كيف يستطيع الأسد التغلب على العقوبات الدولية

tag icon ع ع ع

منصور العمري

عام 2011، كنت أناقش ما يجري في سوريا مع أحد المؤيدين للأسد، ونوهت إلى رامي مخلوف وفساده وسيطرته على جزء كبير من الاقتصاد السوري. قلت له لماذا رامي مخلوف يملك كل هذه الأموال ويتسبب في فقركم، لماذا لا توزع عليكم بدل أن تعيشوا هذا الفقر. قال لي كل ما فعله رامي مخلوف منذ سنين هو من أجل هذه اللحظة.. يقصد لحظة الثورة.

كان لديه قناعة بأن رامي مخلوف والأسد يعملان من أجل الطائفة العلوية، اليوم وبعد سنين، ما الذي يفعله الأسد ورامي مخلوف بهذه الأموال، أين هي، أليست من أجل هذا اليوم!

أزمة الوقود ليست جديدة فمن قبل عام 2011، كانت أزمة الغاز والوقود وقسائمه والطوابير والتلاعب حاضرة في أرجاء سوريا الأسد، كما أنها ليست الأزمة الوحيدة التي يعاني منها السوريون تحت حكم الأسد بمن فيهم مؤيدوه الذين نفذوا وعدهم الصباحي اليومي بفداء الأسد بالروح والدم.

إن كان الأسد فعلًا يريد حل أزمة الوقود وغيرها من الأزمات المادية والمالية في سوريا، ووقف معاناة السوريين على مختلف مشاربهم، من سائقي سيارة الأجرة الذين يشكل الوقود مصدرًا لرزقهم، إلى العائلات التي تعتمد على الغاز لإعداد الطعام، إلى المزارعين الذين يعتمدون على مضخات المياه التي تعمل بالوقود، لري مزروعاتهم، إلى الصناعيين وغيرهم، فعلى الأسد فعل التالي:

إعادة أرباح شركة “سيريتل” و”إم تي إن” مزودي خدمة الاتصال الخلوي، لخزينة الدولة. الشركتان احتكرتا سوق الاتصالات في سوريا بعقد فاسد، وانتهى عقدهما ثم جددتاه بشكل غير قانوني، ولا تزالان تحصدان مليارات الليرات سنويًا لبضعة أشخاص على رأسهم رامي مخلوف ابن عم بشار الأسد. بلغ مجموع إيرادات “سيريتل” و”إم تي إن” 260 مليار ليرة سورية حسب تصريح الشركتين، أي نحو 500 مليون دولار، وهي كفيلة بحل جزء كبير من أزمة الوقود. يعلم الجميع أنه لا مصداقية لأرقام “سيريتل” و”إم تي إن”، وأن الربح قد يكون أكبر بكثير من هذا الرقم.

وقف نهب موارد الدولة الخام كالغاز والفوسفات والنفط من قبل الشركات الروسية والإيرانية. وقعت الحكومة السورية عقودًا مع روسيا لاستثمار الغاز والنفط في البر والبحر السوري، والأسمدة والفوسفات بنسبة 70% لروسيا لخمسين عامًا.

وقف سوق الوقود السوداء والتلاعب بالمنتجات النفطية من المنتج وحتى الموزع.

مراجعة عشرات آلاف السيارات الحكومية التي يستخدمها في الواقع أقارب المسؤولين لأغراض شخصية لا للعمل.

وقف تصدير الكهرباء خارج سوريا، في وقت يعيش السوريون بلا كهرباء لساعات طويلة.

التركيز على مسؤولية روسيا وتسببها بالأزمة نتيجة لضغطها على نظام الأسد لتقديم تنازلات أكبر في سبيل السيطرة الروسية الكاملة على موارد البلاد، وهي أكبر منتجي الغاز والنفط في العالم، وتستثمر في النفط والغاز والفوسفات وقطاع الطاقة والكهرباء وغيرها في سوريا.

كفّ يد القصر الجمهوري والمخابرات الحديدية عن الصحافة كي تقوم بدورها في الكشف عن الفساد والإبلاغ عنه.

تخفيض مخصصات المؤسسة العسكرية وإنهاء فساد ضباط الجيش ونهبهم لجزء كبير من موارد الجيش من عقود التسليح والصيانة إلى الطعام، وهي أموال لا يستهان حيث قدر موقع “القدرة النارية العالمية” ميزانية الجيش بمليار و782 مليون دولار أي نحو ربع ميزانية البلاد، وهو ما يعادل ألف مليار ليرة سورية، يستحوذ فساد الجيش على جزء ضخم منها، ولا يصل لمئات آلاف العساكر الأفراد سوى حبة بطاطا عفنة، وأرز مخبوص ومرق بلا لحم.

صنفت سوريا عام 2018 على مؤشر الفساد بالمرتبة 178 من 180 دولة في العالم.

هذا يعني أن مئات مليارات الليرات تذهب إلى مجموعة من الأشخاص من جيوب الشعب، ومستحقاته.

إخراج عشرات آلاف المقاتلين العراقيين والأفغان والباكستانيين واللبنانيين إلى بلادهم، وتخصيص رواتبهم ومصاريفهم وضغطهم على موارد الدولة للشعب السوري المنهك صاحب الأرض والخيرات.

مصادرة أموال رامي مخلوف وعائلته وحمشو وماهر الأسد وبهجت سليمان وقلة قليلة من رؤوس النهب في سوريا، والتي تقدر بعشرات مليارات الدولارات، ووضع الدولة يدها على كل استثمارات ومصالح هذه القلة الفاسدة التي تشمل الاتصالات السلكية واللاسلكية والنفط والغاز، والبناء والخدمات المصرفية، وشركات الطيران والتجزئة والسوق الحرة والإعلام وغيرها، ووضعها في خدمة السوريين وتنمية مناطقهم وتعويضهم عن خسائرهم.

الإفراج عن الخبرات التي اعتقلها النظام وزجها في غياهب السجون، وإعادة من هجرهم خارج سوريا من مهندسين وفنيين وغيرهم، ليستطيعوا المشاركة في حل الأزمات.

اليوم يجوّع الأسد مؤيديه ومن يعيشون تحت حكمه بسبب فشله الذريع بإدارة البلاد وفساده ومن حوله، وسيطرته على جميع موارد البلاد عن طريق أقربائه والتوقيع على بياض للروس والإيرانيين، ثم إلقاء اللوم على العقوبات الأوروبية والأمريكية.

لا يكون الحل بعروض درامية بزيارة الأسد لكنيسة أو موقع قتال مع تكاليف إضافية بملايين الليرات لتأمينه، أو كازية في هذه الحالة، أو بإقامة عراضة وتوزيع جرائد على طوابير المنتظرين بطريقة ساخرة تصل حد الجنون، كما أرسل سيركًا إلى درعا حين قتل رئيس الوزراء الزعبي للاستهزاء بهم، أو بتقنية إلقاء اللوم التي لا تحل مشكلة بل توصّفها.

قتل الأسد وسرق السوريين وتسبب بمقتل من يفدوه بالدم، باسم الممانعة، وأصبح واضحًا للجميع ولمؤيديه قبل معارضيه أن أفعاله أبعد ما تكون عما يدّعيه.

يجب التخلص من الكذب المفضوح بالمقاومة وتكاليفها وثمنها الهائل على حساب الشعب السوري، والالتفات إلى الاحتياجات الحقيقية لمن تبقى من الشعب، والتي وصلت حدًا غير إنساني ولا يطاق.

إلى متى سيبقى السوريون من جميع الأطراف ضحايا ووقودًا لبقاء عائلات الأسد ومخلوف وتراكم ثرواتهم التي ينعم بها أبناؤهم خارج البلاد.

حين سأل الصحفي مايكل إيسيكوف الأسد في مقابلة تلفزيونية، “أتدري ما يجري في سجن صيدنايا؟”، أجابه الأسد “كيف سأعرف أنا في القصر الرئاسي”. بالطبع لم ينشر إعلام الدولة السورية الموجه من القصر الرئاسي، أي شيء عن أكبر مآسي ملايين السوريين الذين فقدوا أحباءهم بين اعتقال وتعذيب حتى الموت واختطاف واختفاء. اليوم يشن إعلام النظام حملة لإبراز معاناة السوريين من نقص الوقود، ويسمح للجميع بالحديث عنها، بشرط توجيه اللوم للعقوبات الأمريكية والأوروبية ومصر.

صديقي المؤيد الذي صبرت كثيرًا على الجوع والفقر والموت وفقد الأحبة كي تنقذ بشار الأسد، اليوم يكرر الأسد نفس الكذبة: أنا لست أمام الكازية بل في القصر الرئاسي. على الأسد النزول والوقوف أمام الكازية لانتظار دوره. يعرف الأسد أن وقوفه أمام كازية، أو قيامه بأي خطوة مما سبق أعلاه، سينهي حكمه، لذلك هو مستعد لجعل جميع من بذلوا دماءهم ودماء أحبابهم يقفون طوابير من أجل لقمة العيش كي يبقى في قصره الرئاسي.

لا سبيل لمؤيدي الأسد لإنقاذ أنفسهم ومستقبل أبنائهم، وبناء سوريا الجديدة التي تحمل من الخيرات والثورات ما يضاهي دول أوروبا، سوى إبعاد الأسد وعملهم من أجل سوريا تحفظ حقوقهم وحقوق الجميع. لن يرحل الموت والفساد والفشل والفقر عن سوريا إلا برحيل بشار الأسد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة