الأهالي: لا طريق آخر أمامنا

إغلاق المنافذ الشرعية يحول الإتجار بالبشر إلى مهنة

camera iconسوريان يقفان على الجانب التركي من معبر أونكوبينار بانتظار والديهما - 5 آذار 2016 (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – برهان عثمان

أحيا مناخ الحرب وعدم الاستقرار في المنطقة صناعة  قديمة- جديدة، هي التهريب، التي كانت مقتصرة قبل الحرب السورية على البضائع وعدد قليل من البشر، لكن نزوح الأهالي وفرارهم من القصف جعل البشر العمود الفقري لهذا العمل.

ازدهر سوق التهريب، خاصة في الشمال السوري بشكل كبير، وأصبح أقرب إلى مهنة يعمل فيها آلاف الأشخاص، وبعيدًا عن التقييم الأخلاقي أو المشروعية القانونية لهذا المجال، إلا أنه أصبح واقعًا منتشرًا وشكل مصدر رزق لآلاف الأشخاص المتوزعين على طول الشريط الحدودي السوري.

ورغم وجوده منذ سنوات طويلة، إلا أنه أصبح أكثر انتشارًا وتنظيمًا  فضلًا عن امتلاكه لقواعد معينة وخضوعه لشروط  خاصة، كالعلاقة بين المهربين فيما بينهم وعلاقتهم مع الفصائل المسيطرة على مناطقهم، كما أصبح لها نجومها الذين لمعت أسماؤهم، كما يقول عبدالله (34 عامًا) وأحد الأهالي في قرية حدودية في ريف إدلب، “لقد وصل الأمر في انتشار هذه المهنة إلى حد التغزل بها، و تأليف أغانٍ خاصة بالمهربين ومن يعمل معهم ومنها أغنية (أسياد التيل) والكثير من الاغاني الشعبية الأخرى”.

والمقصود بـ “التيل” هو الشريط المعدني الموجود على الحدود الذي يفصل بين الجانبين السوري والتركي.

وبحسب الشاب فإن جميع الصعوبات والحواجز التي أوجدها الجانب التركي لم تفلح في الحد من التهريب عبر الحدود.

وأنهت تركيا بناء جدار إسمنتي على طول الحدود مع سوريا البالغة 911  كيلومترًا، في تشرين الأول 2017، ويأتي ذلك في إطار جهود الحكومة التركية الرامية إلى منع تسلل “الإرهابيين” من الجانب السوري وإنهاء عمليات التهريب بين الطرفين، بحسب الرواية الرسمية.

وأغلقت تركيا المعابر الرسمية منذ عام 2015، واقتصرت حركتها منذ ذلك الوقت على الحالات الطبية الحرجة والحركة التجارية.

ورغم الاتفاق على عدم مشروعيتها وانتهاكها للقوانين في كل من سوريا وتركيا والإدانة الأخلاقية لها، لكنها دخلت حتى في باب الترويج والدعايات لجذب الزبائن وأصبحت لها صفحات خاصة على مواقع التواصل وطرق دعائية لإقناع الزبون، كما يقول عبدالله، “من وسائل الدعاية تصوير مقاطع فيديو للمجموعات التي  تنجح في عبور الحدود وبثها مع التاريخ واسم المهرب لتكون دليلًا يعرضه على زبائنه الجدد ودعاية له”.

كما أن مهنة التهريب أصبحت خاضعة لقوانين السوق في العرض والطلب كأي عمل آخر، إذ يرتفع السعر أو ينخفض مع ارتفاع أعداد المهاجرين.

ماذا يقول قانون العقوبات السوري؟

بحسب المادة 7 من المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2010، يعاقب بالاعتقال المؤقت لمدة لا تقل عن سبع سنوات وبغرامة من مليون إلى ثلاثة ملايين ليرة سورية كل من:

أ- ارتكب أيًا من جرائم الإتجار بالأشخاص.

ب- أنشأ أو نظم أو أدار جماعة إجرامية تعمل على ارتكاب جرائم الإتجار بالأشخاص أو تولى دورًا فيها أو دعا للانضمام إليها.

وكانت وزارة الداخلية السورية قالت إنها رصدت 1500 حالة إتجار بالبشر في سوريا، عام 2016 وحده، مشيرة إلى أن 65% من ضحاياها هم من النساء اللواتي يتعرضن للاستغلال الجنسي.

تسلسل وظيفي

“التهريب مهنة لها قواعد وتسلسل معين ووظائف محددة”، يقول أبو علي (39 عامًا)، وهو صاحب مكتب للتهريب، موضحًا أن هناك “الدلّيل”، ويحصل في الغالب على 100 دولار عن كل شخص، أو “نفر” بحسب مصطلحات مهنة التهريب. ومصطلح “الدلّيل” (مع تشديد اللام كما يلفظ باللهجة المحلية) يعني المرشد الذي يقود المجموعات لعبور الحدود.

وهناك “السمسار”، الذي يتولى جذب الزبائن والترويج للمهرب وبث الدعاية له، ويحصل على 50 دولارًا عن كل شخص.

أما “المهرّب”، وهو الرأس المدبر لعملية التهريب، فيتولى تنظيم العملية وتوفير احتياجاتها والتنسيق بين مختلف أطرافها، ويحصل على القسم الأكبر من المال الذي لا يقل عن 200 دولار، ويرتفع بحسب نوعية العبور وسهولته وطرقه وأنواع الآليات المستخدمة فيه.

يعتبر “أبو علي” أن “التهريب مشابه لبقية المهن، له فوائده ونواحيه الإيجابية وله مضاره”، مؤكدًا أن إغلاق الطرق الشرعية لعبور الناس الباحثين عن الأمان والعمل أجبرهم على سلوك طرقات غير شرعية، ودفع مبالغ طائلة للوصول إلى مكان أفضل.

وتتراوح أجرة التهريب نحو الأراضي التركية بين 300 دولار وحتى ثلاثة آلاف دولار وربما أكثر، بحسب كل شخص وعمره وحالته الصحية والقانونية والمالية، ويضيف المهرب أن في العملية فائدة مشتركة لطرفيها، “نحن نحصل على أتعابنا مقابل خدمات نقدمها للناس، ولا نجبرهم على شيء”.

طرق الموت

“أم سلطان”، سيدة في منتصف العقد الرابع من عمرها، حاولت العبور عن طريق التهريب إلى الأراضي التركية، حيث يعيش أبناؤها وأخواتها، أكثر من مرة ومن عدة طرق، لكنها تعرضت للإصابة بقدمها، وتصف التهريب بأنه “قطعة من العذاب… تعرضنا لإطلاق النار من قبل الجندرمة، واضطررنا للركض والسير في مناطق مجهولة وبعض الفتيات تعرضن للتحرش بهن في أثناء الرحلة”.

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان وثق مقتل 400 شخص، بينهم رجال وأطفال ونساء، على الحدود السورية التركية خلال السنوات الماضية.

وتتكرر إصابات السوريين على الحدود من قبل حرس الحدود التركي (الجندرمة)، وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في شباط 2018، إن حرس الحدود يطلقون النار عشوائيًا، ويعيدون بشكل جماعي طالبي اللجوء السوريين الذين يحاولون العبور إلى تركيا.

تعتبر “أم سلطان” التهريب “أقرب إلى صناعة الوهم، بسب انتشار الكذب وصعوبة الطريق والمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الشخص”، لكنها تسلّم أمرها لله كما تقول “نريد أن نهرب من الحرب، ماذا نفعل؟ نحن نبحث عن مكان نعيش فيه بسلام”.

هذه السيدة كانت تعيش في ريف إدلب بعد نزوحها من دير الزور، لكنها اليوم تبحث عن مكان جديد تنزح إليه دون أن تطاردها القذائف والغارات، ودون الخوف من تقدم جديد لقوات النظام السوري.

رقابة خارجية

ومع انتشار أعمال التهريب، حاولت بعض المجموعات والفصائل تنظيم العملية وفرض رقابة عليها، كما يشرح محمد (25 عامًا) وهو ناشط إعلامي في ريف إدلب، ويقول إن “محاولة بعض الجهات تنظيم العملية ساعد الناس وخلق شيئًا من الأمان لهم، ومكنهم من حفظ حقوقهم، كما أوجد قاعدة تقاض يمكن الرجوع إليها، لتحصيل الأموال المدفوعة ومعاقبة المخطئ، في حال حصل شيء غير متفق عليه”.

يصف محمد عملية التهريب بـ “الخطيرة والمجردة من الأخلاق، فقد يحصل فيها الكثير من النصب والتشليح، كما قد يتعرض الناس إلى الاعتداء، وربما القتل”، مؤكدًا أن “هناك الكثير من المخاطر التي تحف تنقلات المدنيين في أثناء التهريب، بما فيها اعتداء من قبل المهرب أو رصاص الجندرمة، وسوء المعاملة من قبلهم في حال تم إلقاء القبض على المجموعة التي تحاول الدخول إلى الأراضي التركية”.

وأشار الناشط إلى قيام أحد المهربين في ريف إدلب قبل حوالي الشهر بسرقة عدد من الركاب الذين كانوا معه وقتلهم، وبالفعل أعدمت “هيئة تحرير الشام” المهرب المتهم بقتل الأشخاص في مدينة إدلب، في 21 من تموز 2018.

تعرّف الأمم المتحدة الإتجار بالبشر على أنه جريمة استغلال للنساء والأطفال والرجال لأغراض عدة بما فيها العمل القسري وشبكات الدعارة والتجنيد وحجز الأشخاص عن طريق التهديد ونزع الأعضاء أو بيعها بسبب الفقر، أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا للسيطرة على شخص واستغلاله.

وتغيب الأرقام الرسمية بشأن عدد الأشخاص المُتجر بهم حول العالم، لكن منظمة العمل الدولية تشير إلى أن عدد ضحايا العمل القسري في العالم يقدر بـ21 مليون شخص، بمن فيهم ضحايا الاستغلال الجنسي (الدعارة).

وتقول الأمم المتحدة إن جميع بلدان العالم تتأثر بظاهرة الإتجار بالبشر، سواء أكانت من بلدان المنشأ أو نقاط العبور أو جهات المقصد، لكن هذه الظاهرة ترتفع في البلدان التي يسود فيها الفقر بين السكان، والبلدان التي تشهد حركة لجوء ونزوح بسبب النزاعات والكوارث.

وأقرت الأمم المتحدة 30 من تموز من كل عام يومًا عالميًا للقضاء على ظاهرة الإتجار بالبشر، وذلك بعد اجتماع رفيع عام 2013.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة