tag icon ع ع ع

 «صادف امتحانُ مقرر ومسيرة عفوية في نفس اليوم، فمنعت الحواجز المواطنين من مغادرة المدينة وأغلقت كافة المخارج، وبذلك لم أتمكن ولا أي من زملائي في المنطقة من التقدم للامتحان» تقول أسيمة طالبة الدراسات العليا في جامعة دمشق خلال حديثها عن السنتين الأخيرتين من دراستها الجامعية.

مؤيد طالب في المعهد الطبي كان يفترض أن يتخرج العام الماضي لكنه اعتقل إثر مداهمة منزلهم في حي الميدان الدمشقي. أفرج عنه لاحقًا وحاول متابعة دراسته، إلا أن الملاحقة الأمنية واعتقال والده مرة أخرى اضطره للسفر مع أسرته إلى بلد عربي آخر حيث تقيم عائلة والدته. مقرران دراسيان يفصلان مؤيد عن شهادة التخرج، ومئات الكيلومترات وعشرات الحواجز تحول بينه وبين أن يتقدم للامتحان.

مثالان بسيطان من معاناة جيل بأسره في ظل «الأزمة» أو «الأحداث» كما يشار إلى التطورات المتلاحقة في الساحة السورية خلال العامين والنصف الماضيين من قبل الأكاديميين والإداريين، وحتى الطلاب، في حرم الجامعة حيث لا مكان لكلمة «ثورة».

 مناطق ساخنة

منذ انطلاقة الثورة، واجهت عقبات عدة طلاب الجامعات في سوريا، وأولهم المقيمين في «مناطق ساخنة». مها تخرجت من جامعة دمشق العام الماضي بعد عناء وجهد، فخلال إقامتها في داريا عانت من تردي الخدمات. انقطاع الكهرباء لفترات طويلة وحجب الاتصالات بشكل متكرر أثرا سلبًا على دراساتها التي» تعتمد على البحث على الانترنت بشكل كبير». أما الحصار والمداهمات والقصف العشوائي والاشتباكات التي كانت تنشب دون سابق انذار، أبقوها عالقة خارج المدينة واضطرت أكثر من مرة للبقاء في منزل أقاربها وسط دمشق. وتضيف مها بأن انتشار ظاهرة الخطف «زاد مخاوف الأهل لحد منعِهم بناتهم على وجه الخصوص من الذهاب للجامعة في غير أيام الامتحانات». أما المواصلات والزحام والحواجز فقد شكلوا عوائق إضافية، فإغلاق الطرقات بشكل متكرر اضطرها للتغيب عن العديد من المحاضرات؛ بينما عزف بعض أصدقائها في الكليات النظرية عن الحضور نهائيًا بسبب صعوبة المواصلات. حاليًا، ولبعد مكان إقامتها خلال النزوح عن كلية الهمك، حيث يفترض أن تتابع دراستها، عدا عن حالات «الانفلات الأمني» هناك، تخلت مها عن فكرة الدراسات العليا.

 ناشط.. دراسة وثورة

«هجّرتُ قسرًا من سوريا وحرمت من اتمام دراستي»، تقول عفراء طالبة السنة الرابعة في قسم التاريخ، والمقيمة منذ أشهر  في مصر، إذ اضطرت للسفر إثر اعتقال عدد من صديقاتها الناشطات، ففاتها عام دراسي كامل. وبعد معاناة طويلة ومساعدة من الأصدقاء والمعارف تمكنت إحدى صديقاتها من إيقاف تسجيلها فصليًا في جامعة دمشق.

كان لانخراط عفراء  في النشاطات الثورية منذ انطلاقة الثورة أثر كبير على حياتها الدراسية. فعدا عن  أن اقامتها في منطقة ساخنة أثر على مثابرتها على الحضور، أثرت مواقفها المعارضة للنظام على تعامل زملائها في الجامعة. وبعد أشهر من انطلاقة الثورة، تم توقيفها من قبل الأمن السياسي في أحد شوارع دمشق، ففاتها التقدم للامتحان، وحملت مخاوف ملاحقة الأمن لها فانقطت عن الجامعة شهرًا كاملًا، تخلت بعده عن الحضور تمامًا وعاودت الذهاب للتقدم للامتحانات فقط.

«كنت أحمل ملاحظاتي وأدرس في طريقي إلى المظاهرات» تقول عفراء وهي تشرح كيف واظبت على دراستها إلى جانب المشاركة في الثورة، وتتابع: « كنت أركز في الفصل الأول على العمل الثوري، وأحاول في الفصل الثاني إعطاء الأولوية لدراستي لتعويض التقصير».  إلا أن مستواها الدراسي قد تأثر، كحال معظم الطلاب المنخرطين في العمل الثوري الذين ذكروا أن معدّلهم الفصلي انخفض بشكل ملحوظ منذ بدء الثورة.

 اتحاد الطلبة «الأحرار»

فرع لا يقل سوءًا عن غيره من فروع الأمن التابعة للمخابرات، و «كابوس» للعديد من الطلاب وفق ما تقول مها. فقد تم توقيف اثنتين من صديقاتها من قبل اتحاد الطلبة «تم ضرب إحداهما بطريقة أشد سوءًا من تلك التي يتلقاها المعتقلون في فروع الأمن الأخرى»، إضافة لأسلوب التعامل السيء الذي ينتهجه عناصر الاتحاد مع الطلاب سواء خلال عمليات التفتيش عند الدخول أو عند تفريق أبسط التجمعات الطلابية في ساحات الجامعة، ناهيك عن التقارير التي ترفع لرئاسة الجامعة ولفروع الأمن الأخرى عن الطلاب المعارضين والتي غالبًا ما تؤدي لاعتقالهم. وتضيف أسيمة بأنه خلال الأشهر الأولى من الثورة «تم توقيفي أكثر من مرة أثناء دخولي الجامعة، وتفتيشي بشكل دقيق» بحجة «أنتو اللي عم تصورو» إذ أن هويتها تدل على أنها من «منطقة ساخنة».

 مهجر

معظم الطلاب الذين هجروا من سوريا في ظل الثورة يواجهون أحد العائقين أو كليهما: نقص الثبوتيات، كحال عفراء التي لم تتمكن من متابعة دراستها كونها لا تحمل الثبوتيات الكافية؛ والعائق المادي إذ أن «معظم العائلات المهجرة تكون بأحسن الأحوال مخيرة بين دفع أقساط الجامعة أو دفع أجار المنزل» كما يقول مؤيد الذي يعمل الآن لدعم أسرته وقد استبعد فكرة الدراسة على نفقته الخاصة.

 مؤيد.. وأعاني!

شابة من دمشق ترددت كثيرًا قبل الإدلاء بشهادتها، كما ترددنا نحن بطلبها. تؤيد وعائلتها نظام الأسد، إلا أنها لا تنفي تأثرها بالأوضاع «المريرة والمؤسفة» التي تمر بها البلاد سياسيًا واقتصاديًا وخدميًا، وكثيرًا ما تبدي تذمرها من قطع الكهرباء الاتصالات وكثرة الحواجز وإن كانت ترى ذلك «لازمًا ومبررًا». كما أنها لا تخفي، ليس عن الجميع على الأقل، تعاطفها مع «بعض» زملائها المعارضين المعتقلين منذ أشهر.

  •  خدمات طلابية

ويشير محمد أحد العاملين في مركز للخدمات الطلابية إلى أن أعداد الطلاب المشتركين بالخدمات الدائمة قد «انخفض بشكل ملحوظ»، فقد اقتصر طلب معظم الطلاب على ما هو «ضروري ولا يمكن تأمنيه من خلال أصدقاء أو طلاب سابقين»، أو على المواد المتعلقة بالمقررات التي ينوون التقدم إليها فقط. وعزا محمد ذلك بشكل رئيسي إلى أسعار الخدمات التي ارتفعت أكثر من ثلاثة أضعاف نتيجة ارتفاع كلفة الطباعة لغلاء الورق والحبر.

 موفدون منسيون

لم يسلم الموفدون إلى الخارج من تبعات هذه «الأزمة»، ففي بريطانيا وحدها، حسب إحصاءات غير رسمية، يزيد عددهم عن 700 طالب، معظمهم من الدراسات العليا. ومع إغلاق السفارة السورية، المسؤولة عن دفع رسومهم، أيلول الماضي لم يعد هناك جهة تتولى ذلك، وأصبح الموفدون مطالبين شخصيًا بدفعها. كما أوقفت المنح الدراسية لبعض الطلاب المؤيدين للثورة بناء على انتماءاتهم السياسية. وزادت العقوبات الأوروبية الأمر سوءًا، فلم يعد ممكنًا تحويل أو استلام أي مبلغ عبر البنوك الأوروبية، وبذلك لم يتمكن الموفدون أيضًا من استلام منحهم من قبل جامعاتهم السورية. كما لا يمكن لأي من ذوييهم استلام المبالغ دون وكالة عامة، والتي يصعب الحصول عليها خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة إذ لا تتم المصادقة عليها. «أنا إلى الآن غير قادرة على دفع الرسوم الجامعية ولا حتى نفقات السكن.. تمّ إنذاري من قبل الجامعة عدة مرات» تقول بيان، إحدى الموفدات إلى بريطانيا، والتي تعيش اليوم ضغوطًا مادية إضافة إلى الضغوط الدراسية والقلق المستمر على عائلتها في سوريا. بيان، التي تعمل لتغطية نفقاتها الشخصية -كما هي حال كثيرين- تنتظر أحد السيناريوهات: تجميد الدراسة أو الطرد والترحيل، خياران أحلاهما مرّ، ففترة تجميد الدراسة تحتسب من فترة الدراسة الفعلية، وتضيف «أنا الآن أطلب فقط مزيدًا من الوقت وهذا ما أحصل عليه من جامعتي.. لعلّ غدًا يكون أفضل!»

 لعلّ غدًا يكون أفضل..

تسارع صارخ يعصف بالوضع في سوريا، إلا أنه لم يثن طلاب الجامعات من الاستمرار.. مسجلون جدد، ومنتظرون لنتائج الدورة التكميلية استعدادًا للعام الجديد، وخريجون يتنافسون على مقاعد الدراسات العليا، وكلهم، على اختلاف انتماءاتهم السياسية، إيمان بسلاح العلم الذي سيبني وطنًا مهما آلت بحاله المآسي.