قانون سيزر.. من الذي سيربح أخيرًا

tag icon ع ع ع

أسامة آغي

تمكنت الجالية السورية في الولايات المتحدة الأمريكية من فصل “قانون حماية المدنيين” المسمى “قانون سيزر” عن مشاريع قوانين أخرى، كانت تمنع التصديق عليه، فقد أُرفق نص مسودة قانون “سيزر” كإضافة لقانون الموازنة الأمريكية لعام 2020، وهذا يعني مرور مشروع القانون بعد توافق كبير بين أعضاء الكونغرس من الجمهوريين والديمقراطيين.

ولكن، هل سيخدم إقرار هذا المشروع الشعب السوري بعد طول معاناة من الصراع المدمر في البلاد؟ يبدو السؤال بسيطًا أمام القارئ، ولكن الجواب عنه ليس كذلك، فمشروع القانون ينص على معاقبة الجهات والشركات والأشخاص، الذين يتعاملون مع حكومة النظام السوري في قطاعات اقتصادية متعددة، ومعاقبة كل من يوفر للنظام التمويل، أو يتعامل مع مصارفه الحكومية، بما فيها المصرف المركزي السوري.

وقد وردت فقرة في نص المشروع تقول “كل من يزود شركات الطيران السورية التجارية بالطائرات، أو يتعامل تجاريًا مع قطاعي النقل والاتصال، التي تديرها الحومة السورية، أو يدعم صناعة الطاقة في البلاد، سيكون عرضة للعقوبات أيضًا”.

إذًا، يمكننا الاستنتاج، أن هذا القانون يغلق الباب أمام كل مساعدات ممكنة، يقدمها حلفاء النظام السوري العلنيين (روسيا وإيران)، أو غير العلنيين من دول أخرى، أي إن قانون “سيزر” يعمل على تجفيف خطوط التمويل المالي، وكذلك يمنع عنه كل قدرة تجارية، تتعلق بشركات الطيران أو شركات إعادة الإعمار، إضافة لحركة السيولة النقدية في المصرف المركزي السوري.

إن قراءة نص مشروع “قانون حماية المدنيين” أي قانون “سيزر” بتأنٍّ، تحيل إلى فهم أن هذا النص تطال عقوباته روسيا وإيران بشكل مباشر، فهاتان الدولتان متورطتان بمد النظام السوري بأسباب القتل والدمار والبقاء، رغم وحشيته، وتسببه في أزمة خطيرة، تهدد أمن منطقة الشرق الأوسط برمتها.

وفي انتظار التصويت على هذا المشروع في مجلس الشيوخ الأمريكي، بعد أن نال كل أصوات مجلس النواب، ثم توقيع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عليه، يمكننا محاولة قراءة ما سيحدثه إقراره، ولعلنا نشتمّ بعضًا من ذلك عبر تصريح أدلى به منذ أيام جون بولتون، قال فيه: “إن روسيا تغرق في سوريا”.

تصريح بولتون أتى بعد محادثات سوتشي بين تركيا وروسيا بشأن ما يسمى “شرق الفرات” أي منطقة الجزيرة السورية في شمال شرقي البلاد. ولكن تأمل المشهد السياسي العام في الشرق الأوسط، يجعلنا نقول، إن هناك ترابطًا غير مرئي في جذور تطورات الأحداث في المنطقة، هذا الترابط ناجم عن إدارة هذه التطورات عن بعد، ونقصد بالتطورات انتفاضتي لبنان والعراق.

هذه الرؤية لا تنكر مطلقًا طبيعة الانتفاضتين المتفجرتين في هذين البلدين، ولكنها تؤكد أن هناك عملية استثمار لها عن بعد، الغاية منها إجهاض مشروع إيران التوسعي في المنطقة العربية، الذي يشكل تهديدًا خطيرًا لكل دول الإقليم، وكذلك تضييق الخناق على المشروع الروسي للحل السياسي، الذي يقوم على مبدأ القضم التدريجي للمناطق المحررة، وإعادة تأهيل النظام سياسيًا.

ويمكن تلمس هذا المشروع الروسي من خلال استمرار اجتماعات “أستانة” للضامنين الثلاثة في العاصمة الكازاخية، نور سلطان، التي تدل على عدم جدية الروس في دعم وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الصادر في نهاية عام 2015. فلو كان الروس جادين في التوافق على مضمون القرار المذكور، لفعلوا ما يخدم هذا التوافق، ولكنهم يتصرفون وفق صيغة تقول “نوافق ثم نفرغ الأمر من مضمونه”.

إن جوهر الموقف الروسي الذي يسيطر على القرار السيادي السوري، يتمثل بإرسال وفد النظام السوري إلى محادثات جنيف، ودفع وفد هذا النظام إلى تعطيل جلسات المفاوضات، من خلال إقحام قضايا ليست من اختصاص اللجنة الدستورية، وهذا جزء من التكتيك الروسي، الذي يريد إفراغ القرار الدولي من مضمونه، واستبدال هذا المضمون بتفاهمات تفرضها موسكو عبر محادثات “أستانة”.

إذًا، مشروع قانون “سيزر”، سيسمح للولايات المتحدة الأمريكية أن تلعب دورًا في إدارة الصراع السوري، وهي أي الإدارة محمية الظهر بقانون رسمي، وهذا يعني على المستوى السياسي، أن القانون هو ورقة ضغط وتهديد أمريكية، تريد ضرب عدة عصافير سياسية في آن واحد، منها ضمان بقاء القوات الأمريكية في سوريا، وفرض الهيمنة والسيطرة الأمريكية على مفاعيل الصراع السوري، هذه المفاعيل كانت ضعيفة الأداء، يشوبها عدم وضوح استراتيجي أمريكي حيال هذا الصراع.

وكذلك يمكن احتساب قانون “سيزر” على أنه ورقة تهديد للروس والإيرانيين في سوريا، وهي أيضًا تهديد حقيقي للنظام السوري، الذي لا يزال في مربع عنفه الأول ضد شعبه. فالإدارة الأمريكية ستكون أكثر قدرة على المناورة مع الروس، وستعمل على إجهاض مشروع روسيا في تحويل سوريا إلى محمية ومستعمرة روسية، وهذا يعني فشل الاستثمار العسكري والسياسي والدبلوماسي الروسي في هذا البلد، ويعني أيضًا، أن حنكة الثعلب لافروف، ستكون مقيدة في توظيف عناصر الصراع في سوريا وعليها، باستثناء حالات ردود الفعل والغضب، التي يبديها لافروف أحيانًا، والتي تشبه حركة ذيل الثعلب حين يكون في مأزق.

ويترافق صدور هذا القانون مع ازدياد وهج انتفاضتي لبنان والعراق ضد نظاميهما المواليين لإيران، هذا التوقيت يخدم أهداف الولايات المتحدة المعلنة باتجاه تجفيف الوجود والنفوذ الإيرانيين في دول الإقليم وأولها نفوذه في سوريا.

ولكن، هل نستطيع القول، إن قانون “سيزر” سيلعب دورًا رئيسًا في إسقاط النظام السوري؟ الجواب لا يمكن أن يكون بنعم أو لا، ولكن يمكن القول، إن إغلاق الأبواب أمام مد النظام السوري بنسغ الحياة اقتصاديًا، يعني التعجيل بتفاقم أزماته الداخلية اقتصاديًا وحياتيًا، فحاضنته يعيش ما نسبته 80% منها تحت خط الفقر قبل تطبيق قانون “سيزر”، فما الذي سيحدثه تطبيق هذا القانون بهذه الحاضنة؟

الجواب واضح هنا أمام النظام السوري وحلقته القيادية الضيقة، فهما أمام أحد احتمالين متوقعين، الاحتمال الأول، مواجهة جوع حاضنتهم ورد فعلها، والاحتمال الثاني، هو الرضوخ الفعلي لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وهذه المرة لن يجد النظام من يستطيع ضخ نسغ الحياة إليه، فالروس أو غير الروس لن يستطيعوا التحايل على قانون “سيزر”، ولذلك وحفاظًا على مصالحهم، قد تذهب حكومة بوتين إلى قبول تمرير الحل السياسي الدولي المتضمن رحيل الأسد وحاشيته عن سدة الحكم في سوريا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة