تعا تفرج

يوم كسّرنا باصات نادي تشرين

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

العالم الموجود داخل الملعب مختلف تمامًا عن العالم الخارجي. في الداخل أناس مستنفرون، غاضبون، مشدودو الأعصاب، جاهزون لخوض أي معركة مع مَنْ يخالفهم الرأي، أو التوجه.

وقعت، ذات مرة، حادثة تعبر عن هذه الحالة، وهي أن رجلًا من مدينة أخرى، سمع أن فريق مدينته سيتبارى مع الفريق المحلي، وذهب إلى الملعب ليتفرج ويشجع، ولكنه دخل، بالغلط، إلى مدرج مشجعي الفريق المحلي. جلس خائفًا مذعورًا لا يجرؤ على إطلاق هتاف واحد لصالح فريقه، ولكن أحد المشجعين انتبه، من خلال تبدلات المشاعر على وجهه، إلى تعاطفه مع الخصم، فأصبح حاله مثل حال عادل إمام حينما قال له الكمسري “وَرَق”، فقال له “بوليس”.

في يوم من أيام الربيع ذهبتُ إلى الملعب البلدي بمدينة إدلب لحضور مباراة بمرحلة الإياب بين فريق أمية الإدلبي وفريق تشرين اللاذقاني. كنت معتادًا، حينما أذهب إلى الملعب أن أركن سيارتي في مكان بعيد عن الأبواب الرئيسية. المهم، انتهت المباراة بالتعادل، وكان التعادل مقنعًا بحسب الأداء الضعيف للفريقين.. خرجتُ من الملعب، ومعي ابني مرداس الذي كان وقتها في الخامسة عشرة، فوجئنا بوجود باصات واقفة قرب سيارتي مكتوب عليها “فريق تشرين الرياضي”، ومجموعة كبيرة من مشجعي فريق أمية يُمطرونها بالحجارة، وكنا نرى، رأي العين، الحجر وهو يسقط على زجاج نافذة الباص فيهشمه، أو على الصاج فيطعجه.

المشكلة التي واجهتني كانت مزدوجة، فمن جهة لا أستطيع أن أترك ابني واقفًا وحده في هذا الجو الحربي، والثانية هي أن أي حجر يضل طريقه إلى الباصات التشرينية سيهشم واجهة سيارتي، أو زجاج نوافذها، وإذا غامرت وركضت نحو السيارة لأخرجها من هذه المعمعة فمَنْ يضمن لي ألا تفتح الحجارة في رأسي شارعًا؟

بعد قليل سمعنا زمامير سيارات الشرطة، فتوقف المهاجمون عن الضرب، وركضوا شمالًا نحو كروم الزيتون، وأما أنا ومرداس فقد تمكنا من أخذ السيارة ومغادرة المكان بسلام. وعند باب منزلي تفحصتُها فلم أجد فيها سوى “خفسة” صغيرة ناجمة عن سقوط أحد الحجارة عليها.

اعتبارًا من ذلك التاريخ صرت أخبئ سيارتي في باحة المركز الثقافي وأتابع طريقي إلى الملعب مشيًا على الأقدام، فالله وحده يعلم كم ناضلتُ، وتعبتُ، وشقيتُ، وأخذت قروضًا من المصارف حتى حصلت عليها، فكيف أغامر بتركها عرضة لغضب الجماهير التي لا تتحرك بالعقل والمنطق، وإنما بالغريزة والضغينة؟

في المباراة التالية جلستُ على المدرج الشرقي الذي يمتاز بشيء من الهدوء. وبكثير من الحذر سألتُ المشجعين الجالسين قربي عن سبب الاعتداء على باصات فريق تشرين، فانبرى أكثر من واحد يشرح لي السبب، وقال أحدُهم إن المفروض بنا أن نضرب اللاعبين والمشجعين وليس الباصات، ففي مرحلة الذهاب رافقنا نحن فريقَنا إلى اللاذقية، وبعد المباراة تعرضنا إلى ضرب مبرح من جمهور تشرين، ونُقلنا إسعافيًا إلى مشفى الأسد الجامعي، وعلقوا لنا سيرومات، وهم عرفوا، بالطبع، أننا لن نرضى بأقل من تعليق السيرومات لهم، فاختبؤوا ضمن مقصورة الجمهور الضيف، بحماية الشرطة، فاضطررنا، آسفين، لضرب الباصات!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة