شكرًا للربيع العربي

tag icon ع ع ع

محمد رشدي شربجي

قبل سبع سنوات أشعل شاب تونسي النار في نفسه احتجاجًا على تعسف تعرض له من قبل شرطية مرور، بعدها بأيام توفي الشاب واشتعلت تونس في مظاهرات انتهت بإسقاط نظام بن علي الذي حكم البلاد أكثر من عشرين عامًا، وبقية القصة معروفة للجميع، انتقلت الثورة من تونس إلى سوريا مرورًا بعدة دول عربية، وبات مشهد الألوف تملأ الشوارع وهي تنادي للحرية والكرامة مشهدًا يوميًا على شاشات التلفزة.

لم تكن تلك أيامًا عادية، من عايش “اللحظة التاريخية” التي هرم من أجلها الرجل الأشيب في برومو قناة الجزيرة، والشاب المتجول في شوارع تونس صارخًا “بن علي هرب”، وميدان التحرير في مصر تملؤه الملايين، وثوار بنغازي ومصراتة وطرابلس يقتحمون باب العزيزية على القذافي، ودوار اللؤلؤة في البحرين، وميدان الستين في صنعاء. مظاهرات درعا واعتصام الساعة في حمص، وزحف ثوار الريف دمشق نحوها و”يا حيف” سميح شقير. من عايش كل هذا لا يمكن أن ينساه.

كم كان الأمل حينها كبيرًا، لا يفوقه حجمًا إلا حجم خسارتنا فقط، كان يحيى شربجي يعتقد حينها أن الربيع العربي نسخ ما قبله، وعليه فإن قراءة ما كتب المثقفون العرب سابقًا ليست ذا جدوى، فهؤلاء ينتمون إلى وقت مضى بحسبه، نعم بهذا الأمل كان يتحدث يحيى وهو يشاهد مظاهرات مصر عبر قناة الجزيرة عن دولة القانون والمؤسسات التي ستسود في مصر بعد الثورة، لم يخفِ يحيى شكوكه حين انطلقت الثورة السورية، الشاب الذي اعتقله النظام السوري ثلاثة أعوام ونيف لأنه قاد مع رفاقه حملة ضد الرشوة والفساد في داريا، كان يرى أن الظروف لم تنضج بعد لثورة بهذا الحجم، ومع ذلك فقد كان من المشاركين في أول اعتصامات الثورة السورية.

واليوم وبعد سبع سنوات من اشتعال الربيع العربي لا يبدو شيئًا كما كان، لقد تبخر الأمل الذي حدانا جميعًا، وحلت محله طوابير اللاجئين تدق أبواب أوروبا وحواضر خاوية على عروشها ومخيمات ومقابر بحجم المدن، ومناضلون مصريون هاربون بحياتهم إلى دول الجوار، وحوثي خارج من القرون الوسطى تقصفه طائرات التحالف.

وبالرغم من ذلك تبدو الأمور كما لو عادت إلى أولها، تعود القضية الفلسطينية لتكون رويدًا رويدًا القضية المركزية التي تحب جميع الأنظمة أن “تتحدث” عنها، محور قديم يعاد تجديده يضم إيران والدول الملحقة بها، سوريا والعراق ودولة حزب الله، تساعدهم قطر وتركيا في مواجهة الإمارات والسعودية ومصر التي تساعدهم إسرائيل بطبيعة الحال.

وبما أن الأمور تعود إلى حالتها الأولى، فإنه من الحري بنا أن نتعلم من دروس الربيع العربي المغمسة بالدم، من هذه الدروس أن السعودية مسؤولة مباشرة عن الثورة المضادة في ثلاثة بلدان، هي البحرين، مصر، اليمن، وبشكل غير مباشر في البلاد الباقية، وأنها -السعودية- كرست وجودها برفقة الإمارات لإنقاذ النظام العربي، والتحالف مع أي من هاتين الدولتين كارثي ومدمر، وهو إحدى أخطاء الثورة السورية بطبيعة الحال.

ومن هذه الدروس أن الصراع الإسلامي- العلماني الذي مزع الساحات السياسية في دول الربيع العربي هو صراع تافه وسخيف، ومضيعة للوقت وللوطن والثورة، ولم يستفد منه إلا أحد اثنين، الأنظمة السابقة التي تحالفت مع العلمانيين ضد الإسلاميين أو العكس، ثم رمت كليهما في السجون، وثانيًا القوى السلفية، وهي نتاج سعودي أيضًا، التي زاودت على الإسلاميين والمسلمين في هذا النقاش ثم قضت عليهم جميعًا وعلى فرص تعاونهم وتشاركهم مع غيرهم.

ومن الدروس أيضًا أن بقاء الشعوب العربية تحت حكم الدكتاتورية هو هدف عالمي مشترك، وأن قوى اليسار العالمي التي ملأت الدنيا ضجيجًا بمناصرتها لفلسطين ليست أكثر من أدوات بوتينية لإثارة الغبار في وجه الغرب.

لم يستطع الربيع العربي بعد سبع سنوات أن يحقق أهدافه حتى الآن، ولكن قطار التغيير انطلق ولو من دون سكة، وقد قضى حتى الآن في مسيره على أفكار كان يظن أصحابها أنها لن يأتيها الباطل لا من بين أيديها ولا من خلفها. لقد بدا كل شيء على حقيقته، مقاومو إسرائيل ليسوا أكثر من مصاصي دماء، وحراس الشريعة ليسوا أكثر من وحوش آدمية. لقد سقطت كل الأيدلوجيات.

فشكرًا برغم الأسى للربيع العربي. كل عام وأنتم بخير.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة