الثأر أم العدالة.. دير الزور بعد تنظيم الدولة

camera iconمقاتلون في تسجيل ترويجي لتنظيم "الدولة الإسلامية" في دير الزور (المكتب الإعلامي للتنظيم)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – عمر عبد المجيد

تتضح ملامح المعركة التي تنتظرها محافظة دير الزور في مقبل الأيام، والتي من الممكن أن تكون قريبة، خاصة وأن تنظيم “الدولة الإسلامية” بدأ ينحسر في محافظة الرقة، تحت ضربات قوات “سوريا الديمقراطية” المدعومة أمريكيًا، والتي طردت عناصر التنظيم من عدد من أحياء المدينة.

من خلال متابعة سلوك تنظيم “الدولة” في الموصل والرقة، يمكن للمحلّلين التنبّؤ بأن المعركة ستحسم لصالح القوات التي ستقاتل التنظيم، وإن طالت، ولأن البنية المجتمعية للمحافظة تقليدية عشائرية، فإن تحقيق العدالة في هذه البنية هو الثأر، والذي يعتبر وسيلة دفاع وعدالة في نفس الوقت، كما أنه يعتبر دعامة أساسية من دعامات المجتمع العشائري وثقافته.

وقد كانت هذه البنية كذلك قبل عام 2011، أي أنها كانت تعتمد الثأر بوجود الدولة وأجهزتها القضائية والتنفيذية في دير الزور، فكيف الحال في عدم وجود الدولة وأجهزتها بعد طرد التنظيم؟

تعميم الثأر الشخصي إلى ثأر عشائري

من أخطر التداعيات على البنية الاجتماعية في دير الزور، كيفية التعامل مع أبناء المحافظة الذين انضووا تحت لواء التنظيم، وقاتلوا معه وتسببوا بالأذى لأبناء جلدتهم، أو إلى العناصر الذين انضووا تحت تشكيلات أخرى، كان لها القرار قبل سيطرة التنظيم في تموز عام 2014.

واليوم يجري نقاش في كيفية حل هذه المشكلة، وهذا النقاش ضروري لإيجاد حلول مبكرة قبل أن تقع الطامة، وحتى لا تكون الفوضى أساسًا لمستقبل المحافظة، فالكثير يتخوّف من طلب الثأر من أشخاص ينتمون لعشائر مهمة في دير الزور، ومن رد العشيرة الذي ينتمي لها هذا العنصر، والذي من الممكن “تعميم الثأر الشخصي إلى ثأر عشائري”، بحسب دراسة للباحث الاجتماعي فيصل دهموش، الذي عبّر عنه في دراسة تنشر قريبًا.

وأوضح دهموش لعنب بلدي أن البنية الاجتماعية في دير الزور تستطيع أن تمتص وتعيد إنتاج الثأر، لأنها تعتمد على أن “الثأر الناتج من الاقتتال العشائري في المنطقة هو ثأر شخصي وعشائري معًا”، وهذا الامتزاج بين الشخصي والعشائري يؤشّر إلى ضياع الخطوط التي من الممكن وجودها في بنى اجتماعية أخرى غير العشائرية، واعتمادًا على هذا التخوف، فمن الممكن التنبؤ بأن محافظة دير الزور تنتظر حربًا عشائرية بعد طرد تنظيم الدولة.

كيف ينظر أبناء المحافظة إلى الحل؟

وفي استطلاع لآراء أبناء العشائر حول قضية الثأر، أجراه مركز “جديرته للأبحاث” وأوردته دراسة الدهموش، فضّل 97% من أبناء العشائر حلّ قضايا الثأر بطريقة سلمية وعادلة، فيما ذهب 51% من أبناء العشائر بأنه يمكن حل قضايا الثأر في المنطقة، إلا أن 47% يقرون بوجود صعوبات مختلفة تعرقل إمكانية حل قضايا الثأر.

ويرى الاستطلاع أن من التأثيرات المحتملة في حال عدم حل قضايا الثأر نشوء مناطق نفوذ عشائرية، وعدم استقرار في عموم المحافظة، وتسلل التنظيمات الجهادية مجددًا إلى منطقة العشائر، وتصاعد العنف بسبب السعي إلى الانتقام.

ويفضل 44% أن تتشكل لجنتان عشائرية وقضائية لحل تلك قضايا الثأر، وأن تكونان مرتبطتين بقوة عسكرية خاصة في المنطقة، فيما يرى 20% أن تكون لجنة عشائرية مشكّلة من عشائر المنطقة سواء كانت مرتبطة بقوة عسكرية أم لا، و18% يفضلون أن تتولى لجنة قضائية مرتبطة بقوة عسكرية خاصة، و17% يفضلون أن تكون لجنتان عشائريتان تنسقان مع لجنة قضائية.

ويرى 77% من أبناء العشائر أن الوجهاء والفاعلين الاجتماعيين الموثوقين من قبل الأهالي، يمكن أن يلعبوا دورًا إيجابيًا في حل قضايا الثأر، ويفضل 12% أن يكون حل قضايا الثأر بالاعتماد على العرف العشائري للمنطقة وقوانين الدولة والعدالة الانتقالية معًا، و57% يفضلون أن يكون العرف العشائري فقط هو من يحتكم إليه في تلك القضايا، و30% أن تكون قوانين الدولة وقوانين العدالة الانتقالية هي من تحل قضايا الثأر.

ويخلص الباحث دهموش، إلى ضرورة فتح نقاش عام بين أبناء العشائر للبحث في آليات وأدوات بناء السلم الأهلي المحلي، وضرورة الأخذ بعين الاعتبار البنى العشائرية كموارد محلية رئيسية يمكن استخدام معاييرها في التحكيم، وضرورة تحديد الحوامل الاجتماعية لبناء السلم الأهلي من شيوخ ووجهاء عشائر وفاعلين اجتماعيين ورجال دين وكفاءات، وضرورة إنشاء لجان من أبناء العشائر تعنى بتوثيق القتلى والجرائم المرتكبة جراء سياسات تنظيم الدولة، وتوثيق المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عنها، والتشبيك مع منظمات تعنى بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في المحافظة.

هل تقتل العشيرة أبناءها “الداعشيين”؟

لكن كيف ينظر القانونيون والحقوقيون لحلّ يتداوله بعض أبناء المنطقة، في أن تقتل كل عشيرة أبناءها المنضوين تحت لواء التنظيمات الجهادية وأساؤوا للمواطنين الآخرين، من أجل الابتعاد عن الثأر، وبالتالي الابتعاد عن حرب عشائرية في دير الزور.

لا تستطيع أي محكمة أن تحاكم إلا المتهمين الرئيسيين، فلا يوجد محكمة مهما كان نوعها تستطيع أن تحاكم مئات المتهمين، في ظل ظروف معقّدة كتلك التي في محافظة دير الزور، ولا يمكن النظر بكل حالة انتهاك وجريمة تُرتكب وتحديد المسؤول المباشر بسهولة، بحسب الحقوقي جلال الحمد، مدير منظمة “العدالة من أجل الحياة”.

وقال الحمد لعنب بلدي إن “تشكيل لجنة محلية تعتمد الأعراف المحلية والاجتماعية السائدة في المنطقة، قد يساعد في أي حل جزئي لما يجري أو ما تنتظره المحافظة مستقبلًا، وأن تكون هذه اللجنة حلقة وصل بين الأطراف المتنازعة ووسيطًا لإيجاد حلول وسط، تستطيع من خلالها توفير الكثير من الدم، والعمل والسير بضع خطوات لتحقيق استقرار وسلم في المحافظة”.

ثلاثة خيارات.. واحدٌ منها ممكنٌ فقط

وحول الطرق الأخرى الممكنة لحل قضايا الثأر، هناك عدة احتمالات هي: القضاء الوطني أو محكمة الجنايات الدولية أو المحاكم الخاصة، وأكد الحقوقي الحمد أن “احتمال القضاء الوطني هو خيار واقعي ومتاح لمحاكمة المتهمين، لكن المشكلة هي في عدم الوثوق فيه، نتيجة سطوة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، إضافة إلى تدخلات الأجهزة الأمنية في القطاع القضائي، وبالتالي لابد من أن يكون هناك تغيير جذري سياسي، وإجراء اصلاحات جذرية على قطاع القضاء من أجل أن نبدأ باستعادة ثقة المواطن السوري بالقضاء السوري ومحاكمه”.

أما الخيار الثاني في محكمة الجنايات الدولية، وهو خيار مستحيل لأن الحكومة السورية غير موقعة على نظام روما الأساسي، وبالتالي لا يمكن تحويل الملف إلى محكمة الجنايات، بحسب الحمد، الذي أردف “يبقى لنا طريق آخر لتحويله إلى محكمة الجنايات الدولية، وهو قرار من مجلس الأمن الدولي، لكن هذا الطريق مغلق بسبب الفيتو الروسي والصيني، لذا فإن طريق محكمة الجنايات الدولية غير متاح وغير واقعي”.

فيما الخيار الثالث هو إنشاء محاكم خاصة بسوريا تبحث في انتهاكات حقوق الإنسان، لكن إنشاء مثل هذه المحاكم يتطلب أيضا قرارًا من مجلس الأمن الدولي، وهو ما سيكون مغلقًا بسبب الفيتو الروسي الصيني أيضًا.

وفي الحلّ الذي يناقش أن تقتل كل عشيرة ابنها “الداعشي” من أجل تجنب حرب عشائرية، أكّد الحقوقي الحمد أنه “من حيث المبدأ فإن إيقاع أي عقوبة بأي متهم لا يجوز من دون محاكمة، تتوفر فيها شروط العدالة وأن تكون مشكّلة تشكيلًا صحيحًا وفق ما تعارفت عليه المجتمعات المتمدنة، وبالتالي لا يمكن اتباع هذا الحل، فالقتل بالأساس هو انتهاك للحق في الحياة، وهو انتهاك للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو حق مقدّس، والدول المتحضرة ضيّقت استخدام عقوبة الإعدام بسبب تقديس هذا الحق، لذا فإن العشيرة التي ستلجأ لهذا الحل تقوم بانتهاك آخر ولا يوافق عليه القانون أبدًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة