خارطة نفوذ جديدة تُرسم في سوريا

tag icon ع ع ع

براء الطه

تحتدم المعارك وتضيق الجغرافيا على التنظيم، من العراق إلى سوريا، حيث نشاهد تراجعه في أكثر من جبهة ومنها الموصل، ففي 19 من شباط الجاري أعلن القائد العام للقوات المسحلة العراقية رئيس الوزراء، حيدر العبادي، انطلاق عمليات تحرير الساحل الأيمن للموصل من قبضة التنظيم بعد السيطرة الكاملة على الساحل الأيسر، والتي استغرقت أكثر من أربعة أشهر، وذلك نظرًا للمقاومة العنيفة التي أبداها تنظيم الدولة.

أما في سوريا فبعد 104 أيام، أعلن التنظيم انسحابه من مدينة الباب مخلفًا أكثر من 400 قتيل في صفوف القوات المهاجمة، لكن التجهيز الأكبر يبقى في مدينة الرقة (العاصمة السورية للتنظيم) التي تقترب قوات سورية الديمقراطية من حصارها بشكل كامل، ولم تعد تبعد عنها سوى مسافة لا تتجاوز خمسة كيلومترات من الشمال الشرقي، إضافة إلى الاقتراب من قطع الطريق (جزيرة) الواصل بين دير الزور والرقة عند “جسر المقلة”. كما لا يمكن إغفال معارك ريف حلب الشرقي (النظام والمعارضة) التي تعززت بسيطرة درع الفرات على مدينة الباب، وما سيليها من سيطرة الجيش على باقي القسم الجنوبي من الريف الشرقي لحلب.

كل هذا التراجع الذي يعاني منه التنظيم، والذي ستتزايد وتيرته بعد منتصف العام الحالي، سيكون له تأثير مباشر على نقطتين أساسيتين في الجغرافيا السورية، وهما دير الزور وتدمر، فكيف سيكون هذا التأثير على خارطة السيطرة؟

من البديهي أن تراجع السيطرة يؤدي إلى فائض في عدد القوات لأي جهة مقاتلة وخاصة من المناطق التي على تخوم الجبهات، هذا الفائض يمكن الاستفادة منه في تنظيف البؤر الداخلية التي ماتزال تخضع لقوىً معادية.

فمن المتوقع أن يستغل التنظيم الخسائر التي لحقت به، والتي نتج عنها فائض في عدد قواته بالسيطرة على ما تبقى من مدينة دير الزور، وخاصة أن وضعها العسكري أقلّ ما يُقال عنه أنه مترهل في مناطق سيطرة الجيش، بعد الاختراق الذي حققه التنظيم وأدى إلى شطر مناطق سيطرة الجيش، وعزل مطارها العسكري تقريبًا.

السيناريو المتوقع هو أن يقوم التنظيم بتوجيه قسم من الفائض في العدد إلى تدمر، بغية إعاقة تقدم الجيش والقوات الرديفة باتجاه دير الزور لفك الحصار المفروض عليها من قِبَله، ومتابعة السيطرة على أحيائها الواقعة تحت سيطرة التنظيم، أما القسم الآخر من الفائض فسوف تكون مهمته السيطرة على باقي أحياء المدينة.

وهو ما يعني بشكل أو بآخر خروج المنطقة الشرقية من سوريا بواقع الحال عن سيطرة الجيش وبالتالي حصر الهيمنة الروسية والإيرانية في الغرب السوري، ما يعيدنا إلى الكلام عن تقسيم محتمل مطروح للجغرافيا السورية بين القوى العالمية.

إن سيطرة التنظيم على دير الزور بشكل كامل يعطي شرعية دولية لفصائل المعارضة بمختلف توجهاتها للتقدم نحوها وتخليصها من “الإرهاب”، والتي لن يكون للنظام أو الروس أو حتى الإيرانيين أي مجال للاعتراض على هذه السيطرة. حيث ستكون أقرب نقطة للجيش تبعد عن دير الزور مسافة تتجاوز 200 كيلومتر، بينما قوات المعارضة، وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية تبعد عن دير الزور، مسافة لا تتجاوز 50 كيلومترًا.

كما يتم العمل بالتوازي على تركيب جسم عسكري جديد من أبناء المنطقة الشرقية، ستوكل إليه مهمة السيطرة على دير الزور.

لذلك سيكون من الصعب على “قوات الجيش والقوات الرديفة”، التقدم باتجاه دير الزور لإعادة السيطرة عليها، وهو ما سيحمل عواقب على كل من النظام والروس والإيرانيين، أهمها هي خلق قوىً جديدة تمنع الاتصال الجغرافي بين النظام السوري في دير الزور شرقًا، وداعميه في الغرب السوري، بالإضافة إلى قطع التمدد الإيراني في المنطقة وتقليص مساحة سيطرة الروس، عبر منعهم من الوصول إلى مناطق الرقة ودير الزور التي قد تشكل لهم أهمية استراتيجية.

وبذلك يمكن إخضاع الروس، قبل غيرهم، لشروط كانوا يمتنعون عن مجرد التفكير بها ومنها اقتسام مناطق النفوذ في سوريا مع شركاء غربيين. إضافة إلى تفريغ ما حققوه من مكاسب جغرافية منذ تدخلهم بشكل مباشر من أي انتصار استراتيجي كامل وحقيقي في سوريا.

أما النظام السوري فسيحضر نفسه لشروط المساومة واقتسام السلطة مع المعارضة، بنسبة لا تقل عن النصف، وهو الذي وافق على مقررات “أستانة”، وسيجد نفسه في موقف أضعف بعد خسارته في الشرق والبادية، كما أن سيف التنظيم سيبقى مهدِّدًا لمناطق سيطرته.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة