ظاهرة أنثوية لمهمات ذكورية

شرطيات يكسرن قيود المجتمع شمال حلب

camera iconشرطيات "درع الفرات"في ريف خلب الشمالي (الأناضول)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – صبا الكاتب

كما تكبّل الشرطيات المجرمين بالقيود، كذلك يكبل المجتمع المرأة بالحد من دخولها أعمالًا باتت حكرًا على الذكور، وفقًا لرأي الشرطية أماني سمعو، التي لم تُخفِ، خلال حديثها إلى عنب بلدي، مشاعر الاستنكار من مجتمعها بريف حلب، والذي مازال يمطرها بعبارات اللوم والاستهزاء نتيجة عملها ضمن الشرطة النسائية.

الشرطية أماني، واحدة من النساء اللواتي تجاوزن حواجز وضعها المجتمع في طريق صعودهن، فبالإضافة إلى عملها بتدريس اللغة الإنكليزية، مشت بخطوات واثقة في قسم الأمن، رغم قلة المنتميات إليه، ودفعها للمضي فيه حب دفين للمهنة تنامى يومًا بعد يوم إلى حين احتوائه من قبل قسم الشرطة النسائية.

دخلت المرأة في الشمال الحلبي سلك الشرطة، في آب 2017، إلا أنها لم تكن باكورة تجارب السوريات فيه، فقد سبقتهن إليه شرطيات الجزيرة السورية، كذلك نساء اللاذقية، اللواتي خاضت بعضهن غمار هذا العمل في منتصف العام الماضي.

خديجة اللاظ، كانت من ضمن أول دفعة شرطة نسائية تخرجت في منطقة الراعي شمالي حلب، وأخذتها الحمية عند حديثنا عن غاية عملها الحالي، فأشارت إلى أنه كما تخرجت هي من سلك الشرطة، تخرجت أخريات من كلية الإرهاب، الذي لم يعد برأيها حكرًا على فئة الرجال فقط، ما استدعى وجود نساء شرطيات يقفن في وجه أخريات إرهابيات.

وعلى الوجه النقيض تمامًا، هناك نساء، يقع على عاتق خديجة وأخواتها من الشرطيات حمايتهن والدفاع عنهن، فزرع الأمان وحصد الاستقرار، أبرز آمال خديجة، التي ترى أن مهمتها لا يمكن لأي رجل من الشرطة القيام بها، سواء على صعيد الواجبات أو العادات.

فتفتيش بيت يفتقد إلى ساكنين من الرجال، يجعل المجتمع يفرض على دورية الشرطة عدم منح تأشيرة لدخوله لغير الشرطة النسائية، كما أن الحواجز الأمنية المزروعة على الطرقات الرئيسية، تجعل من تفتيش المرأة للمرأة أمرًا أساسيًا، وسط استحالة تفتيشها من “أجنبي”، كما البلدان الغربية.

أرجوحة التأييد والرفض

أما محيط أماني الصغير فكان على النقيض من الكبير المستنكر، الذي طال حتى نساء جنسها ممن يجدن في مهنتها فكرة مستهجنة، أما أسرتها “المنفتحة” فقد مضت إلى تحفيزها للسير في هذا المجال، الذي عمل والدها في محيطٍ قريب منه، حينما كان “رئيس بلدية سابق”.

وترى الشرطية أن هناك صفتين تلتصقان بالمجتمع لا يمكن حل شيفرتهما، وهما “التخلف والجهل”، فمازالت أنظار مجتمعها، و”ستبقى”، حائمةً حولها ترشقها بعبارات الرفض والاستصغار.

رأي الشارع، بحسب استطلاع لعنب بلدي، انقسم ما بين كثيرٍ مشجّعٍ على الفكرة وقليل معارض لها، بحجة أنهن في “مجتمع مسلم وشرقي”، ولذات الحجة كان انتساب كثير منهن، ففيه المرأة تفتش المرأة، وانتسابهن، برأي الكثيرين، هو “شرف للسوريين”.

الشاب إبراهيم، يقول إنه رأى بعينيه محاولة دخول “خلايا” لعناصر من تنظيم “الدولة”، يتنكرون بلباس نساء، في محاولة لاستغلال تقاليد وعادات المجتمع “المحافظ”، الذي يرفض تفتيش رجل لامرأة، ما يجعل وجهة نظر إبراهيم تميل إلى ضفة مؤيدي عمل المرأة الشرطية.

أما في الضفة المقابلة، بحسب استطلاع لعنب بلدي، فالشاب بسام يعتقد أن “مكان المرأة الطبيعي بيت زوجها وليس في الشرطة”، كما قال، ومن غير المألوف، برأيه مشاهدة امرأة واقفة في مكان يستدعي أحيانًا السهر والمخاطرة والمهمات الصعبة، وهي واجبات لا تستطيع المرأة حملها.

وبرر بسام وجود الشرطيات الحاليات بالـ “الحاجة” التي أجبرتهن على القبول بهذا العمل.

هُمشت المرأة، بحسب قول أحمد، على مدى ثلاث سنوات مضت، كان تنظيم “الدولة” مسيطرًا على المنطقة، وهُضمت أبسط حقوقها، ما استدعى إعادة تعزيز دورها، حتى تصبح عنصرًا فعالًا في المجتمع، وبرأي الشاب، تطغى إيجابيات دخول المرأة سلك الأمن على السلبيات.

توزيع جديد للأدوار الاجتماعية

أزاح الباحث الاجتماعي نضال البكور الستار عن ظاهرة التغير التي تنشأ من أي تغير يطرأ على البناء الاجتماعي، في كله أو جزء منه، وتقتضي ممارسة الأفراد لأدوار تختلف عن تلك التي كانوا يمارسونها في حقبة زمنية معينة.

فعمل المرأة كشرطية في الريف الشمالي من حلب، وفقًا للباحث نضال، هو نتيجة طبيعية للتوزيع الجديد للأدوار الاجتماعية الذي تقتضيه المرحلة الراهنة، واندماجها في بناء وتنظيم المجتمع المحلي هو ضرورة حتمية لا بد من تقبلها.

ولا تخفي أماني، من خلال دخولها للشرطة النسائية، وصولها لهدفين، أحدهما حلم حياتها بـ “دخول معترك الحياة الأمنية”، وثانيهما “الربح المادي”.

ويمكن القول إنه منذ اتخاذ الأزمة في سوريا شكلها المسلح، وفقًا للباحث الاجتماعي، زادت معاناة النساء ونزوحهن وخسائرهن، كفقدان كثيرٍ منهن لأعمالهن، واضطرارهن للعمل بأعمال غير لائقة، فأدى هذا إلى تغيير في الأدوار، وفي أنماط العمل التقليدية التي كانت سائدة وتلعبها المرأة في ظل المجتمع الذكوري، الأمر الذي أثر على جميع النساء، سواء كنَّ ربات منازل أم عاملات.

انعكاس الأزمة على الاقتصاد ألقى بظلاله كذلك على من لم تفقد وظيفتها، وهي التي تتعرض يوميًا لمشكلات ومضايقات نتيجة الظروف الأمنية وصعوبات التنقل، الأمر الذي جعل المعاناة اليومية للنساء بوجه عام تتضاعف في ظل الخوف المسيطر.

الشرطيات في خريطة المجتمع

دخول المرأة الجديد في السلك الأمني، استنادًا للباحث الاجتماعي نضال البكور، من شأنه أن يضعها في مخاطر مباشرة نتيجة العمل لساعات طويلة وأوقات غير محددة وظروف خطرة غير اعتيادية، ما سيلقي بظلاله مباشرة على الحياة الاجتماعية بشكل عام والحياة الأسرية للمرأة بشكل خاص، من ناحية علاقتها بأطفالها وزوجها والتزاماتها الأسرية.

ولا بد للمجتمع من استهجان الدور الجديد في البداية، ولكنه مع مرور الزمن سيتقبله نتيجة التلاقح بين القيم الثقافية والاجتماعية والتغير الاجتماعي للأدوار، أما المرأة فستتمكن مع الوقت من التعايش مع الدور الجديد وتنظيم حياتها.

المرآة الواقعية لعمل الشرطيات

تزامن تخريج دفعات الشرطة النسائية مع دورات أعدّت للذكور، واقتصرت مهامهن على المستويات الآمنة والمتوسطة الخطورة، ومن ضمنها تفتيش “النساء” على الحواجز الطرقية والكراجات ومراكز قيادات الشّرطة والمؤسسات الخدمية، كالمجالس المحلية المدنية والمستوصفات والمشافي وغير ذلك، بحسب اللواء عبد الرزاق أصلان اللاز، قائد قوات الشرطة والأمن العام الوطني.

وتسعى إدارة الشرطة لعدم إدخال أي شرطيّة في مهام تتطلب الخشونة، فهذا من واجبات رجال الكوماندوس الرديف للشرطة.

وأضاف اللواء لعنب بلدي أنه لا بد لدخول معترك الحياة الأمنية من استيفاء شروط ملزمة، لا يغيب التحصيل العلمي للنساء عنها، واللواتي يتساوين مع الذكور فيه، وتتراوح بين شهادات الدراسات العليا إلى الحد الأدنى من شروط التعليم كمعرفة القراءة والكتابة.

ومن الأمور المسلّم بها، بحسب أصلان، تدريب المنتسبات على السلاح الناري والعادي الفرديين، وبعض التمارين الرياضية المناسبة لأعمارهن ولحالتهن الصحية.

كما تم توجيههن سياسيًا وفكريًا بما يتوافق مع القانون الدّاخلي والقانون الدولي وحقوق الإنسان ومحاربة التطرف والإرهاب، وتضمنت بعض الحلقات تعليمات تفيد بعملهن بسلك الشرطة والتعاون مع الجهاز القضائي وحتى مع المواطنين بشكل عام.

وجاءت الغاية من تطويع النسوة في سلك الأمن العام الوطني من الواقع ذاته، كما أن الحاجة تتطلب استمرار تضحياتهن حتى في المناطق الآمنة.

أما القضاء على الإرهاب فلا بد للشرطة النسائية من المشاركة فيه، وذلك بتفتيش الأماكن التي تحتوي نساء يشتبه بهن، وكذلك إجراء بعض التّحقيقات وجمع الأدلة والمعلومات، على ما يقوله أصلان.

ولم تُخف أماني ضرورة مراعاة الدقة والحذر الذي تتطلبه ممارسة هذه المهنة، فـ “العيون المفتحة”، أبرز سمات حواس الشرطية المحنكة.

من فرط حبها لمهنتها، تمنت أماني دخول جميع السوريات في هذا المجال، وأكدت أنها ستستمر بمزاولة المهنة الأمنية طالما بقيت أنفاسها حاضرة على وجه الأرض.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة