أنت الآن تركيّ حقيقيّ

التبادل الثقافي بين اللاجئين والمضيفين: كيف تتأثر الحضارات ببعضها؟ 

شارع فوزي باشا في اسطنبول بالقرب من مسجد السلطان محمد الفاتح - 9 شباط 2017 (عنب بلدي)

camera iconشارع فوزي باشا في اسطنبول بالقرب من مسجد السلطان محمد الفاتح - 9 شباط 2017 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلديحنين النقري

أسفر لجوء ملايين السوريين خارج البلاد عن إحداث تأثيرات عديدة في حياتهم، ورغم أن معظم هذه التأثيرات سلبيّ وكارثيّ، لكن لا يمكن إنكار وجود جوانب إيجابيّة والتي، وإن قلّت وندرت، لا يتطرق أحدٌ لذكرها، ومن بينها انفتاح السوريين على ثقافات وحضارات جديدة كليًا، وحصول نوع من التبادل الثقافي بينهم وبين مضيفيهم من مواطني هذه البلاد.

السيدة سمر، وهي مهندسة سورية مقيمة في تركيا، هي واحدة من ثلاثة ملايين لاجئ في تركيا، تحاول أن تثبت انفتاحها على ثقافةٍ جديدة “وإن بدت مشابهة وقريبة من ثقافة منطقتنا العربية”، حسب تعبيرها.

تقول سمر “بمجرد أن حطّت الطائرة في مطار أضنة، أدركتُ أن مرحلة جديدة من حياتي قد بدأت، وطالما لا يمكنني تغيير حقيقة لجوئي، فيجب عليّ أن أستفيد من هذه التجربة بأفضل صورة متاحة”.

نكهات جديدة في منزلي

حاولت سمر التواصل مع الجيران بلغة تركية بسيطة، بدأت بالتطور نتيجة للممارسة والدراسة، وهو ما سمح لها بالتعرف أكثر على بيوتهم عن قرب، والدخول للمطبخ التركي واستكشاف نكهاته وطرقه، تقول “يمكن اعتبار الطبخ هواية وشغفًا بالنسبة لي، وهو ما جعلني أستغل علاقاتي مع جاراتي، فمثلًا كلما دعتني إحداهنّ لتناول الطعام معًا، أسألها عن مكونات الطبق المقدّم وطريقة إعداده، أبحثُ عنه لاحقًا على الإنترنت للتأكد من كيفية الإعداد وأجرّبه في منزلي، ثم أرسل للجارة (سكبة) منه، وهو ما يفاجئهنّ ويسعدهنّ بشكل لا يصدّق”.

بهذه الطريقة أدخلت سمر عدة أطباق جديدة لمطبخها، مثل “الجوفيتش”، وهي عبارة عن لحم وخضار مطبوخة في آنية فخارية لعدة ساعات، وأنواع مختلفة من السلطات، والمعجنات التركية، وحلوى الغلاج. كما أنها شاركت طرق إعدادها مع أمها وأخواتها، وبدأن في إعدادها أيضًا، وإضافة إلى ذلك اعتمدت طريقة صنع الشاي التركيّ، لأنها وجدته “ألذّ”.

تبولة.. مكدوس

بشكل مشابه، نقلت سمر العديد من الأطباق السورية لمطابخ جاراتها التركيات، تقول عن ذلك “عندما تذوقّت جاراتي التبولة السورية أعجبن بها للغاية وطلبن مني طريقة صنعها… نكهة القهوة العربية القوية أعجبت بعضهنّ للغاية، كذلك علمتهنّ طريقة صنع الكبة المقلية واشتركتُ أنا وأربع جارات في إعدادها من الصفر، لكن أكثر ما أثار إعجابهنّ الشديد من الطعام السوريّ كان المكدوس”.

مجدّرة وألعاب جماعيّة

تشابه تجربة مروة، وهي طبيبة سورية مقيمة في ألمانيا، مع أصدقائها الألمان ما عايشته سمر مع الأتراك، تقول “زملائي في العمل من عدة بلدان من أوروبا وشرق آسيا، وهو ما يجعل العلاقات معهم ثريّة جدًا، وبشكل خاص عندما يدعونا أحد لمنزله، نكتشف حينها الطبائع المختلفة للشعوب بشكل أوضح”.

من الأمور التي لاحظتها مروة في الألمان محبّتهم للألعاب الجماعية، وتضيف “عندما دعوتُ أصدقائي لمنزلي سألوني بعد تناول العشاء عن الألعاب التي سنشترك معًا فيها، واستغربتُ من السؤال، أعددتُ كل أنواع الطعام السوريّ لكنني لم أفكر بالألعاب، وهو ما فهمته بشكل أكبر عندما زرتهم، إذ يهيّئ صاحب المنزل ألعابًا جماعية مثل المونوبولي والورق وألعاب الذكاء ليخلق جوًا من المرح والأنس طيلة السهرة”.

وعن الأطباق التي نقلتها مروة لأصدقائها الألمان تقول “رغم إعدادي لأنواع كثيرة من الأطباق إلا أنهم أعجبوا بشدّة بالمجدرة، وعلّمت صنعها لصديقتي النباتية”.

إعادة التدوير

من الأمور التي لفتت انتباه مروة بشدّة عقب لجوئها إلى ألمانيا، اهتمام الناس بإعادة التدوير بشكل كبير، تقول “عندما زارني أصدقائي، انتبهوا لاستخدامي بطاريات من نوع معين غير صديق للبيئة في جهاز التحكم عن بعد، تفاجؤوا بشكل لم أستطع تفسيره وبدؤوا بشرح أنواع البطاريات وتأثير كل منها على البيئة باهتمام بالغ وكأنني سأتسبب بكارثة لكوكب الأرض، لم أفهم جدّيتهم الشديدة بداية لكنني يومًا إثر يوم أعي ذلك أكثر”.

تضيف مروة أن مفهوم إعادة التدوير لم يترسّخ لدى السوريين بشكل كبير، توضّح مقصدها ” لستُ أعني هنا تدوير الثياب من الأخ الكبير للأخ الأصغر، وإنما أمور حياتية يومية من قبيل فرز القمامة حسب صنفها، اختيار منتجات قابلة لإعادة التدوير، والتفكير بأثرنا على البيئة، احتكاكي اليوميّ بالألمان يفتح عينيّ على مفاهيم جديدة يوميًا، أتمنى حقًا أن نستفيد كلاجئين من العيش في هذه البيئة وأن ننقل هذا الوعي لبلدنا عند العودة إليها”.

سوء فهم طبيعي

تؤكد نبال، مهندسة سورية مقيمة في أحد مخيمات اللاجئين بألمانيا، على أهمية نقل ثقافة ومفاهيم إعادة التدوير، والارتباك الحاصل بين اللاجئين في التعامل مع القوانين الجديدة، وتضيف مثالًا على ذلك “يوجد في محلات السوبر ماركت آلات لاسترجاع عبوّات الماء البلاستيكية الفارغة مقابل 35 سنتًا للتشجيع على إعادة التدوير، وهو ما تعامل معه عدد من اللاجئين (من مختلف الجنسيات) بشكل خاطئ في بداية وجودي بالمخيم، إذ صاروا يأخذون عبوات المياه بأعداد تفوق احتياجاتهم ويفرّغون ما بداخلها في المجاري ليستبدلوها من السوبر ماركت، رغم ذلك أنا متفائلة بنقل ثقافة إعادة التدوير لنا”.

لعبة “okay”

أثناء جلوسه في مقهى شعبي، لم يكن محمد، الطالب السوري المقيم في تركيا، ينوي أن يتعلم طريقة لعب لعبة طاولة شهيرة للغاية بين الأتراك، لكنه وبعد المراقبة أعجب بها وتعلّمها، وصار ماهرًا بها، يقول “راقبتُ أصدقائي يلعبونها بشغف واستمتاع، ولما لاحظ أحدهم اهتمامي شرح لي مبادئها، هي لعبة ذكاء تعتمد على تكوين مجموعات من الأرقام، يتشارك في لعبها أربعة لاعبين، يفوز في كل مرة أحدهم، ولا نهاية لها إلا برغبة اللاعبين بإنهائها”

يضيف محمد أنه في البداية كان يستصعب اللعب بالأحجار وتجميعها، لكنه اليوم صار من يطلب من أصدقائه لعب “okay” لمهارته، يضيف “مشاركة أصدقائي الأتراك بلعبة تراثية لديهم وطّد بشكل أو بآخر علاقتي بهم، يحبّ الناس أن تحادثهم بلغتهم وتشاركهم عاداتهم وتحترمها، علمتُ هذه اللعبة لعائلتي ونقلها أبي لجيرانه السوريين وصاروا يلعبونها معًا. من المواقف الطريفة التي حصلت أنه عندما ضبطني صديقي التركيّ أغشّ في الأحجار ضحك مطولًا وقال (أنت الآن تركيّ حقيقيّ)”.

أمثال شعبية وأشغال يدوية

لا يقتصر التأثير بين سمر وجاراتها على المطبخ، بل يمتدّ للأشغال اليدوية والأمثال الشعبية التي يتبادلونها في جلساتهنّ الطويلة، تقول “كل أسبوع أجتمع وجاراتي المقربات في منزل إحدانا، وبعد تناول الإفطار والشاي تُخرج كلّ منهنّ أشغالها اليدوية من حقيبة صغيرة ويبدأن بالعمل والحديث لعدة ساعات، في البداية كنتُ أشعر أني غريبة بجلوسي دون عمل أسمعهنّ وأراقبهنّ، لكنني تعلّمت منهنّ وبدأت اليوم طريقي بإتقان التطريز اليدويّ ومشاركتهن هذا الشغف”.

تتعلم سمر اللغة التركية بالممارسة، ويروق لها تصيّد الأمثال الشعبية من الجارات الكبيرات بالعمر، تقول “عندما تستشهد إحداهن بمثل شعبي ما، أحيانًا أطلب منها إعادته وأدوّنه، لأعود له في المنزل وأفهم معناه الدقيق ومن بينها مثل معناه بالعربية (لا تلعب مع الدب إن كان جائعًا)، كذلك أستشهد في كلامي بأمثال عربية أترجمها للغتهم، أذكر أني نقلت لهنّ مثل (الجنة بدون ناس ما بتنداس)، وتعلّموا مني عدة كلمات عربية استخدمتها في حديثي على الهاتف أمامهم مثل (معلش)، و (شو بدك)”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة