الجذور الدفينة لسيرة التعذيب في سوريا

صورة آلة العجلة (إنترنت)

camera iconصورة آلة العجلة (إنترنت)

tag icon ع ع ع

أول استخدام للتعذيب عرفته سوريا كان خلال “الحروب السورية”، في القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد، حين تنازع ورثة الإسكندر المقدوني على جنوب سوريا، أو ما يُعرف بـ “سوريا الخاوية”.

وكان الطرفان المتنازعان هما مملكة مصر البطلمية، والامبراطورية السلوقية التي كانت عاصمتها دجلة في العراق، قبل أن ينقلوها إلى مدينة أنطاكية السورية.

وقد دارت بين القوتين ست حروب، امتدت 106 سنوات، وانتهت بتوقيع معاهدة اعترف بموجبها البطالمة المصريون بسيادة السلوقيين على سوريا، إلا أن الحروب كانت قد أنهكتهما تمامًا، وسرعان ما انهارتا أمام الروم والفرس.

وخلال هذه الحروب كان قد وصل إلى البلاد اختراع قطع مسافات طويلة، قادمًا من الأراضي اليونانية التي كانت في أوج ازدهارها، هذا الاختراع يسمى “العجلة”.

على هذه الآلة كانت تُمدد الضحية لِتُخلَع مفاصلها، وتُكسَر عظامها ويُمزَّق لحمها، وتنتهي جولة التعذيب حين ينطفئ موقد الجمر الموضوع تحت العجلة من شدة النزيف، وتموت الضحية.

عاشت البشرية جمعاء قرونًا طويلة من محاولة السيطرة على انفلات الغرائز المتوحشة التي فتكت بحضاراتها الواحدة تلو الأخرى، قبل الحروب السورية وبعدها.

كلاوديوس امبراطور روماني حاول ضبط التعذيب في أكثر الحضارات وحشية على مرّ التاريخ، لكنه مات مسمومًا على يد زوجته، ليرثه ابنه صاحب الاسم الذي سيحفر عميقًا في ذاكرة الإنسانية كأكثر الذكريات المرعبة، نيرون.

وفي عام 1789 شهدت فرنسا ثورة استمرت عشر سنوات، وكانت متأثرة بفكر التنوير من أمثال جان جاك روسو، وجون لوك، وفولتير. وأسهمت مبادئها الداعية إلى احترام كرامة الإنسان وحريته، بتشكيل النواة الأساسية لمواثيق حقوق الإنسان التي تبنتها الأمم المتحدة عام 1948.

خلال هذه الفترة كانت الكلية الحربية في سوريا قد خرجت من ضمن صفوفها الشخص الذي سيعيد إحياء طقوس التعذيب في المعتقلات، والذي سيكون له الأسبقية في ضرب التجربة الديمقراطية في سوريا، والتأسيس للدولة الأمنية البوليسية، العقيد عبد الحميد السراج.

الشاب الذي لم يتجاوز عمره 25 عامًا، والذي أصبح مدير إدارة المخابرات العامة في سوريا، تولى التحقيق في قضية اغتيال العقيد عدنان المالكي عام 1955، وسعى بدأب لتوسيع دور المخابرات في الشأن العام السوري، وهكذا امتلأت السجون بالمعتقلين، وبدأ السوريون ولأول مرة بتداول قصص مرعبة، كالموت تحت التعذيب، وإذابة المعتقلين بالأسيد.

وما لم يكن يتوقعه السراج، أنّه سيلقى جزءًا من هذا التعذيب في سجن المزة بدمشق، إبان الانفصال بين سوريا ومصر، حيث اعتقله الانقلابيون الساخطون من إجراءات جمال عبد الناصر، التي أضرّت بالحياة السياسية والاقتصادية في سوريا إلى أبعد حد، والذي اعتمد على السراج في إدارة الإقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة، سوريا.

وتبدو هذه الصورة محاكاة تاريخية لما حدث قبل أكثر من ألفي عام، لكن هذه المرة سبق المصريون منافسيهم العراقيين في ضم سوريا تحت لوائهم، وهي منافسة لم تكن لتخفى على أحد وسيطرت على النشاط السياسي للأحزاب السورية منذ الاستقلال عن فرنسا.

تدخل عبد الناصر ونسق عملية أمنية لتهريبه عبر الأراضي اللبنانية بمساهمة بارزة من زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، كمال جنبلاط.

عاش السراج في مصر بصفة مواطن خاص، وعلى نفقة الضمان الاجتماعي، حتى وفاته في القاهرة عام 2013، تاركًا خلفه المعتقلات التي استلم إدارتها نظام الأسد، والتي انتشرت منها الصور ومقاطع الفيديو لأبشع عمليات التعذيب في العصر الحديث، حيث قُتل 12679 شخصًا بسبب التعذيب وتفشي المرض والتجويع والمرض وسوء المعاملة، وفق ما ذكر تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” عام 2017.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة