tag icon ع ع ع

 عنب بلدي – العدد 135 – الأحد 21/9/2014

NYHQ2013-0562تمام محمد – بيروت

مع بداية العام الدراسي الرابع منذ بدء الثورة السورية، يواجه الطلاب السوريون اللاجئون إلى لبنان صعوباتٍ كبيرةً، إذ لم تستطع كل المحاولات والتجارب التعليمية في السنوات السابقة توفير فرص متوازنة تضمن حق جميع اللاجئين بالتعليم، إضافة إلى ضيق الحالة المادية لدى الأهل وبعض المشاكل الاجتماعية التي انعكست سلبًا على الطلاب، ما يهدد بنشوء جيلٍ ضائع.

  • ارتفاع الأقساط وسوء الحالة المادية

وتشكل متطلبات الحياة في بلد اللجوء ضغطًا كبيرًا على معيل الأسرة، إذ لا يكفي مردوده في معظم الأحيان لتغطية أجرة المنزل ومواد المعيشة والتدفئة، ما يدفعه غالبًا إلى الامتناع عن تسجيل طفله في المدرسة بسبب ارتفاع أقساطها، خوفًا من تحمل نفقاتٍ جديدة.

أبو إسماعيل، اللاجئ إلى البقاع اللبناني الأوسط، تحدث لعنب بلدي عن ارتفاع الأقساط في المدارس السورية التي أُنشئت حديثًا في المنطقة، إذ يبدأ قسط العام الدراسي بـ 250 دولارًا ويصل أحيانًا إلى 500 دولار، في حين يصل قسط المدرسة اللبنانية الخاصة إلى 750 دولار.

ويوضح أبو اسماعيل أن الأقساط دفعته إلى تسجيل ولديه الصغيرين لإكمال تعليمهما في المدرسة السورية «ذات القسط الأقل»، لكنه لم يستطع تسجيل الطفل الأصغر لقلة حالته المادية.

كما أن العجز المادي عن تسجيل الأطفال في المدارس كرس حالة زجهم في العمل، اعتقادًا منه أن «تعلم الطفل صنعةً تمكنه من مساعدة أهله مستقبلًا، خيرٌ من دراسةٍ لا تطعم خبزًا في ظل هذه الظروف»، كما فعل أبو محمد مع ابنه ذي الـ 12 عامًا، إذ أرسله لتعلم مهنة البناء في إحدى الورشات.

  • مدارسٌ غير معترفٍ بها

وتعد المدارس التي تعتمد المنهاج السوري أكثر جذبًا لأهالي الطلاب السوريين، إذ يعتقد كثيرون منهم أن الطالب «سيكمل تعليمه كما في مدرسته في سوريا»، إلا أنها لا تقدم للطالب شهادةً معترفًا بها في لبنان أو في غيره، سواءً كانت المناهج تابعة لنظام الأسد الذي لا يتعرف إلا بالمدارس على أرضه، أو للحكومة المؤقتة المعارضة التي لا تعترف سوى تركيا والسويد بشهادتها.

عبد الناصر طالب بكالوريا، أجرى امتحانات الحكومة المؤقتة العام الماضي في لبنان وحصل على مجموعٍ مرتفع «إلا أن الجامعات اللبنانية لا تقبل الشهادة التي حصلت عليها».

كذلك الحال بالنسبة للمدارس السورية التي تعتمد منهاجًا لبنانيًا، إذ لا يحصل فيها الطالب على شهادة ٍ مصدقةٍ من وزارة التربية اللبنانية، إلا بتطبيق شروط الوزارة «غير القابلة للتعديل» التي تتمثل بـ «منهاجٍ لبنانيٍ باللغة الإنكليزية، وترخيصٍ لبنانيٍ، ومدرسين لبنانيين»، بحسب أحد الناشطين السوريين في المجال التعليمي.

أما المدارس التي تفتتحها بعض الجمعيات التعليمية الدولية فهي مجانيةٌ، غير أن التعليم يقتصر فيها، إضافةً إلى الترفيه والدعم النفسي، على تقديم مواد بديلة تساعد الطالب على الاستمرار بدروسه ضمن خطة «منهاج الطوارئ»، التي تستمر 6 أشهرٍ، تمتد لـ 6 أخرى في حال استمرار الأزمة، كما أفاد علاء أحد المعلمين في مدرسةٍ مماثلةٍ، وبكل الأحوال «لا شهادة للطالب في نهاية المطاف».

  • وقف التسجيل في المدراس اللبنانية الحكومية

استقبلت المدارس الحكومية اللبنانية في الأعوام الثلاثة الماضية حوالي 40 ألف طالبٍ سوري، غطّت نفقات تدريسهم وزارة التربية اللبنانية ومنظمة اليونيسيف بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة، إلا أن الحال مختلفٌ هذا العام.

ورغم تصريح منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف»، بأن الوزارة أبلغتها بنيتها السماح بتسجيل الطلاب السوريين على ألا يتخطى عددهم الإجمالي 90 ألفَ طالب، إلّا أن بعض المدراس الرسمية علقت لافتات حملت العبارة التالية: «تعتذر المدرسة عن استقبال طلاب سوريين جدد لعدم وجود مقاعد إضافية»، كما أن وزير التربية اللبناني إلياس بوصعب أصدر قرارًا مطلع الشهر الجاري بوقف تسجيل الطلاب السوريين إلى حين استكمال تسجيل الطلاب اللبنانيين.

  • «شنططة» تؤثر على المسيرة التعليمية

عدم تقديم شهادةٍ معترفٍ عليها للطلاب اللاجئين في المرحلة الإعدادية والثانوية، دفعهم وعائلاتهم إلى مغادرة لبنان نحو بلدٍ آخر، كمصر وليبيا وتركيا، بغية الحصول على الاعتراف الدراسي من قبل وزارة التعليم في تلك الدول.

وتفكر عائلة عبد الناصر بالسفر إلى ليبيا ليقدم الامتحان الليبي ويحصل على الشهادة الثانوية، «إلا أن المشكلة تكمن في تأقلم أخوته الصغار مع المنهاج الجديد» كما يقول والد عبد الناصر، الأمر الذي وضع العائلة في حيرة من أمرها «يخطر لي أن أرسله لوحده، بس خايف يتشنطط».

في حين يحرم كثيرون من أطفال المخيمات من إكمال تعليمهم «بسبب انتقالهم المتكرر من مخيمٍ إلى آخر»، حيث تشهد مدارس التعليم البديل في المخيمات غيابًا كبيرًا من قبل تلاميذها، ما يدفع القائمين عليها إلى إغلاقها في بعض الحالات «لعدم التزام الأطفال بدوامهم»، بحسب أنس، المتطوع في تعليم الأطفال في أحد المخيمات اللبنانية.

  • أثر الحرب على الحالة النفسية

تأثر الطلاب والمدرسون على حدٍ سواء بالمشاهد التي رُسمت في ذاكرتهم جرّاء الحرب في سوريا، وتحولت إلى انعكاساتٍ زادت من حديتهم وأثرت على قابلية تعلم الأطفال، ما أضعف العلاقة بين الأستاذ والطفل.

الآنسة رابعة المختصة بالإرشاد النفسي، أفادت عنب بلدي أن ما لقيه الطفل من مشاهد القتل والدمار تكوّن بشكلٍ غير مباشرٍ حاجزًا بينه وبين العلم، حيث «يعاني الكثير من الطلاب من التشتت وعدم التركيز والانسحاب الاجتماعي، كما سيطرت العدوانية على تصرفات بعضهم»، ما يصّعب مهمة المعلم في إيصال الفكرة إليه وضبط تصرفاته، حتى أن بعض الأطفال «باتوا يعانون من حالة التبول اللاإرادي».

وكما الأطفال، أثرت الحالة الاجتماعية على المعلمين، فضغط اللجوء والعبء المترتب عليهم ألقى بظلاله على نفسية المدرس، فـ «يأتي بعضهم إلى المدرسة بحالة اكتئابٍ، ولا يعطون دروسهم بمهنية»، وعند الغضب تصل بهم الحال إلى ضرب الطلاب.

وتحدثت أم عمر لعنب بلدي أن صدمةً نفسيةً لحقت بابنها ذو السبع سنوات «بسبب سوء المعاملة التي تلقاها من معلماته في المدرسة، حتى أصيب برهابٍ اجتماعيٍ»، وأشارت إلى خوفها من وضعه في المدرسة في العام الجديد «أخاف من تأزم حالته إذا استمرت المعاملة على نفس السياق، وأعتقد أن المعلمين يحتاجون لإعادة تأهيل إثر خروجهم من حالة حرب».

وقد حذرت منظمة «إنقاذ الطفولة» البريطانية في تقريرٍ لها صدر الشهر الجاري، من تردي الواقع التعليمي للأطفال السوريين في لبنان، وكشفت أن أربعة من كل خمسة أطفالٍ سوريين هم خارج المدراس، ويشكل الأطفال السوريون نصف مجموع عدد اللاجئين السوريين في لبنان، بحسب مفوضية شؤون اللاجئين، ويتجاوز عدد الأطفال الذين هم في سن الدراسة 400 ألف طفل.

مقالات متعلقة