خمسة أسباب تؤكد.. إدلب لن تكون بعد حلب 

tag icon ع ع ع

براء الطه

لم تعش المعارضة السورية بكافة قواعدها كابوسًا كالذي تعيشه اليوم، نتيجة الضغوط الهائلة التي تتعرض لها، والضياع الواضح للأهداف والرؤى، وما زاد الأمر تعقيدًا هو الماكينة الإعلامية التي تقف في صفها أولًا قبل تلك المغايرة لمواقفها.

فبعد حلب بدأت التحليلات تنذر بقرب معركة “جيب إدلب” التي هي آخر قلاع المعارضة المسلحة ومن خلفها المعارضة السياسية المدعومة إقليميًا، وهذا ما يترتب عليه انفراط عقد المعارضة، التي ستصبح بنتيجة الأمر خارج سياق التسوية، كونها أساسًا اعتمدت على الخيار العسكري لتحقيق مطالبها.

من يقرأ بشكل جيد الجغرافيا السورية والخرائط العسكرية يدرك جيدًا أنّ ما تتفوه به هذه القنوات مجرد هذي ليس أكثر، فليس للجيش ومن خلفه الحلفاء أي مصلحة لهم بإدلب حاليًا، وذلك لعدة أسباب:

على الصعيد الجغرافي

يتمركز “جيب إدلب” في أقصى الجهة الشمالية الغربية من سوريا، يغلب عليها الهضاب والجبال، وللمحافظة حدود مع تركيا شمالًا بطول 129 كيلومترًا، إضافة إلى أنها لا تشكل عقدة ربط تعيق حركة التواصل بين المناطق التي يسيطر عليها الجيش، وهذا الموقع ليس له أهمية تذكر يمكن أن تشكل خطرًا ذا قيمة على تقدم الجيش والحلفاء، وخاصة بعد أن تم إغلاق جميع الممرات والمنافذ التي تصله بالداخل السوري عن طريق تلك القوات.

على الصعيد الاقتصادي

يعتمد الاقتصاد في هذه المنطقة على الزراعة بشكل رئيسي، حيث تتجاوز مساحة الأراضي الزراعية ما نسبته 75% من المساحة الكلية، والتي توفر أيضًا مايزيد عن 75% من مصادر الدخل الذاتي لسكان المنطقة. لكن بعد عام 2011 تدهور الوضع الزراعي في المنطقة كما في بقية مناطق سوريا، بسبب ظروف الحرب، الحكومة السورية التابعة للنظام تأقلمت مع وضع الحرب فأصبحت تسد الاحتياجات الزراعية عن طريق الاستيراد أو عن طريق تأهيل مناطق تحت سيطرتها لسد جزء من الحاجة ولهذا فإن هذه المنطقة ليست في سلسلة الأولويات الاقتصادية في المرحلة الحالية، وبالتالي ما من ضرورة اقتصادية تحتم استعادتها وتَحمُّل خسائر بشرية وعسكرية حاليًا.

على الصعيد المحلي

أصبح القاصي والداني يدرك تمامًا أن الحاضنة الشعبية الرئيسية لقوى المعارضة هي في إدلب، وخاصة بعد الموجات المتتابعة التي وصلتها من أغلب المناطق السورية، بسبب عمليات التسوية التي تعقد بين المعارضة والنظام، عدا عن حركة النزوح التي تصلها من مناطق سيطرة التنظيم للاستقرار فيها بسبب ممارسات التنظيم والقصف المكثف، الذي غالبًا ما يدفع فاتورته العظمى المدنيون، هذه الحالة مغايرة تمامًا لأغلب المناطق السورية، وهي مستعدة بشكل أو بآخر لتحمل تكاليف باهظة في سبيل رد الجيش والقوات الحليفة عن معاقلها بالقوة وهو تمامًا ما يعيه الجيش والنظام، لهذا فهو حاليًا غير مستعد لشن حرب طويلة، باهظة التكاليف قبل التخلص من التنظيم الأكبر ذي الحاضنة الشعبية الضعيفة.

على الصعيد الدولي

رأينا تمامًا حجم الضغوط الدولية التي تعرض لها النظام السياسي السوري والحلفاء في حلب، التي لم تكن آخر معاقل المعارضة ولا أكبرها، والحملات الإعلامية المنظمة ضدهم، فكيف سيكون الوضع إذا حاول الإقدام على معركة تستهدف آخر قشة يمكن أن تتمسك بها المعارضة المدعومة إقليميًا ودوليًا وداعموها الدوليون، دون تسوية سياسية تحفظ لهم مصالحهم.

النظام مايزال مترنحًا رغم حلب، وهذا كله يجب أن يؤخذ بالحسبان.

على الصعيد العسكري

كل الأصعدة المذكورة سابقًا يجب أن تؤخذ بالحسبان قبل وضع الخطط العسكرية، وكما ذكرنا سابقًا فإن الإقدام على هكذا معركة بالوقت الحالي ضرب من الجنون، بسبب ما ستخلفه من خسائر مادية وبشرية يمكن تَسخيرها بمناطق أكثر أهمية وأقل تكلفة وذات مكاسب سياسية أكثر، كالشرق مثلًا أو ما تبقى من ريف دمشق.

أخيرًا فإن ما يجري إشاعته عن معركة إدلب يهدف أولًا وأخيرًا إلى خفض سقف المطالب التي وضعتها المعارضة، والضغط عليها من أجل القبول بتسوية سياسية مرضية نوعًا ما للدول الراعية للملف السوري وخاصة الولايات المتحدة وروسيا.

يجب الانتباه إلى اتفاق حلب، وما جرى في كفريا والفوعة من إخراج للحالات الإنسانية وبعض الجرحى وكبار السن، فيما يوحي أن على سكان هاتين المنطقتين الصبر فترة أطول وتحمل لأعباء الحصار، فلم يحن بعد الوقت لفك الحصار عنهم بالقوة.

وجب التنويه إلى أنّ المقصود بـ “جيب إدلب” هو ما تبقى من ريف حلب الغربي (شمالًا، جنوبًا) إضافة إلى ريف حماة الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة