القدود والموشحات الحلبية.. قيمة فنية ثقافية تفقد بريقها

camera iconالفنان السوري صباح فخري في إحدى الحفلات بمدينة حلب - 2008 (الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – يامن مغربي

ترتبط موسيقى القدود والموشحات لدى المستمعين من السوريين والعرب بصورتين، الأولى، وهي الأكثر شعبية، لصباح فخري وهو على خشبة مسرح في سوريا أو لبنان، والثانية، أكثر نخبوية، لصبري مدلل، جالسًا على كرسيّ خشبي ينشد في إحدى الجلسات الدينية أو الطربية.

أما بالنسبة لسكان مدينة حلب، فالصورة أعم، وترتبط بتفاصيل يومية، إذ تذخر مقاهي المدينة بمؤدي القدود المحليين، الذين لم ينالوا نصيبًا من الشهرة خارج مدينتهم، كما تتسرب أصوات منشدي الموشحات من أحياء المدينة القديمة، ومجالس الموالد التي تقام للاحتفال بمناسبات دينية مختلفة.

رغم تفرّد حلب حتى اليوم بهذا النمط الموسيقي، تواجه موسيقى القدود والموشحات تراجعًا كبيرًا مع تبدل الذائقة الفنية للأجيال الشابة، ولأسباب أخرى تتعلق بتفاصيل علمية موسيقية، على رأسها عدم تدوين ما نقل من موشحات وقدود، وعدم التجديد الموسيقي بما يحفظ أصالتها.

قدود وموشحات.. من حلب إلى العالم

يقول مدير جمعية “دوزان للموسيقى” في مدينة غازي عينتاب التركية، رامي مغاربة، إن القدود الحلبية نشأت في حلب عام 306 ميلادي، أي منذ ما يزيد على 1700 عام، وبدأت تخرج من حلب إلى العالم، كما ترتبط الموشحات بالمدينة ارتباطًا وثيقًا.

ويشير مغاربة، الذي يُدرّس العزف على العود، في حديثه لعنب بلدي، إلى أن “نوعية موسيقى القدود والموشحات الموجودة في حلب مختلفة، والإيقاعات الحلبية متفردة”، وهذا ما يؤكده عازف ومدرّس عود حلبي مقيم في مدينة اسطنبول (فضل عدم نشر اسمه لأسباب شخصية).

ويقول العازف لعنب بلدي، إن أهمية الموسيقى الحلبية تكمن في “وجود الموشح الذي يعتبر نمطًا صعبًا للغاية من الناحية الفنية بشكل عام، سواء على الصعيد الشعري أو التلحين أو الوزن”.

وتلي القدود الموشحات من حيث الصعوبة، وفق العازف، وهو ما يشدد عليه مغاربة بالقول، إن “القدود أخف من الموشحات من حيث الوزن والإيقاع الموسيقي”.

أما من الناحية الثقافية، فترتبط الموسيقى الحلبية بالإنشاد الديني بشكل أساسي، إذ إن الموشحات والقدود الدينية التي كانت تنشد سابقًا، كتب لها بعض الشعراء قصائد غزلية بما يناسب اللحن، بحسب مغاربة.

ويؤكّد ذلك أنّ ألحانًا معروفة حتى اليوم، تغنى بكلمات مختلفة منها ما يناسب الموالد الدينية، ومنها يتوافق مع جلسات الطرب.

أصالة مهددة

يتباهى المتقدمون إلى برامج المسابقات الغنائية العربية بتأدية الموشحات والقدود الحلبية، كدليل على القدرات الصوتية العالية، إلا أن هذا الحماس الذي يشاهد على شاشة التلفاز، لا يترجم في الواقع دعمًا للموسيقى الحلبية، التي تشهد تراجعًا على مستوى اللحن والأداء.

يشير العازف الحلبي إلى أن تراجع الطرب الحلبي يعود إلى أن “الفنون عمومًا تتبع للبيئة المجتمعية، ولم يعد هناك نتاج موسيقي كما في السابق”، ويتابع “الموسيقى العربية لم تدوّن بشكل كامل كما الموسيقى الغربية أو التركية، والتي من السهل أن تجد لها أصولًا وقواعد مدونة”.

ويؤكد أنّ الموسيقى الحلبية لها قواعد أيضًا، ولكن لم يتم تدوينها، “لذا تجد اختلافًا كبيرًا بالآراء، حول الأصل القديم لهذه الموسيقى القديمة وصاحبها الأصلي، وعند البحث تجد الاسم مفقودًا وتجد بدل اسمه كلمة تراث”.

ويضيف، “عندما لا تكون هناك منهجية واضحة متاحة للجميع، ستتراجع الموسيقى الحلبية بالتأكيد، كل هذه الموسيقى متوارثة شفهيًا من الأساتذة إلى الطلاب، وكل شخص ينقل حسب رؤيته الخاصة، ويعمد البعض إلى تغيير ما ينقلون”.

ويشدد رامي مغاربة أن “الموسيقيين الجدد لا يتعلمون أصول هذه الموسيقى بشكل دائم لأن الكثير منها غير مدوّن”، مضيفًا، “هناك أغانٍ حلبية جديدة ولكنها غير متفردة، فلولا لهجتها لن يعرف المستمع أن هذه الأغنية من الطرب الحلبي، وهذا لا يعني أن الأغنية نابعة من الطرب الحلبي فعلًا”.

ففي الوقت الذي يحتاج فيه أي فن إلى تجديد ليتناسب مع عصره، لا يرى مغاربة أن التجديد في حالة الموسيقى الحلبية ذو تأثير إيجابي، ويعود ذلك إلى أنّ الأغنية الحلبية الحديثة لا ترتبط بالثقافة الموسيقية الحلبية الأصلية.

 مطربون حلبيون اشتهروا محليًا

أحمد صابوني

ولد المطرب، أحمد صابوني، في مدينة حلب عام 1928 لأسرة تعمل بالصابون قرب قلعة حلب، أسهمت خالته في اكتشاف موهبته وتقديمها للجمهور السوري، ليغني في الاستقبالات والمناسبات، حتى تعرّف إلى الموسيقي السوري، عمر البطش، أحد أهم الموسيقيين السوريين، ومعلم لعدد من المطربين السوريين، منهم المطرب صباح فخري.

كان أحمد صابوني أول من غنى في إذاعة حلب بعد إنشائها عام 1949، وقدم من خلالها عددًا من الأغاني الطربية، كما عمل في إذاعة بغداد في خمسينيات القرن العشرين، واعتزل الغناء في السبعينيات لأسباب شخصية، وتوفي عام 2005، ودفن في دمشق.

زكية حمدان

ولدت زكية حمدان في مدينة حلب عام 1925 لأبوين يعملان في المسرح، وهو ما أسهم في تنشئتها الفنية، وتعليمها اللغة العربية والإلقاء بشكل صحيح، ومعرفتها بأهم فناني ذاك العصر.

بدأت حمدان العمل في إحياء حفلات الأعراس والمناسبات الاجتماعية، بالاعتماد على أغانٍ لفناني ذلك العصر، أمثال محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، لتنتقل إلى دمشق في عام 1946، ولاحقًا إلى بيروت.

مع الشهرة التي حازتها زكية حمدان، تفرغت للعمل مع المسرح القومي بدمشق في خمسينيات القرن العشرين، وغنت قصيدتين يعدهما نقاد موسيقيون من أجمل ما غنت، وهما “خلقت جميلة” و”سليمى”، لتغني بعدها لعدد من الشعراء، أبرزهم نزار قباني، قصيدة “لماذا تخليت عني”.

تنوع غناء زكية حمدان بين القصائد باللغة العربية الفصحى والموشحات والأغاني باللهجات المحلية وعدد من الأغنيات الوطنية. توفيت في مدينة الكويت عام 1987.

محمد خيري

ولد محمد خيري في حلب عام 1935، وتميز صوته بالمساحة الواسعة، تعلم القرآن الكريم وتجويده على يد والده الذي امتلك صوتًا جميلًا هو أيضًا، ليتتلمذ لاحقًا على يد الموسيقي بكري الكردي، ويبدأ بالغناء على مسارح حلب، ثم ينتقل إلى الإذاعة بعد افتتاحها، إلى جانب صباح فخري وأحمد صابوني وغيرهم.

مع افتتاح التلفزيون السوري عام 1960، انتقل محمد خيري إلى دمشق، ليعمل في عدد من البرامج الموسيقية، ثم استقر بعدها في بيروت، التي توفي فيها عام 1981 في أثناء غنائه في إحدى الحفلات الموسيقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة