“التركة الأمريكية” تحرك مطامع الدول في شرق الفرات

camera iconعناصر من الجيش الوطني المدعوم من تركيا على خطوط تماس مدينة منبج – 28 من كانون الأول 2018 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أحمد جمال

في غضون أقل من شهر على إعلان الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من سوريا، بدأ سباق دولي متمثل بروسيا وتركيا وإيران وفرنسا إلى مناطق شرق الفرات، لملء الفراغ الأمريكي في حال حصل الانسحاب سريعًا.

السباق يتجلى في التصريحات المتضاربة بين الدول الإقليمية والقوات المحلية، وكانت أنقرة أول المتسابقين عبر توافق مع واشنطن على إمكانية شغل الفراغ في المنطقة، بحسب تصريحات تركية- أمريكية متقاطعة.

وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أعلن، في 19 كانون الأول الماضي، بشكل مفاجئ سحب القوات الأمريكية الموجودة في سوريا وخاصة شمالي شرق الفرات، بالتزامن مع حشود تركية للدخول إلى المنقطة.

وحتى اليوم لا يزال المشهد ضبابيًا، ولم تتضح الصورة الكاملة التي ستكون عليها مناطق شرق الفرات، سواء بالطرف الدولي أو المحلي الذي سيتولى إدارتها وإنهاء التوتر الإقليمي.

موقف متقلب

تقلب ترامب في مواقفه، منذ التغريدة الأولى في 19 من كانون الأول الماضي حتى اليوم، يظهر تخبطًا في الموقف الأمريكي بين تحديد الفترة الزمنية للانسحاب وبين المخاوف على المصالح في المنقطة.

ويتزامن التقلب مع تحركات وتصريحات دبلوماسية لمسؤولين أمريكيين، أبرزهم مستشار ترامب، جون بولتون، وتصريحات وزير الخارجية، مايك بومبيو.

وما زالت واشنطن تتخبط بقرارها، وهو ما يظهره تراجع ترامب عن “الانسحاب السريع” من سوريا، وذلك بحجة الانتهاء من قتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، وعدم التخلي عن الحلفاء الكرد، وتمثل ذلك بالجولات المكوكية للمسؤولين الأمريكيين إلى أنقرة لمناقشة الأمر.

سبق ذلك قول وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لموقع “نيوزماكس” إن “الأهمية هي لضمان ألا يقتل الأتراك الكرد، ولحماية الأقليات الدينية في سوريا، كل هذه الأمور لا تزال جزءًا من المهمة الأمريكية”.

لكن الخارجية التركية وصفت التصريحات الأمريكية باعتبار “وحدات حماية الشعب” (الكردية) شريكًا في محاربة الإرهاب بـ “التصريحات المزعجة”، وقالت “نرفض تصريحات وزير الخارجية الأمريكي المتعلقة ببلادنا في سياق الأزمة السورية من حيث الأسلوب والمحتوى”.

وسبّب قرار واشنطن بالانسحاب جدلًا ومخاوف لدى الفصائل الكردية المدعومة، ومخاوف أخرى في واشنطن من عودة التنظيم لتجميع صفوفه، وهو ما كان سببًا في قرار استقالة وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس.

مفاوضات بالسر وتحت الطاولة

خوفًا من تكرار سيناريو عفرين، قدمت “وحدات حماية الشعب” (الكردية) عرضًا سريًا للنظام السوري بتقاسم منقطة شرق الفرات، شرط قبوله بإدارة محلية وبضمانة روسية.

ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر وصفتها بـ”المطلعة”، السبت 5 من كانون الثاني، أن قائد “الوحدات” سيبان حمو، زار دمشق وموسكو بشكل غير معلن.

وقالت الصحيفة إن حمو نقل عرضًا وصفته بـ”السري” تضمن الموافقة على تسليم الحدود شرق سوريا إلى النظام السوري، مقابل قبول إدارة محلية بضمانة روسية، ثم يجري ترك الدستور والحل السياسي للمستقبل.

حمو التقى في قاعدة حميميم في اللاذقية، سرًا، كلًا من مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، ووزير الدفاع العماد علي أيوب، بحضور وفد عسكري روسي.

وأكد القيادي في “قسد”، ريدور خليل، لوكالة “فرانس برس”، وجود مفاوضات مع النظام السوري للتوصل إلى صيغة نهائية لإدارة شؤون مدينة منبج، قائلًا إنه “في حال التوصل إلى حل واقعي يحفظ حقوق أهلها، فبإمكان تعميم تجربة منبج على باقي المناطق شرق الفرات”.

من جهته قال المستشار في “الإدارة الذاتية”، بدران جيا كرد، إن الإدارة قدمت خريطة طريق بشأن اتفاق مع النظام السوري خلال الاجتماعات الأخيرة مع مسؤولين روس، وتنتظر رد موسكو التي وافقت على التوسط، معتبرًا أن الكرد يرون أن روسيا تحاول فتح آفاق جديدة مع دمشق.

في المقابل فإن الموقف الروسي الداعم للنظام السوري كان مرحبًا بخروج القوات الأمريكية من سوريا من جهة، وملتزمًا بعدم التعليق على الدخول التركي إلى شرق الفرات من جهة أخرى.

وكانت المتحدثة باسم الخارجية، ماريا زاخاروفا، قالت في مؤتمر صحفي، في 13 من كانون الأول الماضي، إن لدى تركيا مواقفها الخاصة وهناك بعض المواقف المشتركة بين موسكو وأنقرة في سوريا.

تركيا تضغط على الأرض

بالانتقال إلى اللاعب التركي فإن الحشود العسكرية على الأرض باتجاه الحدود تعطي موقفًا غير متساهل بخصوص المناطق التي تسيطر عليها “الوحدات”، رغم إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التريث بمعركة شرق الفرات لفترة غير محددة.

وتركزت الحشود على كامل الحدود السورية- التركية خاصةً قبالة مدينتي تل أبيض ورأس العين، وبالجهة المقابلة لا تزال فصائل “الجيش الوطني” (المدعوم من تركيا) تحشد على خطوط التماس مع مناطق الإدارة الذاتية الخاصة لسيطرة “قسد”.

وكانت صحيفة “يني شفق” التركية قالت، في 13 من كانون الأول الماضي، إنه تم تجهيز 14 ألف مقاتل من “الجيش الحر” لخوض العملية، بالعتاد الكامل من ذخائر ومعدات وأسلحة، وطلب منهم أن يكونوا جاهزين للعملية.

وفي تصريحات لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 22 كانون الأول الماضي، قال إنه “ما من أحد يستطيع منع تركيا من القضاء على الإرهابيين، وتطهير منطقة شرق الفرات في سوريا”.

وأضاف، “إذا كانت هذه المباحثات (مع مسؤولين أمريكيين) ترمي إلى حماية PKK و PYDبعد انسحاب الولايات المتحدة، فعليهم ألا ينسوا أنه لا أحد يستطيع منعنا من تدمير الإرهابيين، وتطهير منطقة شرق الفرات”.

فرنسا تدخل على الخط

بدورها أعلنت فرنسا إرسال مقاتلات حربية من نوع “رافال” إلى سوريا، وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، في 1 من كانون الثاني، “لدينا مهمة لنكملها في مواجة داعش، وعلينا أن ننهي المهمة”.

وقالت الوزيرة الفرنسية للشؤون الأوربية، ناتالي لوازو، في 20 من كانون الأول 2018، خلال مقابلة مع قناة “سي نيوز” الفرنسية، إن “الحرب ضد الإرهاب لم تنته، وما زالت مستمرة”

وتشارك قوات فرنسية ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المعركة تحت اسم عمليات “العزم الصلب” منذ تشرين الأول من عام 2014 إلى جانب أكثر من 30 بلدًا من أجل القضاء على تنظيم “الدولة” في سوريا والعراق.

بدوره، يحاول الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لعب دور الحليف للقوات المحلية، إذ دعا نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، إلى ضرورة “حماية قوات سوريا الديمقراطية” في ظل مخاوف على مصيرها من تهديدات أنقرة، في اتصال هاتفي بين الجانبين في 3 من كانون الثاني.

تحركات داخلية

وفي غضون ذلك، تتجهز “قوات النخبة” التابعة لـ”تيار الغد السوري” الذي يقوده أحمد الجربا لدور واسع في منطقة شرق الفرات، وقالت إنها تستمر بعملية تجنيد عناصر من ريف محافظة دير الزور ومناطق في شرق الفرات، ضمن قواتها.

القوات ذكرت عبر صفحتها الرسمية في “فيس بوك”، السبت 5 من كانون الثاني، أن عمليات التجنيد تتم عبر مراكز تطويع جرى افتتاحها في إطار التحضير لدور لها ضمن مناطق شرق الفرات وامتدادها.

ويقود ما سبق إلى الزيارة التي أجراها رئيس “تيار الغد”، أحمد الجربا، إلى العاصمة أنقرة، في كانون الأول 2018، أعاد فيها العلاقات والتنسيق من جديد مع تركيا بعد قطيعة لسنوات.

وقال مصدر مطلع على زيارة الجربا لعنب بلدي، حينها، إن الجربا اتفق مع الجانب التركي خلال الزيارة على إعادة العلاقات من جديد، وتوصلا إلى عمل وتنسيق مشترك بشأن مناطق شرق الفرات.

وتعمل “قوات النخبة” تحت قيادة التحالف الدولي، وتضم مقاتلين من عشائر عربية في دير الزور والرقة، وبرزت مشاركتها في معارك الرقة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ويبلغ عدد المقاتلين فيها حوالي ثلاثة آلاف مقاتل، بحسب ما أعلن الجربا في شباط 2017.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة