اجتياحات سوريّة

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

في نيسان عام 1976 اجتاح الجيش السوري لبنان، وتدرب على القتل المجاني والسرقات والتعفيش، ابتداء من مذبحة تل الزعتر وانتهاء بمجزرة قتل النواب اللبنانيين مع رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وكان هذا الاجتياح هو البداية الحقيقية للاجتياحات المقبلة.

وقد بدأ حافظ الأسد مع هذا الاجتياح بتأجير سوريا للأطراف الدولية الراغبة بالاستئجار والفروغ والشراء، ولم يُستثنَ أحد من سلاحه، فقد قتل الفلسطينيين واللبنانيين وجعل مقار المخابرات مراكز للحج اللبناني، وصار أشخاص مثل غازي كنعان ورستم غزالة وجامع جامع جزءًا من التاريخ الإجرامي في لبنان، وفي ظل هذا الاجتياح تربى “حزب الله” الإيراني على أيدي المخابرات السورية، وتربى كذلك حزب الـ “بي كي كي” التركي وقائده عبد الله أوجلان، وقد استمر هذا الاجتياح حتى عام 2005.

في عام 1980 بدأت اجتياحات الجيش السوري مدن حلب وحماة وإدلب، وأُغلقت أحياؤها على التصفيات والحصارات الجماعية، وانتشرت في تلك الأحياء أعمال التعفيش والاغتصاب والاعتقالات الجماعية، ناهيك عن المذابح المتفرقة في هنانو والعرقوب والحاضر وجسر الشغور، وما لا يحصى من أعمال القتل الفردي والجماعي والاعتقالات، التي حولت الكثير من الساحات في حلب وحماة إلى كراجات لشحن الشباب إلى تدمر والمعتقلات الأخرى، التي لم يعد معظمهم منها وكثير ممن عادوا كانوا فاقدي القدرة على إعادة العيش خارج كوابيس الرعب التي عاشوها في فروع المخابرات العسكرية والجوية تحت سطوة ما تيسر من جلادين في جيش الأسد، ولم يكن اجتياح حماة في عام 1982 إلا استمرارًا لهذا النهج الذي قسّم السوريين إلى سوري خائف وسوري آخر يتغنى بالمذابح والانتهاكات كعبد مأمور.

في ربيع عام 2011 ومع انطلاق ثورة الحرية اجتاح الشبيحة المظاهرات حاملين العصي والمسدسات وشعار “الأسد أو نحرق البلد”، وقد ساندتهم الفرق العسكرية التي نشرت حواجزها في ظلال الطائرات والصواريخ والبراميل المتفجرة، التي تنهال على المدنيين لأنهم رفضوا أبدية العيش تحت حكم الأسد، ورفضوا ميليشيات الموت، وطالبوا بأبنائهم المعتقلين في فروع المخابرات ولدى الميليشيات الإيرانية وحزب الله، وكانت الصواريخ العابرة للأراضي السورية تنطلق من جبهة الجولان ومن ريف دمشق لتصل إلى الرقة ودير الزور في مشهد قتالي مأساوي ومضحك، فالأسلحة التي تم شراؤها على حساب السوريين وعلى حساب لقمة عيشهم غيرت اتجاهاتها لتدمر المدن والقرى السورية في سابقة لم تشهد البشرية مثلها منذ عقود طويلة!

في شتاء عام 2014 اجتاحت داعش الرقة ودير الزور وكل الجزيرة السورية، وأعلن البغدادي دولته المنبثقة من أوهام التاريخ وجنون العظمة، وصار اسمنا العوام واسم رجاله الأمراء والمجاهدين، وصبغ القتل والتكفير بفتاوى مرتجلة تتوجه بكراهيتها إلى الناس بينما تتاجر داعش مع نظام الأسد بالبترول والقمح وبتبادل الحواجز والخبرات في التعذيب والحصار الجماعي، منذ أن أعلن بشار الأسد إطلاق ستين ألفًا من أصحاب السوابق والجرائم والمتطرفين بوجه متظاهري ثورة الحرية والكرامة.

في نهاية أيلول عام 2015 نزلت القوات الروسية في سوريا، واتخذت القواعد الجوية والبرية والبحرية مراكز لإعادة تجربة المذابح الشيشانية ضد الشعب السوري، وانهالت طائراتها الحديثة بالصواريخ الكلاسيكية وغير الكلاسيكية، بما فيها التجارب الكيماوية التي تحلم روسيا بشرعنتها عالميًا ووقف منعها، الذي أجمعت عليه الجيوش منذ الحرب العالمية الأولى، فقد أعطى الروس الضوء الأخضر لقوات الأسد باستعمال السلاح الكيماوي الذي يقلل الخسائر البشرية بين أفراد جيش الاحتلال، ويوفر الزمن لتصفية التجمعات البشرية، وقد قال الرئيس بوتين قائد قوات السجادات النارية إن قواته ستنتهي من المهمة في غضون شهر وفي أقصى الأحوال حتى نهاية العام 2015، وها هي السنة الخامسة تنتهي ولم تتوقف القوات الروسية عن القصف والقتل والتهجير!

في عام 2017 دخلت القوات الأمريكية وحلفاؤها مدن الجزيرة السورية ودمرت ما تركه الروس والأسد بلا تدمير، وصار 80% من مباني الرقة مدمرًا كليًا أو جزئيًا، بحسب المصادر الدولية، وتم تهجير سكان المدينة وقتل أكثر من ستة آلاف مدني معظمهم استشهدوا في الملاجئ، وكان لقوات الـ “بي كي كي” الدور الحاسم في الإرشاد وقيادة العمليات على الأرض وفي عقد الصفقات مع داعش، التي تم نقلها أمام العالم إلى أماكن أخرى بحماية العصابات وطائرات التحالف الدولي، التي ادعت يومها أنها لم ترَ رحيل الدواعش ولم تشارك في عقد الصفقة، التي نقلت تفاصيلها قناة الـ “BBC” البريطانية.

وتحوّل اسم الجزيرة السورية إلى “روج آفا”، واستبدلت بصور الأسد والبغدادي صور عبد الله أوجلان، الذي عاش سنوات طويلة في كنف الأسد الأب في سوريا وفي لبنان وبحماية من مخابراته التي اجتاحت لبنان.

في التاسع من تشرين الأول الحالي بدأت القوات التركية بقصف شمال الرقة والحسكة، وأعلنت أنها تجتاح الاراضي السورية للقضاء على عصابات الـ “بي كي كي” و”داعش”، وأن العملية هي لصناعة السلام، وقال الرئيس التركي أردوغان إنها حتمًا لن تستغرق زمنًا طويلًا، تمامًا كما قال الرئيس الروسي بوتين في عام 2015.

اليوم بدأ السوريون، عربًا وكردًا يفرّون من قصف المدفعية المتبادل ومن قصف الطيران ويتركون بيوتهم إلى المجهول، فالحرب (التركية- التركية) تحولت إلى الأراضي السورية وفوق السوريين، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الصراع الذي يمتد منذ مئة عام أو أكثر.

ولعل هذا هو قدر السوريين القاسي في هذا الاجتياح وفي كل الاجتياحات التي مرّت، وربما في الاجتياحات المقبلة، التي لن تتوقف أبدًا ما لم يتم وضع حل سياسي يخلّص سوريا من أجهزة القمع والموت، وما لم يتم إخراج كل المحتلين.

هذا العالم لن يهنأ بالسلام ولا بنبع السلام ما لم يتم وضع حل دولي لمأساة الشعب السوري التي يديرها نظام الأسد، وما لم يتم منع التدخلات الأجنبية على أرضه.. لقد شبعنا موتًا وتهجيرًا.. وآن لكم أن تتوقفوا عن شرب دمائنا!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة