«الموزاييك» مهنة التراث في طريقها إلى التراث

tag icon ع ع ع

مالك عبد المجيد – إدلب

يشتهر الريف الإدلبي بالعديد من المهن والصناعات اليدوية، إحداها صناعة «الموزاييك»  وهي صناعة قديمة-جديدة تقوم على مبدأ رصف مكعبات حجرية صغيرة الحجم وبألوان متعددة لتشكيل لوحات فسيفسائية بمواضيع بالغة الروعة.

وقد غابت هذه الحرفة عن المشهد الصناعي السوري فترة من الزمن عقب صدور القانون رقم 1 الموقع من رئيس الجمهورية في العام 1997 والذي يعاقب بموجبه بتهمة الإتجار بالآثار كل من يقوم بصنع أو بيع قطعة أو قطعًا تشوه الحقائق التاريخية أو تسبغ عليها الصفة الأثرية. إلا أنها عادت في العام 2003 إلى الساحة السورية بعد صدور مرسوم آخر يجيز العمل بها مقابل تراخيص تمنحها نقابة العمال.

وقد بدأ في العام الحالي غياب هذه الصناعة يعود بشكل تدريجي، لأسباب تتعلق بسوء الوضع الاقتصادي والأمني، والمتمثل بقلة توافر المواد الأولية، وارتفاع أسعارها، إذ تضاعفت أسعارها بين ثلاثة أضعاف إلى ستة أضعاف، إضافة إلى صعوبة الوصول إليها بسبب تواجدها في المناطق التي تخضع لسيطرة قوات النظام، الأمر الذي يتطلب تمريرها عبر حواجزه وبالتالي مصادرة قسم كبير منها، أو دفع رسوم عشوائية على تمريرها.

فيما يلي جدول يوضح مقدار الزيادة التي طرأت على أسعار المواد الأولية الداخلة في هذه الصناعة:
مادة حجرية لاصقة (كغ/ليرة) 150قبل/815بعد
مكعبات رصف وطني (كغ/ليرة) 25 قبل/150 بعد
مكعبات رصف أجنبي (كغ/ليرة) 180 قبل/500بعد
حصيرة نايلون للرصف (متر/ليرة) 25 قبل/100بعد.

ومن العوامل الأخرى التي أدت إلى تراجع هذه الصناعة، تراجع الطلب عليها في السوق المحلية والخارجية، إذ كانت هذه اللوحات تصدر إلى خارج البلاد عبر لبنان، الذي لم يعد ممرًا آمنًا لها.

وفي حديث لعنب بلدي، يقول محمد عكيل، وهو صاحب أحد ورش الموزاييك في قرية تلمنس: «سابقًا كان عدد عمال ورشتي يقارب العشرين، أما الآن فإنها مقتصرة على سبعة أشخاص نتيجة قلة الطلب وجمود السوق المحلي، لذا فإننا نجهز أغلب الحُصُر ونرسلها إلى لبنان»، ولكن شحنها بات أمرًا صعبًا ومكلفًا، كما يتابع عكيل «ففي الماضي لم تكن تتجاوز تكلفة شحن الكيلو الواحد 8 ليرات سورية، بينما ندفع اليوم 100 ليرة للكيلو ناهيك عن قلة وغلاء المواد» وهو ما اضطره إلى تقليل الاعتماد على مكعبات الرصف واستبدالها بحجارة عادية ملونة، كما يقول. ويضيف: «كثير من اللوحات لم نستطع تسليمها في موعدها، وبالتالي فإنها ترفض وتبقى مركونة بزوايا هذا المشغل، ورغم كل هذا فإن اللوحة المباعة تجلب ربحا بسيطًا لا يستحق الذكر».

وفي جولة أخرى لمراسل عنب بلدي في بلدة كفرنبل، لاحظ أن حجم العمل في هذه الصناعة صغير وكميات الإنتاج قليلة، وعن ذلك قال أحمد الخطيب، وهو أحد العاملين في هذه الحرفة:
«كانت الأمور أفضل في السابق، حيث حجم العمل أكبر والانتاج أكثر، وكان العامل ينتج خلال 12 ساعة ما يقارب 4 أمتار، بينما اليوم فإن إنتاجه لا يتجاوز المترين في أحسن الأحوال خلال 14 ساعة تقريًبا» ويعزو أحمد ذلك إلى حالة الضغط النفسي التي يعيشونها تحت تهديد قصف قوات النظام لمناطقهم، بالإضافة إلى ضغط المعيشة نفسها، ويضيف: «أكثر ما يضر هذه المهنة هو الارتباط بعمل مع الزبائن وتركه قبل إنجازه، إما بسبب قلة المواد أو بسبب حركات النزوح المفاجئة التي نشهدها هذه الأيام» .

هذه العوامل وغيرها مجتمعة، تلوح بزوال هذه الحرفة من الريف الإدلبي، كما يتوقع خبراء الاقتصاد والعاملين في هذه المهنة، وهو ما ينبئ بدخول شريحة جديدة من العاملين في عداد العاطلين عن العمل.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة