الأسد يمهّد للمعركة الكبرى بالأرض المحروقة

طبول الحرب تقرع على أشدها في درعا

camera iconغارات جوية على مدينة درعا الأربعاء 7 حزيران 2017 (نبأ)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – درعا

تصدّرت مدينة درعا واجهة الإعلام طوال الأشهر القليلة الماضية مع انتزاع المعارضة زمام المبادرة العسكرية من يد قوات الأسد بهجومها على حي المنشية، أهم وأكبر معاقل النظام في درعا البلد، وإحرازها تقدمًا مهمًا في الحي، تمثل بالسيطرة على أكثر من 90% منه.

لكن قوات الأسد استعادت المبادرة منذ أواخر أيار الماضي، عبر تصعيد عسكري هو الأعنف على مدينة درعا، منذ انطلاق الثورة منتصف آذار 2011، معلنة بهذا التصعيد، أن المرحلة المقبلة هي مرحلة المواجهة العسكرية الأكبر في الجنوب السوري.

أرتال عسكرية مدججة بالأسلحة تتقدمها راجمات صواريخ “الفيل”، بالإضافة لدبابات وعربات عسكرية، ومئات المقاتلين الذين يقودهم عناصر من “حزب الله” اللبناني، بهذه التعزيزات، باتت قوات الأسد والميليشيات الرديفة والحليفة لها، تتحضر لمعركة مدينة درعا، بهدف استعادة السيطرة على أكثر من 60% من أحياء المدينة الخاضعة حاليًا لفصائل المعارضة.

بدأت هذه القوات حملتها بقصف وصف بـ “الهستيري” على أحياء درعا البلد وحي طريق السد، بالإضافة لمخيمي درعا ومنطقة غرز الاستراتيجية، في إعلان صريح أن المرحلة الحالية هي مرحلة “الأرض المحروقة”، في سيناريو يبدو مكررًا عما حصل في مدينة حلب أواخر العام الماضي، أو ما حصل بعدها في أحياء محيط دمشق، ما يطرح السؤال عن استعدادات فصائل المعارضة المجتمعة في غرفة عمليات “البنيان المرصوص”، لمنع تكرار ما حصل من تجارب مشابهة في محافظات أخرى.

تجاوز الخطوط الحمراء والمعركة “كسر عظم”

وتحدثت عنب بلدي إلى مصدر عسكري (طلب عدم الكشف عن اسمه)، مقررًا في البداية الإشارة للبعد الإقليمي لهذه المعركة، ومعتبرًا أن وصول “حزب الله” اللبناني إلى درعا “خط أحمر رسمته الدول الإقليمية قبل بضع سنوات”.

وقال “نحن على اطلاع على اتفاقيات تمت بين دول إقليمية ونظام الأسد، كانت تحمل تهديدًا صريحًا للأسد، بأن وصول الميليشيات الشيعية للحدود السورية الأردنية هو خط أحمر، ويبدو أن محاولتها الوصول اليوم هو تجاوز للخطوط أو ربما تغير في هذه الاتفاقيات”.

واعتبر المصدر أن “المد الإيراني” بات على مشارف الحدود الأردنية، “بالمقابل نحن أمام صمت أردني وخليجي مريب جدًا”، أما محليًا، فأشار إلى أن المرحلة المقبلة هي مرحلة “كسر العظم” بين فصائل المعارضة في كامل الجنوب السوري، وقوات الأسد والميليشيات الأجنبية.

وأقرّ القيادي بصعوبة الموقف العسكري المقبل “المعركة ستكون صعبة وقاسية، الخسارة فيها تعني تغيير كامل خريطة الجنوب السوري لصالح الأسد، بينما الانتصار يعني أن أيامه في جنوب سوريا وصلت إلى آخرها”، وبناء على هذه القراءة، ستكون فصائل المعارضة في الجنوب السوري أمام تحدٍ كبير، للزج بكامل قوتها في هذه المعركة، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.

أوضح المصدر أن “النظام رسم حدود أرض المعركة في مدينة درعا ومحيطها القريب فقط، لذلك اكتفت كثير من فصائل ريف درعا بأخذ وضعية المشاهدة، وكأن المعركة لا تعنيها”، موضحًا أن كثيرًا من الناشطين والقادة العسكريين في درعا، طالبوا فصائل الريف “بضرورة التحرك السريع، وفتح الجبهات ضد قوات الأسد، للتخفيف عن مدينة درعا قدر الإمكان”.

وحذّر القيادي أن ترك الفصائل العسكرية لمدينة درعا وحدها في هذه المعركة يعني “إعطاء الأسد مفتاح الانتصار”، معتبرًا أنه في حال نجاحه بالسيطرة على المدينة، فإنها “لن تكون آخر ما سيحتله الأسد في درعا، بل ستكون المنطقة الأولى فقط”.

أرض محروقة وحصار

ميدانيًا، لا تبدو خطة قوات الأسد كثيرة التعقيد، فهي باتت مكررة في جميع المناطق التي نجح بالانتصار فيها في أوقات سابقة، فقد بدأت هذه القوات فعلًا بتطبيق سياسة الأرض المحروقة، وإمطار الأحياء الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، بمئات الصواريخ والقذائف والبراميل المتفجرة يوميًا، وهو الأمر الذي كانت تتوقعه وتنتظره فصائل المعارضة.

وقال المصدر العسكري “عبر رصدنا لأرتال قوات الأسد الواصلة إلى المدينة، كان يتضح اعتماده على راجمات صواريخ الفيل، حيث وصلت ما يقارب 40 منصة إطلاق، لذلك كنا نتوقع اعتماد سياسة التدمير الممنهج”.

هذه السياسة، التي نجحت فيها قوات الأسد بالسيطرة على أحياء برزة والقابون وتشرين في العاصمة دمشق، بالإضافة لما سبقها من مناطق، كوادي بردى وداريا، لم تثر المخاوف من نجاحها مجددًا في مدينة درعا، وبرر المصدر “هناك اختلاف جوهري بين الحالتين، فهذه المناطق كانت محاصرة بالكامل، تفتقر لكافة أنواع الدعم العسكري والإنساني، بينما مدينة درعا مازالت تمتلك خطوط إمداد متعددة ومفتوحة”.

وعن إمكانية نجاح قوات الأسد بفرض حصار على المدينة قبل اقتحامها، قال القيادي “سنعمل جاهدين على إفشال أي محاولة لذلك، ونحن ندرس كافة الخطط العسكرية لإفشال مثل هكذا محاولات، فنجاح الأسد بإطباق الحصار على المدينة، يعني قطع طرق الإمداد التي تمثل شريان الحياة حاليًا”.

محاولات قوات الأسد قطع طرق الإمداد، في وقت سابق، كان الحافز الأول لإشعال معركة “الموت ولا المذلة”، لمنع محاولات قطع الطريق الوحيد بين ريفي درعا الشرقي والغربي، ولكن هذه المعركة التي دخلت شهرها الخامس، لم تحسم حتى الآن، رغم ما حققته من نجاح.

علّل المصدر ذلك بالقول “في الوقت الراهن، نحن أمام تحدٍ كبير على جبهات عديدة، بعد أن كانت المعركة مقتصرة على حي المنشية فقط، لذلك نستطيع القول إن معركة الموت ولا المذلة مستمرة ولكنها باتت على أكثر من جبهة، وهو ما يؤخر إكمال أهداف المعركة بالسيطرة على المنشية وسجنة”.

واختتم المصدر العسكري حديثه بالتشديد على أن عوامل انتصار فصائل المعارضة في هذه المعركة “متوفرة بالكامل”، وقال “نحن نمتلك عشرات آلاف المقاتلين في الجنوب السوري، بالإضافة لعتاد كبير جدًا، وقادرون على إفشال مخططات النظام، بل واسترجاع زمام المبادرة، ولكن هذا الأمر مرهون بمدى تحمّل الفصائل العسكرية وقادتها لمسؤولياتهم، وإشعال كافة الجبهات في وجه هذه القوات”.

نازحون ينظرون بتفاؤل وخوف

مع نزوح كامل سكان أحياء درعا البلد الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، قبيل انطلاق معركة “الموت ولا المذلة” منتصف شباط الماضي، ومع ما حمله هذا النزوح من تداعيات، على مستوى عدم توفر المخيمات المجهزة، وصعوبة الظفر بمنزل للإيجار في ريف درعا، تفاقمت هذه المأساة مرة أخرى مع انضمام آلاف النازحين الجدد من حيي طريق السد ومخيم درعا، اللذين باتا مسرح التصعيد العسكري الجديد.

وقدّرت بعض المصادر المحلية أن أعداد النازحين من هذين الحيين تجاوز ألفي عائلة، إذ اختارت معظم هذه العائلات التوجه نحو ريف درعا الشرقي، الذي شهد كذلك نزوح بضعة آلاف من أهالي بلدة النعيمة بعدما شهدت تصعيدًا عسكريًا، لتكتظ المنازل والمدارس بآلاف النازحين خلال أيام قليلة.

عنب بلدي تحدثت إلى “أبو عبدو بجبوج”، أحد النازحين من حي طريق السد نحو بلدة الطيبة في ريف درعا الشرقي، وأوضح أن أعداد النازحين في قرى ريف درعا الشرقي “باتت أكبر من القدرة على الاستيعاب”، مضيفًا “بصعوبة بالغة استطعت العثور على غرفة فارغة، لأسكن فيها عائلتي”.

وأضاف بجبوج أن معظم المنازل باتت تأوي أكثر من عائلة “لا يوجد منزل لا يضم عائلة نازحة، وبعض العائلات فتحت منازلها مشكورة، وبعض ضعاف النفوس استغلوا الفرصة لطلب إيجارات مرتفعة للمنازل”.

يترقب بجبوج، كغيره من النازحين، تداعيات المعركة المرتقبة في مدينة درعا، والتي تغلب عليها الآن سياسة الأرض المحروقة، وقال “منذ نزوحي من حي طريق السد، لم أذهب ولا مرة لمشاهدة ما حل بمنزلي وحارتي، ولكن من الأخبار التي نسمعها يوميًا عن عشرات صواريخ الفيل والبراميل المتفجرة، أظن أن المنظر سيكون مؤلمًا”.

وحول توقعات النازحين للمعركة، عبّر بجبوج عن ثقته الكاملة بقدرة فصائل المعارضة على التصدي لقوات الأسد واستكمال معركة “الموت ولا المذلة”، مضيفًا “أثبت الثوار بتوحدهم وعملهم بصدق، قدرتهم على مواجهة الأسد وتمريغ أنفه في المنشية”.

لكنه لم يخفِ مخاوفه على مصير المدينة ومصير النازحين “نخاف من تصاعد وتيرة المعركة لا قدر الله، وحينها سنكون أمام كارثة إنسانية، سواء بتكلفة التدمير العالية التي ينتهجها النظام، أو بتصاعد معاناة النازحين”.

تحمل معركة درعا، التي باتت أعين كافة السوريين نحوها، رمزية عالية جدًا، وأهدافًا أكبر من مجرد السيطرة على مساحات جغرافية لا تتعدى بضعة كيلومترات مربعة، بل باتت المعركة مصيرية لقوات الأسد التي تريد إثبات قوتها وقدرتها على الحسم ضد المعارضة مهما بلغ حجم الخسائر، كما حصل في معارك محيط دمشق وريفها، فضلًا عن النتائج الميدانية التي قد تحققها هذه المعركة للأسد حال استطاع حسمها لصالحه.

بينما على الجانب الآخر، ترى وجهات نظر من فصائل المعارضة أن معركة مدينة درعا تعدّ وجودية ومصيرية لبقاء فصائل المحافظة متحدة فيما بينها، وعدم فصلها بين الريفين الشرقي والغربي، بالإضافة لما تحمله هذه المعركة من رمزية كبيرة، بالدفاع عن “مهد الثورة السورية”، وعن الأرض التي شهدت أول هتاف في طريق إسقاط الأسد ونظامه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة