القضية لم تعد ادعاءات كاذبة

سوريون يغيرون أسماءهم للضرورة

لاجئ سوري يحمل هويته في ألمانيا (إنترنت)

camera iconلاجئ سوري يحمل هويته في ألمانيا (إنترنت)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حلا إبراهيم

لم يختر أحد منا اسمه، وكثيرًا ما نسأل شخصًا إن كان يحب اسمه، فيكون جوابه أن والديه اختارا الاسم وهو تكيف معه ووجده بعد فترة ملائمًا له، ويكون هذا من قبيل ما يسمى في علم النفس “التأقلم”، ما يخلق المواءمة بين الإنسان واسمه الذي ولد به.

“ريري” كانت طالبة في كلية الحقوق في جامعة دمشق، جميلة ذات شعر طويل، وتدل طريقة لباسها على أنها “ع الموضة” وخاصة من بنطال الجينز “الممزق” الذي ترتديه. هكذا تحدث لؤي عن فتاة أحلامه التي كانت إحدى زميلاته، والتي كان لا يخفي إعجابه بها.

ولكن لؤي عندما عرف اسمها الحقيقي شعر بالصدمة، على حد قوله لعنب بلدي، ويروي الصدفة التي جعلته يغير رأيه بالتقرب من ريري، فيقول “كان يوم إعلان نتائج امتحان إحدى المواد، وصادفتها عند لوحة النتائج، وكانت صدمتي كبيرة عندما رأيتها تضع سبابتها على أسماء تبدأ بحرف الخاء، ثم على اسم (خيرية) ثم تتصل بصديقتها وتخبرها عن علامتها، ما أكد لي أن هذا هو اسمها الحقيقي”.

الولد على اسم جده.. أحيانًا ينقلب وبالاً

في المجتمعات العربية هناك عُرف لم يتركه الناس، مهما اختلفت درجات ثقافتهم واطلاعهم، وهي تسمية الابن الأكبر على اسم جده، بل وزاد آخرون بتسمية البنت الكبرى على اسم جدتها.

المتدينون يعتبرون ذلك جزءًا من بر الوالدين، بينما يعده آخرون، من الطبقة الأقرب إلى الانفتاح، من قبيل العرف العائلي، والتعبير عن محبة الوالدين.

ولا شك أن هذا العرف يعتبر مصدر سعادة للجدين، رغم أنهما في بعض الأحيان يطلبان على استحياء من ولدهما الأكبر عدم تسمية ابنه أو بنته باسمهما لأن أسماءهما قديمة.

الطامّة عندما يتبارى الأولاد في بر والديهما فيسمون أولادهم البكر جميعًا على اسم جدهم، ما يجعل أبناء العموم يحملون نفس الاسم والنسبة، مع اختلاف اسم الأب والأم فقط.

هذا التنافس كاد أن يودي بحياة أحمد، الذي اعتاد أن يسافر بين دمشق والرياض للتجارة، ولكنه في إحدى الرحلات أوقفته دورية الجمارك في مطار دمشق لوجود تعميم باسمه لأحد الأفرع الأمنية، الأمر الذي أودى به في السجن لأكثر من أربعة أشهر.

لم تترك عائلة أحمد بابًا إلا طرقته من أعضاء مجلس الشعب، إلى أشخاص مقربين من النظام، ودفعوا مبالغ طائلة، لكي يتم التثبت أنه ليس الشخص المطلوب وأن الموضوع “تشابه أسماء” فقط، بينه وبين ابن عمه الذي يحمل نفس الاسم والنسبة.

ويضيف أحمد، “فور خروجي من المعتقل سارعت بتوكيل محام لتغيير اسمي الأول، من أحمد إلى ماجد لتأكدي بعدم وجود هذا الاسم في عائلتنا”.

أول حالة تغيير اسم بناء على تعديل الجنس

شهدت محكمة الأحوال المدنية في دمشق، في شباط الماضي، أول حالة موافقة على تحول جنسي من أنثى إلى ذكر، وتبعًا لذلك تغيير اسم الشخص من بتول إلى أحمد.

وعزت المحكمة وقتها صدور هذا القرار لأسباب طبية وفيزيولوجية، واعتبر هذا القرار الأول من نوعه في سوريا.

تغيير الأسماء ازداد خارج سوريا

رغم أن دعوى تغيير الاسم أو تصحيحه تقوم على أساس “خطأ أمين السجل المدني”، لكن من يرفعها يكون متأكدًا من أن أمين السجل لم يخطئ ولا توجد أساسًا إمكانية للخطأ.

ويقول المحامي إبراهيم من دمشق، الذي تحفّظ على اسمه الكامل لأسباب أمنية، إن “دعاوى تغيير الاسم والعمر ليس لها نص قانوني، وإنما تنضوي تحت دعاوى تصحيح وثائق أو بيانات السجل المدني، فلا يوجد في القانون السوري نص على أحقية الشخص بتغيير اسمه، وإنما تعتمد الدعوى على شهادة شاهدين (يشترط أن يكونا أتما 18 من العمر على الأقل عن ولادة المدعي) أن اسمه لم يكن على سبيل المثال (عبد العزيز) وإنما (تيم)”.

ويحكم القاضي بناء على شهادتهما بتغيير الاسم، ويكون أمين السجل المدني طرفًا شكليًا فيها، إذ يعلم القاضي غالبًا أن هذه الشهادة كاذبة ولكنه من باب التيسير لا يتمسك بتكذيبها، على ما قاله المحامي إبراهيم لعنب بلدي.

وتشير إحصائيات وزارة العدل السورية إلى ازدياد عدد دعاوى تغيير الأسماء في محاكم الصلح المدني، وهي المختصة بالنظر في هذه الدعاوى، بالإضافة إلى تغيير المواليد من أجل التهرب من أداء الخدمة الإلزامية، أو لأغراض أمنية أخرى على حد تعبير الناطق باسم الوزارة، ما دعا إلى فرض قيود صارمة على قبول هذا النوع من الدعاوى، وحصرها بحالات الضرورة القصوى، والتي يترك أمر تقديرها للقاضي، الأمر الذي خفض نسبة هذه الدعاوى إلى 90%.

لكن السبب في انخفاض نسبة دعاوى تغيير الاسم، ربما لا يكون في القيود الصارمة بل بانخفاض عدد السوريين في الداخل، فخلال السنوات السبع الأخيرة هجّر نصف السوريين من منازلهم، وغادر البلد أكثر من خمسة ملايين لاجئ، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

ويعود هذا الاضطراب في التركيبة السكانية إلى وطأة الحرب والقمع الأمني، إضافة إلى شبح التجنيد الإجباري والاحتياطي الذي يطارد الشباب.

ظاهرة تغيير الاسم عند السوريين ظهرت جلية مرة أخرى ولكن خارج سوريا، إذ لجأ البعض لتغيير أسمائهم التي ولدوا وعرفوا بها لسنوات، أحيانًا برضاهم وأحيانًا رغمًا عنهم لظروف فرضتها عليهم البلدان التي لجؤوا إليها.

“بيان”، امرأة سورية وصلت إلى تركيا مع زوجها وأطفالها، وبعد مرور سنوات على وجودها في تركيا، منحت الجنسية، ولكنها عندما قدمت وثائقها الثبوتية وقرأ الموظف اسمها وجده بمعنى “امرأة” باللغة التركية، وليس من المألوف أن يناديها أحد بهذا الاسم، فقرر الموظف أن من الأفضل أن تغييره باسم آخر مستساغ لدى الأتراك، فسمت نفسها “تشيشيك” (ورد) وهذا ما سجلت به.

تقول بيان إنها هنا كانت مخيرة أن تغير اسمها أو أن ترفض، ولكن الموظف نصحها أن من الأفضل لها أن تغيره، ومع ذلك لا تزال تستعمل اسمها الأصلي، لأنها معروفة به بين صديقاتها وحتى أولادها.

لم يكن الحال مشابهًا بالنسبة لـ “براء”، الذي أرغمه الموظف على تغيير اسمه إلى “باران”، لأنه في التركية لا يمكن لفظ الاسم بطريقة صحيحة.

أسماء تحمل انتماءً دينيًا

في تركيا كان العائق أمام السوريين اللغة فقط، وأحيانًا الرغبة في الاندماج، لكن من لجؤوا إلى بلدان أوروبية أو الولايات المتحدة وكانوا يحملون أسماء دينية اضطروا لتغيير أسمائهم ليكتسبوا أسماء ليس بالضرورة غربية ولكنها على الأقل لا تعرضهم لممارسات عنصرية من قبل بعض سكان تلك البلاد.

وهو ما ظهر مع حالة الممثل السوري جهاد عبدو، الذي اعتمد اسم “جاي”، بعدما وصل إلى الولايات المتحدة وشارك في أفلام هوليوود.

طلب جهاد اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، وأقام في لوس أنجلوس، ويقول “التقيت بكثير من الأشخاص، كانوا يصابون بالصدمة حين يعرفون أن اسمي جهاد”، وذلك بسبب ارتباط كلمة “جهاد” بالمجموعات الإسلامية المتطرفة.

ويضيف الممثل لوكالة الصحافة الفرنسية “لا يعرفون أن المسيحيين يسمون جهاد، وأني حملت هذا الاسم تيمنًا بمحام مسيحي من دمشق كان صديقًا لعائلتي”.

للحماية والاندماج

ويقول الاختصاصي النفسي أحمد شيخاني لعنب بلدي، “يلجأ البعض لتغيير أسمائهم لحماية أنفسهم، وخاصة إذا كانوا يحملون أسماء مثل أحمد ومحمد وجهاد، لأنها تعتبر من الأسماء الخطيرة في الدول الغربية”.

ويلمح شيخاني إلى الضغوط التي تحيط باللاجئين فـ “من الممكن ألا يتعرضوا للتمييز فقط، بل إلى العنف والإيذاء”.

ويضيف أن هناك آخرين يرغبون بتغيير أسمائهم “تماشيًا مع العصر، ورغبة في الشعور بالانتماء أكثر للمجتمع الجديد”، وهو ما يتوافق مع كثير من الحالات التي اطلعت عليها عنب بلدي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة