معتقلون سوريون يرون النور.. ما ظروف الإفراج عنهم؟

camera iconرجل معتقل، تعبيرية من الإنترنت 2019

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نينار خليفة

من غياهب معتقلات النظام خرجوا إلى النور بعد سنوات طويلة مرت عليهم كأنها عقود من الدهر. وتخفق دقات قلب أهالي المعتقلين كلما سمعوا عن معتقل رأى النور، ولا يتركون طريقًا للسؤال عن ظروف خروجه إلا ويسلكونه، ويعود الأمل ليحيا من جديد برؤية أبنائهم واحتضانهم.

في الأشهر الأخيرة تداولت صفحات معنية بالمعتقلين، ووكالات إخبارية، أنباء خروج محتجزين في سجون النظام قضى بعضهم سنوات طويلة تعود منها لبدايات عام 2011، فما هي ملابسات خروجهم وظروفها؟

“فراس” إلى الحرية بعد تخفيض محكوميته

يروي فراس (اسم مستعار) من ريف حلب، وهو معتقل سابق لدى النظام السوري، تفاصيل الإفراج عنه من سجن “صيدنايا” العسكري، بعد مدة احتجاز وصلت إلى قرابة السبع سنوات.

عقب اعتقاله بسبب تقرير موجه لفرع الأمن العسكري بحلب، بتهمة رفع علم الثورة والمشاركة بضرب حواجز النظام، تمت محاكمته عند القاضي الأول لمحكمة الإرهاب، بفرض حكم الاعتقال لمدة 15 عامًا، وبعد إجراء التخفيض واقتطاع ربع المدة تم الإفراج عنه بعد ست سنوات وثمانية أشهر.

يقول فراس، “عندما وصلت إلى بيتي تفاجأت بزوجتي وأهلي ينتظرونني، وأكثر ما أثر بي أن طفلي الذي تركته وهو بعمر أشهر، عدتُ لأراه قد أصبح تلميذًا في المدرسة، ركض نحوي وهو يناديني (بابا)”.

إحصائيات المفرج عنهم

وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” الإفراج عن 263 معتقلًا منذ بداية عام 2018 حتى تاريخ كتابة التقرير، منهم 17 معتقلًا تم الإفراج عنهم من سجن “صيدنايا” والأفرع الأمنية، و14 آخرين خرجوا خلال عمليات المبادلة، ممن تجاوزت مدة احتجازهم الخمس سنوات.

كما شملت الإفراجات الكلية عن المعتقلين في نفس الفترة 511 حالة تنوعت بين الاعتقال لأيام أو أشهر وحتى أربع سنوات، وذلك وفق ما صرحت مسؤولة قسم المعتقلين في الشبكة، نور الخطيب، لعنب بلدي.

وفيما يخص ظروف الإفراج عن المعتقلين أشارت الخطيب إلى أن معظمهم تم إخلاء سبيلهم من السجون المركزية بعد انتهاء مدة حكمهم واستفادتهم من تطبيق قانون تخفيض ربع مدة الحكم للسجناء، والذي يستفيد منه السجناء المحكومون بشكل روتيني.

وأضافت أن البعض منهم خرج في إطار التسويات، كما حصل في سجن “حماة المركزي”، إذ تشكلت لجنة خاصة للنظر بأوضاع المعتقلين المحالين لمحكمة قضايا الإرهاب إثر الاستعصاء الذي حدث في السجن عام 2016.

ولفتت الخطيب إلى أن اللجنة قررت الإفراج عن العديد من المعتقلين المحالين لمحكمة قضايا الإرهاب، كما تشكلت لجنة أخرى للنظر بقضايا المعتقلين المحالين لمحاكم الميدان العسكرية، وإثرها أُفرج أيضًا عن معتقلين.

وبيّنت الخطيب أن الإفراجات من مراكز الاحتجاز التابعة للأفرع الأمنية، وكذلك من سجن “صيدنايا” العسكري تكاد تكون معدودة، مشيرة إلى أن معظمها حصل عن طريق الواسطات وابتزاز الأهل لدفع مبالغ طائلة مقابل الإفراج عن أبنائهم.

عصابة عينين في مشهد تمثيلي عن سجن صيدنايا (إنترنت)

عصابة عينين في مشهد تمثيلي عن سجن صيدنايا (إنترنت)

محتجزون بتهم بسيطة

المديرة التنفيذية لمنظمة “ياسمين الحرية”، ياسمينا بنشي، عزت من جانبها الإفراجات التي تتم في الفترة الأخيرة عن معتقلين في سجون النظام السوري إلى أن تهمهم بالأساس تكون خفيفة، أو أنهم أنهوا ثلاثة أرباع مدة حكمهم، وذلك إضافة إلى حالات لجأ فيها الأهل إلى دفع آلاف الدولارات للإفراج عن ابنهم عندما يتأكدون أنه لا يزال حيًا.

وأشارت إلى أن النظام يحتفظ بمن يكون جرمه بسيطًا مثل العساكر أو الضباط الذين يحتجزون بتهمة محاولة الانشقاق، وكذلك بالمعتقلين من أبناء العائلات الغنية التي يكون بوسعها دفع مبالغ كبيرة للإفراج عن أبنائها.

ولفتت إلى أن الإفراجات الأخيرة شملت معتقلين من معظم المناطق السورية، إلا أنه إذا تمت مقارنة عدد المعتقلين المفرج عنهم بالأعداد المهولة للذين لا يزالون محتجزين في سجون النظام يبدو الرقم قليلًا جدًا.

وأوضحت أننا نتحدث عن رقم لا يتجاوز أربعة أو خمسة مفرج عنهم شهريًا، وهو ما لا يمكن مقارنته بمئات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسريًا في سجون النظام.

ومن خلال عملها في التوثيق وزيارتها لأسر المعتقلين وتقربها منهم، تبيّن لبنشي أن غالبية أهالي المعتقلين الذين وصلتهم معلومات بأن أبناءهم لا يزالون على قيد الحياة قرروا أن يبيعوا كل ما يملكون حتى يتمكن أبناؤهم من الخروج من السجن.

وأضافت أنه إلى جانب ذلك يمكن تبرير إفراج النظام عن معتقلين احتجزهم لفترات طويلة للترويج لظاهرة تبييض السجون التي يتبعها، لافتةً إلى أن عدد الذين قضوا تحت التعذيب مهول جدًا ويصعب تحديده، ويمكن القول إن أكثر من نصف المعتقلين الذين قُيدت أسماؤهم تحت مسمى معتقل عند النظام أو مختف قسرًا تم قتلهم، مبينة أن أحكام الإعدام زادت في الفترة الأخيرة وخاصة في سجن “صيدنايا”.

وترى بنشي أن قرار قانون “حماية المدنيين” في سوريا، أو ما يعرف بقانون “سيزر” والذي يضمن معاقبة داعمي الأسد، وتم إقراره من قبل مجلس النواب في الكونغرس الأمريكي قبل أيام، يشكل ضغطًا في ملف المعتقلين على النظام، والذي كانت رد فعله على ذلك بأن زاد عمليات الإعدام بالفترة الأخيرة.

وبيّنت أن أحد المطلعين على وضع الإعدامات في السجون، والذي كانت قد التقت به مؤخرًا، أكد أن 41 شخصًا كانوا قد قدموا تحت مسمى “مصالحة الغوطة” تعرضوا للإعدام، وذلك رغم الاتفاق الذي كان قد تم بين النظام والمعارضة بوجود الضامن الروسي.

 

أقمار صناعية تظهر جثث معتقلين حول سجن صيدنايا

وكان تحقيق نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، الشهر الماضي، كشف أن صورًا التقطتها الأقمار الصناعية لأجسام مظلمة، حول سجن صيدنايا تتفق مع كونها أجسادًا لبشر، وفقًا لخبراء، وهو ما يتسق مع روايات شهود عيان عن عمليات إعدام جماعية تمت في المكان.

وتحدث معتقلان سابقان كانا محتجزين في زنزانات أقرب إلى غرفة الحراسة في جناح السجن عن الأصوات التي كانت تسمع بين السجانين بشأن عمليات إعدام في أوائل آذار الماضي.

وتضمن التحقيق مقابلات مع أكثر من 20 معتقلًا سوريًا سابقًا، تم إطلاق سراحهم مؤخرًا من سجن “صيدنايا” العسكري في دمشق، أكدوا أن السجناء يُنقلون للانضمام إلى معتقلي الإعدام في قبو “صيدنايا”، ومن ثم يتم إعدامهم في جلسات قبل الفجر.

وأضاف المعتقلون أنه على الرغم من عمليات النقل هذه، فإن أعداد نزلاء زنزانات “صيدنايا”، والتي كانت في أوجها تضم ​​ما يقدر بنحو عشرة آلاف إلى عشرين ألف معتقل، قد تضاءلت إلى حد كبير بسبب عمليات الإعدام التي لا تتوقف، وكان قسم واحد على الأقل من السجن خاويًا بالكامل تقريبًا.

وسرّب “سيرز” وهو اسم مستعار لضابط منشق عن نظام الأسد، 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل عام 2014، قتلوا تحت التعذيب، وعرضت تلك الصور في مجلس الشيوخ الأمريكي، وأثارت ردود فعل واسعة في الإعلام العربي والغربي.

صورة قمر صناعي في 18 من نيسان/ أبريل 2017 للمحرقة قرب سجن صيدنايا (وزارة الخارجية الأمريكية)

صورة قمر صناعي في 18 من نيسان/ أبريل 2017 للمحرقة قرب سجن صيدنايا (وزارة الخارجية الأمريكية)

الإفراجات تعزز المخاوف حول دقة أرقام المعتقلين المتوفين تحت التعذيب

مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أوضح لعنب بلدي أن الإفراجات عن المعتقلين تظهر حقيقتين: الأولى هي أن النظام عمد إلى الاحتفاظ بمعتقلين لفترات طويلة فاقت الخمس أو الست سنوات دون مبررات أو اتهامات واضحة، وقد تم الإفراج عن بعضهم دون أي دور قضائي، إذ كان فقط مجرد اعتقال أمني. والحقيقة الثانية أن الإفراجات تعزز المخاوف التي كان قد أثارها “المركز السوري للعدالة والمساءلة” حول دقة الأرقام للمعتقلين المتوفين تحت التعذيب، وبالتالي ضرورة توخي الحذر والدقة من قبل بعض المنظمات وعدم الاكتفاء باعتبار المعتقلين لفترات طويلة في عداد المفقودين.

وأشار تقرير حول “مخاطر وصعوبات إحصاء الضحايا في سوريا” أصدره “المركز السوري للعدالة والمساءلة” في أيلول الماضي، إلى صعوبة حساب حصيلة الوفيات في خضم استمرار النزاع الحالي، لافتًا إلى أن تتبع أعداد القتلى والضحايا بدقة يشكل تحديًا دائمًا في سياق النزاع رغم الضغوط المستمرة من قبل الصحفيين والدبلوماسيين لتوفير هذه الأعداد.

ومنذ عام 2014 أوقفت الأمم المتحدة تحديث حصيلة القتلى في النزاع السوري، بسبب صعوبة التحقق من المعلومات على الأرض والوصول إليها.

وأكد التقرير أن جهود التوثيق الحالية قادرة على إثراء التقارير المستقبلية، ولكن على المدى القصير، فإن هذه الأعداد تُضلل الجمهور حول النزاع نفسه، وحول قدرة منظمات التوثيق على جمع المعلومات وسط العنف المستمر.

ويرى معدو التقرير أنه في مرحلة ما بعد النزاع قد يصبح من الممكن تحديد حجمه بدقة أكبر، لأن ذلك سيتطلب قدرًا أعلى من الوصول والشفافية، وهو ما يمكن أن يكون جزءًا مهمًا من عمليات العدالة الانتقالية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة