النظام السوري نهاية عام 2019 في ريف إدلب الجنوبي بالدم والبارود، مسببًا نزوح مئات الآلاف نحو الشمال، وهو يتقدم مسيطرًا على سدس مناطق الشمال الغربي منذ بداية العام الماضي، حسب إحصائيات فريق “منسقو الاستجابة“.

وكعادتها، تعالت أصوات الإدانة من دول مجلس الأمن والأمم المتحدة للمطالبة بالتهدئة، وأُجريت لقاءات بين الضامنين الروس والأتراك، الذين لم يتجاوز تأثير قراراتهم لخفض التصعيد قاعة الاجتماعات، في حين طُبقت شروط مغايرة على الأرض والميدان.

إلا أن العام الجديد حمل معه متغيرات جديدة على الصعيد العالمي والإقليمي، من التوتر التركي- الروسي في ليبيا، والتصعيد الإيراني- الأمريكي في العراق، تشابكت مع مصير النزاع السوري ضمن المصالح المعقدة لداعمي أطرافه.

التقى برنامج “صدى الشارع“، المذاع عبر راديو “روزنة”، بمحللين سياسيين وعسكريين لتوضيح السيناريوهات المتوقعة لإدلب في عام 2020.

بـ”الفيتو” الروسي.. لا أثر للكلام دون الفعل

تضع روسيا نصب عينيها طريقي “M4″ و”M5” الدوليين، الواصلين بين المدن السورية الكبرى شمالًا وجنوبًا، ويعتبران شريانًا للاقتصاد السوري المتهالك، لذا تحاول فرض واقع ميداني جديد يتخطى ما تم الاتفاق عليه مع تركيا عام 2018، من سحب السلاح الثقيل وتسيير دوريات مشتركة في المنطقة العازلة، متجاهلة الرفض الدولي والمعاناة الإنسانية التي ألحقتها بما يزيد على مليون شخص من سكان ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي.

أحال “الفيتو” الروسي أي بيان أو إدانة من مجلس الأمن إلى نهج عاجز، حسب رأي الكاتب والمحلل السياسي فراس فحام، الذي أشار إلى افتقاد المجتمع الدولي الآليات “الواضحة” لإيقاف تقدم روسيا في إدلب.

وأضاف فحام، في حديثه لـ”صدى الشارع”، أن الجهود الدولية يجب أن تنصب على ما هو “خلف الكواليس”، مثل التهديد باستهداف المصالح الروسية أو تمرير الأسلحة للثوار أو التهديد بالانسحاب من العملية السياسية، التي تدعمها روسيا.

وتصر روسيا في مفاوضاتها مع الجانب التركي على دخول المؤسسات التابعة للنظام السوري إلى محافظة إدلب، مع حديث عن وعود من النظام السوري لأصحاب رؤوس الأموال السوريين بإعادة عجلة الاقتصاد السوري عبر طرقات التجارة الدولية، إلا أن تلك التفاهمات لم تتم حتى الآن، حسبما قال المحلل السياسي.

وفي حين تتذرع روسيا بمحاربة التنظيمات “الإرهابية” في إدلب، تبتعد تركيا عن محاولة تفكيك تلك العناصر لتجريدها من حججها، لقناعتها، حسب رأي فحام، بأن التصعيد الروسي لا يتعلق بتلك التنظيمات وستجد حججًا أخرى حتى إن انتهت، كون روسيا تعتبر كل الفصائل المناهضة للنظام السوري “إرهابية”، لذلك لا تسعى تركيا للدخول بصدام ومواجهة مع روسيا، ولكن تفضل القيام بعملية تفكيك أمنية وسياسية لتلك التنظيمات، وإدماج عناصرها السوريين ضمن جسد أو تنظيم عسكري سوري خالص.

وأضاف فحام أنه ومع تصاعد المعاناة الإنسانية نتيجة تقدم قوات النظام السوري وروسيا، تزداد المخاوف الأوروبية من تبعاتها، وهو ما تستغله روسيا محاولة حصر إيصال المساعدات الإغاثية عبر النظام السوري، ما يعني تحقيقه اعترافًا “ولو كان مبسطًا” بسيادته.

إلا أن المشهد العسكري لم يحسم لمصلحة النظام السوري وروسيا بعد، حتى مع سعي الضامن التركي للحل السياسي، إذ إن وصول التعزيزات من “الجيش الوطني” التابع لـ”الحكومة السورية المؤقتة” إلى جبهات إدلب كلف النظام خسائر “كبيرة”، حسبما قال المحلل العسكري العقيد زياد حاج عبيد.

وأضاف عبيد لـ”صدى الشارع” أن النظام السوري قد يسعى لفتح جبهات جديدة لتخفيف الضغط على جبهة جنوبي إدلب، بمساعدة الميليشيات الإيرانية، إلا أن “قواعد اللعبة ستتغير”، بعد مقتل قائد “فيلق القدس” الإيراني، قاسم سليماني في 2 من كانون الثاني الحالي.

مكانة إدلب بين شرق الفرات وليبيا

لا تقتصر العلاقة الخارجية بين روسيا وتركيا على شمال غربي سوريا، إذ تواجه الطرفان في شرق الفرات بين التوغل التركي لفرض “المنطقة الآمنة” على طول الحدود السورية- التركية، والدعم الروسي لـ”الإدارة الذاتية” الكردية.

واتفق الطرفان بعد أسبوعين على انطلاق العملية العسكرية التركية، التي سميت بـ”نبع السلام”، على سحب كل القوات الكردية من الشريط الحدودي لسوريا بشكل كامل بعمق 30 كيلومترًا، وفسح الاتفاق المجال أمام قوات النظام السوري للدخول إلى مناطق شرق الفرات للمرة الأولى منذ عام 2012، ضمن تفاهمات مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وهو ما اعتبرته وزارة الدفاع الروسية أهم إنجاز لقواتها الموجودة في سوريا عام 2019، حسب تصريح قائد القوات الروسية في سوريا، ألكسندر تشايكو، في 27 من كانون الأول 2019.

ولكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، انتقد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، في 15 من كانون الأول 2019، لـ “عدم التزامهما” بتنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بسحب “الوحدات الكردية” من المناطق المتفق عليها، متوعدًا بتكفل تركيا بإبعاد خطر “التنظيمات الإرهابية” عن حدودها.

وبرأي المحلل السياسي فراس فحام، فإن روسيا ليست مهتمة بشرق الفرات، بعد تعزيز الولايات المتحدة وجودها قرب الحقول النفطية في المنطقة، وتصعيدها الضربات التي تستهدف القواعد الإيرانية في دير الزور مؤخرًا.

ورجح المحلل العسكري العقيد زياد حاج عبيد، أن تبقى منطقة شرق الفرات ورقة للتفاوض بين روسيا وتركيا، مع ما حققته روسيا من فوائد فيها، ولكن ارتباطها بشمال غربي سوريا قد يأخذ جميع النواحي، من الفائدة أو الضرر.

وبالنسبة للملف الليبي، الذي تصدر واجهة المنافسة التركية- الروسية، مع دعم الحكومة التركية لحكومة “الوفاق” الحاصلة على الشرعية الدولية، واصطفاف روسيا مع المشير خليفة حفتر، الساعي لانتزاع السلطة، وانتشار الأنباء حول استعانة الطرفين الدوليين بقوات خارجية لدعم طرفي الصراع الليبي، أشار فحام إلى أن تركيا تعتبر الملفين الليبي والسوري مهمين لأمنها القومي، واعتبر الربط حاليًا بين الملفين “ضعيف”، مع صب روسيا اهتمامها على فتح طرق التجارة الدولية في سوريا ووضعه في أولوياتها.

واعتبر المحلل السياسي إمكانية نقل تركيا مقاتلين سوريين للمشاركة في ليبيا، كما سرت شائعات منذ منتصف كانون الأول 2019 حول حصول ذلك بالفعل، خطوة لتشكيل “جبهة” تركية- ليبية- سورية لحماية مصالح الجهات الثلاث، نافية صفة “المرتزقة” عن المقاتلين السوريين إن توجهوا للمشاركة بالنزاع الليبي.

هل من أمل بالنجاة؟

تمكن النظام السوري وحليفته روسيا من السيطرة على سدس مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا خلال العام الماضي، وفقًا لإحصائيات فريق “منسقو الاستجابة“، موقعًا أكثر من 1700 قتيل، بينهم أكثر من 1300 مدني، بحملته العسكرية المستمرة من بداية عام 2019، ومجبرًا أكثر من 1.1 مليون شخص على النزوح، لتبلغ نسبة النازحين 49% من العدد الكلي للسكان البالغ 4.3 مليون نسمة.

وصف المحلل العسكري العقيد زياد حاج عبيد ذلك التجمع من النازحين بـ”الجيش الشعبي”، مع ضمه مهجرين من جميع أنحاء سوريا ممن أصروا على “الحرية”، وبرأيه فإن الشعب السوري الذي تمكن، بعد بدء تحركه المطالب بالإصلاح عام 2011 وتحوله للصراع المسلح بسبب قمع النظام، من السيطرة على 70% من مساحة سوريا، سيتمكن من الصمود والوقوف بوجه هجمة النظام وروسيا لأنه “صاحب حق”.

أعدت هذه المادة ضمن اتفاقية التعاون بين صحيفة عنب بلدي وراديو روزنة

مقالات متعلقة