متخوفون من "حسكة" جديدة

أهالي الرقة يتساءلون: إلى أين يدفع بنا العالم؟

مدينة الرقة 2013 (عنب بلدي)

camera iconمدينة الرقة 2013 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

أورفة – برهان عثمان

يخرج أهالي الرقة كل صباحٍ إلى أعمالهم، في ظل حياة شبه طبيعية تعيشها شوارع المدينة حاليًا، رغم الهموم الثقيلة التي تحاصرهم، تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، بينما لا يكاد الطيران الحربي يفارق سماء مدينتهم.

يتخوف أهالي الرقة ممن سيأتي بعد تنظيم “الدولة”، في حال استمرت المعارك الدائرة في ريف المدينة الشمالي، في ظل أحاديث يصفها الأهالي بـ “السرية”، تدور داخل المنازل وفي الجلسات المغلقة.

الضحايا يدفنون بصمت

يقول حسين (49 عامًا)، الذي يعيش داخل حي رميلة في المدينة، “نحن نطحن بين حجري رحى، ولا نستطيع الصراخ أو الاحتجاج”، واصفًا لعنب بلدي، ما يجري في المدينة بأنه “قتلٌ صامت للأهالي، فالكلام ممنوع والصور ممنوعة والأفواه مكمومة بينما تستمر المجازر وسط تواطؤ الجميع ويدفن الضحايا بصمت”.

ويشن التنظيم وإعلاميوه حملةً على “قوات سوريا الديمقراطية” والتحالف الدولي، وصفها الرجل الأربعيني بـ “العنيفة”، في وقت تُحرّض خطب الجمعة في المدينة ضدهم، منذرة كل من يخالف التنظيم بالقتل، وتنتهي جميعها بعبارة “النصر قادم والدولة باقية”.

“سماؤنا للتحالف والروس، وأرضنا للتنظيم والكرد”، يضيف حسين، مؤكدًا أن أنباء الاقتراب من الرقة، يجعل الأهالي في حيرة من أمرهم، إذ “ترتسم ملامحها الغامضة على أغلب وجوه من يعيشون داخل المدينة المعذبة”.

المعارك مفتوحة والأهالي ينتظرون مصيرهم

يرى علي (26 عامًا) ويقطن في حي سكة القطار، أن تصرفات “القوات الكردية”، والمجازر التي ينفذها طيران التحالف، ساهمت في التحشيد ضد الطرفين، “فبينما يحاول التنظيم استغلالها بعرض صور مجازر التحالف، وتعداد الضحايا في نقاطه الإعلامية، محاولًا كسب حاضنة شعبية مؤيدة، يتهم آخرون المكون العربي بالدعشنة، ما يزيد الطين بلة”.

يتساءل العديد من الأهالي عن سبب غياب الإدانات الواضحة للمجازر والممارسات “القمعية” للقوى المشاركة في معارك ريف الرقة، ويقول علي لعنب بلدي، إن الجميع يركز على تنظيم “الدولة”، بينما يهملون مصير الأهالي المجهول خلال المعارك، وبعد انتهائها أيًا كان المنتصر.

ومما زاد مخاوف الرقيين أوضاع النازحين الواصلين من مناطق مختلفة في سوريا والعراق، والذين حملوا قصصهم المؤلمة عن تصرفات ميليشيا “الحشد الشعبي” في العراق، و”قوات سوريا الديمقراطية” في سوريا، والتي تتهم بقتل وتهجير المئات وطمس هوية القرى التي تقدمت إليها مؤخرًا في ريف الرقة الشمالي.

ويعتبر الشاب العشريني أن القوات تضم مقاتلين كردًا بنسبة عظمى، ولا يتخطى الوجود العربي ضمنها حدود الزينة، “باعتبار أن مفاصل القرار بيد الكرد، الذين يشكلون قنوات التواصل مع التحالف الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة”، لافتًا إلى أن زج المزيد من الفصائل العربية فيها “لن يغير المعادلة”.

بدأت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المرحلة الثانية من معركة “غضب الفرات” التي تهدف للسيطرة على الرقة، في 10 كانون الأول الجاري، بدعم من طيران التحالف الدولي. هذه القوات تضم عددًا من الفصائل الكردية والعربية والسريانية، أبرزها وحدات “حماية الشعب” التابعة لحزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي.

وأعلنت القوات انضمام عددٍ من الفصائل العربية إليها، منها “المجلس العسكري لدير الزور”، وقوات “النخبة” التابعة لتيار “الغد السوري”، الذي أسسه رئيس الائتلاف الوطني الأسبق، أحمد الجربا، ولواء “ثوار الرقة”.

الخوف من “حسكة جديدة”

يقول الناشط الإعلامي بكر الطه (23 عامًا)، لعنب بلدي، إن الجميع يشك بتصرفات “قسد”، ويحملون في قلوبهم الشك والريبة تجاهها، متسائلين: ما هي النسبة الحقيقية للعرب في هذه القوات؟ ولماذا أبعدوا عن “غضب الفرات1″، ودخلوا في المرحلة الثانية؟ وما خلفية الأسماء المطروحة ودورها وحقيقة ماضيها وولائها؟

ويؤكد الطه أن الأسئلة السابقة، تتداولها ألسنة الأهالي داخل المدينة، الذين يخافون من “حسكة جديدة”، وكانتون جديد تصنعه “الإدارة الذاتية”، وتديره على هواها، وفق تعبيره.

يرى المسؤولون السياسيون والقادة العسكريون، أن “الأمور لا تبشر بالخير”، بحسب الطه، مستندًا إلى تصريح غريب حسو، ممثل “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي في العراق، الذي قال إن “المناطق ستنضم بعد تحريرها إلى مناطق الحكم الذاتي تلقائيًا”.

إلى أين يدفعون بنا؟

“ماذا بقي لنا وإلى أين ستؤول الأمور، وماذا يريد العالم منا، بينما ننظر إلى أهلنا وهم يقتلون؟”، أسئلة تأتي على لسان المرأة الستينية مريم (69عامًا)، وتقطن في منطقة الإدخار، وتؤكد لعنب بلدي أن “الجميع يشارك في سفك دمنا”.

تعتاش مريم داخلها منزلها الصغير، من بيع ملابس “البالة”، ورغم أنها تعترف بكرهها للتنظيم ولا ترغب باستمراره، إلا أن “الخيارات قليلة” على حد وصفها، مشيرةً إلى أن “الأيام الأولى من تحرير الرقة كانت أجمل أيام حياتي، ولكن كل شيء تغير اليوم”.

قلق مريم يشاطرها به كثير من أهالي المناطق العربية في الرقة وريفها، ومن بينهم الشاب حامد، الذي يقطن داخل بلدة تل أبيض الحدودية، بعد أن ترك مدينته قبل نحو عامين نازحًا.

ويقول حامد لعنب بلدي إن “القوات الكردية ليست أفضل من داعش، رغم الدعاية التي تسخر لصالحهم، ففي سجونهم نساء وأطفال، ويمكن وصف ممارساتهم بالجرائم المنظمة، فهم يهجرون ويقتلون ويجندون الأطفال”، مضيفًا “لم يبق مكان نذهب إليه سوى القبر وربما هو أفضل لنا من هذه الحياة”.

يرى كثير من الأهالي أن سيطرة القوات الكردية على الرقة، لن يحسم الصراع في المنطقة “بل سيكون مقدمة لحرب جديدة”.

ورغم أن البعض يعتبرون أن انتصار التنظيم أمر بعيد وغير واقعي في ظل الظروف الحالية، والوقائع التي تفرض نفسها على الأرض، يؤكد آخرون أن “بقاء القوات الكردية مستحيل في ظل وجود أغلبية عربية تفرض نفسها، كهوية في المنطقة رغم تهميشها وتغييبها”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة