تعا تفرج

قربان لعادل خميس

خطيب بدلة

camera iconخطيب بدلة

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

مدير مطار دمشق الدولي الذي لا أعرف اسمَه، وليس لديَّ فضول لأعرفه، رجلٌ مسكين، وقع ضحية التمثيلية الكوميدية التي لعب دورَ البطولة فيها رئيسُ الوزراء عماد خميس، مع مجموعة من الكومبارس الناطقين، مساء يوم السبت 14 آب، فأُقيل من عمله بطريقة ميدانية، ارتجالية، تُشبه إقالة والي مدينة “قُمْ” الذي كان جالسًا فقال له الخليفةُ: أيها الوالي بقُمْ، قد عزلناكَ فَقُمْ.

أقدم رئيسُ الوزراء المذكور-كما تقول ضبوطُ المخافر- على القيام بزيارة وصفَها الإعلامُ السوري بأنها مُفاجِئة للمطار، وصوره مرافقوه بالكاميرا الخفية (على أساس أنه لا يعرف!) فظهر وهو يُرعد ويُرْغي ويُزبد ويَتَوَعَّد المهملين والمقصرين والفاسدين والمُرجفين بالويل والثبور وعواقب الأمور.. يعني، بالمشرمحي: الإهمال والتقصير والفساد أمور غير مسموح بها في سوريا الأسد!

تعاطفتُ مع هذا الإنسان، لأنه طُولِبَ بأن يكون صلبًا ومستقيمًا ونظيفًا في محيط يشبه المجارير و”السياقات” في وساخته، فهو يعرف، مثلما يعرف غيره، أن ما لا يقل عن خمسة بالمئة من الشعب السوري ممنوعون من السفر، بأمر من شعبة المخابرات العامة، أو الأمن الجوي، أو الأمن العسكري، أو الشعبة السياسية، أو الأمن الخارجي، أو فرع فلسطين، وليس بأمر من عماد خميس.

فرئيس الوزراء في سوريا يشبه العِرْق الموجود في أسفل جسم “الزلمة” ويسمى “العظْرُط”، لأنه عديمُ الفائدة (لا بيحلّ ولا بيربُط).. فياما كَمَنَت دورية مخابرات لرجل سوري مسافر، في زاوية من المطار، وطلبت منه عدم الالتحاق بطائرته، وقبول دعوة “المعلم” إلى فنجان قهوة، فتسافر الحقائبُ وحدها، بينما يُسَاقُ “الزلمة”، معصوبَ العينين، في رحلة احتساء القهوة إلى المكان الذي يعجزُ كائنان اثنان عن معرفته، والوصول إليه، الأول هو رئيس الوزراء، والثاني هو الذباب الأزرق.

وياما انتظرتْ دوريةٌ مخابراتيةٌ مؤللةٌ مواطنًا سوريًا أو فلسطينيًا قادمًا عند منعطف الدخول إلى منطقة استلام الحقائب في المطار، لتسحبه من هناك كما يُسحب الخَروفُ إلى المسلخ، وحينما يطول الوقت على أهله الذين ينتظرونه في الخارج، ولا يَبْقى من القادمين مَن يُصْفِرُ النار، يهرعون إلى مدير المطار المذكور، فيحلف لهم برحمة “نانته وجده” أنه لا يعرف شيئًا عن النشاطات التي تقوم بها تشكيلة الدوريات المخابراتية المعششة في المطار، التي يمون أفرادُها على موظفيه أكثر مما يمون عليهم هو، ومعاونوه، ووزيرُ النقل، ووزيرُ الدولة لشؤون النقل، ومعاونُ رئيس مجلس الوزراء لشؤون الخدمات، ورئيس الوزراء نفسه! وحينما يحن قلبه على الأهالي المساكين، ويجري لأجلهم اتصالًا يعرف من خلاله أن المسافر المذكور قد اعْتُقِل، يمصمص شفتيه أسفًا ويقول لهم ما معناه: الأرض قفرا والمزار بعيد.

الحاصل له: يقوم النظام السوري، بين حين وآخر، بتمثيلية هزلية صغيرة، يُضَحَّى في خاتمتها بشخص مسكين، ولعل من حُسن حظ صاحبنا مدير المطار أن التضحية به اقتصرت على إقالته، ولم يذبحوه من الأذن إلى الأذن كما يفعلون بالثوار ومعتقلي الرأي العام.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة