tag icon ع ع ع

عنب بلدي – روزنة

سيطرت قوات جديدة على حقول النفط السوري، الذي سمع به السوريون لعقود دون أن يشعروا بدفئه، ليعود جدل أحقيته إلى سطح الخلافات المهيمنة على القضية السورية وأطرافها المتشعبة.

نشرت الولايات المتحدة قواتها حول حقول النفط السورية معلنة “تأمين النفط وحمايته”، من خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”، وممن “يريدون أخذ حصة منه”، حسبما ذكر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في سلسلة من التصريحات منذ سحبه الجنود الأمريكيين من الحدود السورية الشمالية، مفسحًا المجال لعملية “نبع السلام” التركية التي انطلقت في 9 من تشرين الأول الماضي.

تنوعت الأهداف المعلنة لعائداته، من دفع “الحصة” الأمريكية، إلى دعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وسط اعتراض روسي، وترقب للنظام السوري، وتخوف للشعب من شتاء قارس جديد تعز فيه نقطة الوقود.

ما الاحتمالات الممكنة لمصير النفط وعائداته؟ ولمن تعود أحقيته؟

برنامج “صدى الشارع” عبر راديو “روزنة”، رصد آراء الشارع السوري والتقى بمحللين عرضوا وجهة نظرهم لشرح الوضع الراهن والإجابة عن الأسئلة السابقة.

رحلة النفط بين أطراف النزاع

بدأ إنتاج سوريا للنفط نهاية ستينيات القرن الماضي، ليقع سريعًا تحت تصرف رئيس النظام السوري السابق، حافظ الأسد، ما إن هيمن على السلطة بداية السبعينيات.

قُدّر الإنتاج في بدايته بنحو ألفي برميل في اليوم وأخذ بالتصاعد التدريجي مترافقًا مع التطور التكنولوجي في أساليب استخراجه واستثماره، ليصل إلى نحو 500 ألف برميل يوميًا بعد عام 2000، حسبما قال الباحث الاقتصادي خالد التركاوي لبرنامج “صدى الشارع”.

لم يدخل القسم الأكبر من موارد النفط ضمن خزينة الدولة السورية، وفقًا للباحث الاقتصادي، الذي أشار إلى أن تصريحات المسؤولين الحزبيين، المنتمين لحزب البعث، ذكرت توجيه موارد النفط “لشراء السلاح” ضمن خطة “التوازن الاستراتيجي الإسرائيلي”.

وعلى الرغم من إعلان نظام الأسد عن نضوب الثروة النفطية قريبًا في ذلك الحين، إلا أن اكتشاف حقول نفطية جديدة، واهتمام القوى العالمية بالسيطرة على موارد الطاقة السورية، حسبما يرى التركاوي، بيّن زيف تلك التصريحات، وسلط الضوء على ما حاول النظام إخفاءه من موارد اقتصادية في سوريا.

تراجع الإنتاج النفطي مع بدء النزاع السوري عام 2011، “بسبب تقطع الطرقات، ولأن النظام بعد 2012 بدأ يفقد سيطرته حتى على الأماكن الرئيسية التي يتوزع فيها النفط، وخاصة دير الزور والحسكة اللتين تعدان أكبر منطقتين لوجود الآبار النفطية في سوريا”.

إنتاج محافظة دير الزور، التي تعد أفقر المحافظات السورية وأقلها تأهيلًا، كان يصل إلى 400 ألف برميل، باستثمار من شركات فرنسية وأمريكية، تعتمد آليات حديثة للتنقيب والإنتاج والترويج، حسبما قال التركاوي، وبلغ إنتاج الحسكة حوالي 150 ألف برميل، ثم بدرجة أقل توجد حقول ريف حمص الشرقي والبادية السورية، الذي شكل النظام السوري لحمايتها “الفيلق الخامس” مع القوات الروسية الموجودة في المنطقة.

وبعدها سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على المناطق الغنية بالنفط، ولكن إنتاجها كان محدودًا بـ 40 أو 50 ألف برميل يوميًا، بحسب تقديرات للبنك الدولي وبعض المؤسسات الدولية، لاستخدامه وسائل “أقرب للبدائية بدل استخدام وسائل متطورة للإنتاج”، حسب تعبير التركاوي.

وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن عملية الإنتاج بعد عام 2011 تراجعت “بسبب غياب أهم نقاطه”، وهم العمال والمهندسون المختصون وذوو الخبرة.

استفاد التنظيم من عائدات النفط لسنوات، حتى وصلت ميزانيته المعلنة لإنشاء المشاريع في “خلافته” إلى خمسة مليارات دولار، اعتمادًا على عائدات النفط والزراعة.

ولم يحرم التنظيم كذلك النظام السوري من الاستفادة من النفط، مع شرائه معظم الإنتاج النفطي وبالعملة الأمريكية، وهذا لم يتغير لاحقًا بعد سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عليه، حسب تقدير التركاوي.

ووصف التركاوي استثمار “قسد” للنفط السوري بـ”السرقة”، لاتجاهها لبناء محطات لتقوية “نفوذها ونزعتها الانفصالية.. بما لا يخدم الشعب السوري”.

لأمريكا.. أم لحلفائها؟

تضاربت التصريحات الأمريكية حول مصير النفط السوري، فبعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، صراحةً نيته أخذ “حصة” الولايات المتحدة من النفط، عاد مسؤولو “البنتاغون” للتأكيد على أن عائدات النفط ستوجه فقط إلى حلفاء أمريكا من الكرد في “الإدارة الذاتية”.

إلا أن ذلك التضارب لا يعيق الأهداف الأمريكية، بحسب تقدير الكاتب والصحفي درويش خليفة، الذي قال لبرنامج “صدى الشارع” إنها تتمثل في إمساك “مفتاح الحلول السورية”.

وأضاف خليفة أن الولايات المتحدة لن تسلم النفط لأي من الدول الموجودة على الجغرافيا السورية، من روسيا وإيران وتركيا، كي “لا يمر أي حل سياسي بسوريا إلا عبر الأمريكيين”.

وأشار الصحفي السوري إلى أنه ومع إعلان الولايات المتحدة عن تقديمها النفط لحلفائها، “لترضيتهم وتعويضهم” عما بذلوه في قتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، إلا أنها لن تقبل بتعاون الكرد مع روسيا أو النظام السوري كي لا تفقد ورقة ضغطها عليهم.

وبالنسبة للولايات المتحدة، لا يرى خليفة أي مكاسب اقتصادية مهمة في النفط السوري، فهو صراع بين الدول الكبرى على فرض النفوذ، وترامب يحاول استخدام النفط “رهينة” لاستخدامها كعملة للمقايضة ضد الأسد وداعميه لإدارة العملية السياسية الجارية في سوريا.

حقٌ في مهب الريح

النفط ليس المورد الرئيسي للطاقة في سوريا، فهناك الغاز والفوسفات، وكل تلك الموارد خرجت من يد الشعب السوري للسنوات العشر أو 15 المقبلة، حسبما قال الباحث الاقتصادي خالد التركاوي.

وحُكم مستقبل موارد الطاقة بالعقود والاستثمارات التي اقتسمتها الأطراف الأجنبية في النزاع السوري، من وقوع 80% من حقول النفط بأيدي القوات الأمريكية التي أعلنت نيتها تسليمها لشركات إنتاج قد يدوم عملها لعشر سنوات مقبلة أو أكثر، حسبما يرى التركاوي، وسرقة روسيا لموارد الغاز في الساحل السوري وفق عقود قانونية، وانتزاعها الفوسفات من الأيدي الإيرانية مؤخرًا.

ولا تقف مسألة توزيع العائدات على “الأحقية”، التي تعود للشعب السوري حسب تقدير التركاوي، ولكنها “مسألة الأمر الواقع”، إذ احتكر نظام الأسد عائدات النفط منذ البداية ولم يعكسها على موازنات الدولة وبناء بنى تحتية “محترمة”، “على الرغم من وجود كل الموارد الأخرى من رأس المال والموارد البشرية والكفاءات”.

ويرى التركاوي، حسب بيانات الإنتاج المعلن للنفط ما قبل عام 2011، أن النظام السوري حرم الشعب من مضاعفة مستوى دخله خمس أو ست مرات من عائدات النفط، الذي قارب إنتاجه، الذي تراوح بين 500 و550 ألف برميل يوميًا، إنتاج دول يعرف اعتماد اقتصادها على النفط مثل الإكوادور وليبيا، التي كان إنتاجها ما بين 600 و650 ألف برميل يوميًا.


أعدت هذه المادة ضمن اتفاقية التعاون بين صحيفة عنب بلدي وراديو روزنة

مقالات متعلقة