السوريون في أماكن سيطرة النظام.. محاصرون أيضًا

بائع سجائر في دمشق - 17 كانون الأول 2016 - (AFP)

camera iconبائع سجائر في دمشق - 17 كانون الأول 2016 - (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حنين النقري

كثيرة هي الأمور التي تفرّق بين السوريين داخل سوريا اليوم، مؤيد أو معارض، مقيم في مناطق النظام أو المعارضة، ظالم أو مظلوم، شامت بالدماء أم باذل لها، تختلف كذلك أساليب تعبيرهم عما يجري، ما بين مسميات الأزمة أو الثورة، قتلى أو شهداء، حماة الديار أم شبيحة النظام. إلا أن ما يكاد يوحّدهم جميعًا، هو الانقطاع شبه الكامل للخدمات، ومحاولة التأقلم مع الحياة بأقلّ الموارد الممكنة.

تعيش السيدة أم علاء، وهي ربة منزل، في إحدى مناطق ريف دمشق الخاضعة لسيطرة النظام، بينما تعيش أختها أم محمد في الغوطة الشرقية تحت سيطرة المعارضة، والواقعة تحت الحصار منذ ثلاث سنوات ونيّف، تقول أم علاء “عندما أتواصل مع أختي أشعر بتقارب معيشتنا بشكل كبير، توصّلت مؤخرًا إلى حقيقة أننا محاصرتان من قبل النظام ذاته”.

وبحسب أم علاء فإن أبسط ما يوحّد حالها مع أختها تحت الحصار، هو الخوف المستمر، وتضيف “أشاهد من سطح بيتي الطائرات تُغير على الغوطة الشرقية، وفي حين تخاف أختي من الموت تحت الركام، أخاف عليها وأدعو على النظام، ثم أخاف من الاعتقال والتعذيب لأنني معارضة للنظام في أرضه، يحكمني وأختي الخوف من المصدر ذاته”.

حصار ونزوح

عندما يتاح للأختين التحادث عبر تطبيق “واتساب”، تكون معظم المحادثة مقارنة بين يوميّات الحصار والنزوح، صعوبات الحياة لدى كلّ منهما، والحيل التي ابتكرتاها لتجاوز بعض هذه المصاعب، تقول أم علاء “ساعتان من الكهرباء هما اشتراك عائلة أختي اليوميّ بمولّدة الحيّ، أما بالنسبة لي، فمثلًا اليوم لم تأت الكهرباء عندي إلا نصف ساعة خلال 24 ساعة، في معظم أيام الشهرين الأخيرين ننام ونستيقظ دون كهرباء، بأحسن الأحوال ما نحصل عليه هو نصف ساعة كهرباء متقطعة ومنخفضة الطاقة كل سبع ساعات، لا يتجاوز مجموع فترات الكهرباء ساعة ونصف عندما نكون محظوظين ومرضيًا عنا من قبل الحكومة”.

وتضيف أنها تحاول الاستفادة من خبرات أختها في العيش تحت الحصار، “من قبيل تجفيف الأطعمة، كيفية إشعال الحطب بأسرع وقت، غسيل الملابس يدويًا، شحن البطارية والمحافظة على عمر الليدات لأطول فترة ممكنة”.

“الليدات”.. مدفأة حطب

ظهرت “الليدات” بين السوريّين للمرة الأولى في المناطق المحررة، والمحرومة بطبيعة الحال من الخدمات، لكن مع الوقت بدأت المناطق المحاصرة والمحررة تصدّر تجاربها بالتأقلم مع الحياة إلى مناطق النظام، تقول أم علاء “كان اسم الليدات غريبًا عنا في البداية، لكنها اليوم صارت جزءًا أساسيًا من أثاث المنزل لدى جميع السوريين، أما الكهرباء (عندما تأتي) فصرنا ننتظرها لشحن البطاريات المجمّعة في زاوية الغرفة فقط، حالنا في هذا واحد”.

لم يقتصر الأمر على “الليدات”، إنما انتقلت كذلك تجربة التدفئة بالحطب من المناطق المحاصرة لمناطق سيطرة النظام، تضيف أم علاء “أرسل أبنائي لجمع الحطب وقطع الخشب الصغيرة من أراضي الحقول المجاورة، لأوقد بها الصوبيا، طبعًا المازوت صار رفاهية كبيرة ولا يوجد إلا عند الأثرياء، وهكذا صارت صوبيا الحطب تجربة مشتركة بيني وبين أختي أيضًا”، تستدرك مؤكدة أنها ليست الوحيدة في ذلك “طبعًا كل من أعرفهم يستخدمون الحطب للتدفئة، إذ لا يوجد مصدر طاقة آخر نواجه به هذا البرد”.

خيار وفقوس”

 أعلنت حكومة النظام عن وصول أكثر من ناقلة محملة بمادة “الفيول”، بشكل متتابع.لكن ذلك لم يؤثّر على ساعات التقنين.

كما أسهمت سيطرة تنظيم “الدولة” على حقول النفط في ريف حمص وأبرزها الشاعر، بزيادة ساعات التقنين.

كما أعلنت الحكومة عن استقدام ثلاث ناقلات من “الغاز المسال” لتلافي أزمة الغاز في الأيام القليلة المقبلة.

ورغم أن انقطاع الخدمات وسوءها يشمل مختلف المحافظات السورية، إلا أنه كثيرًا ما تُوجّه لوزارات هذه الخدمات تُهم التمييز في تقديمها، فلا يزال هناك (خيار وفقّوس) حسب السيد أبو منير، صاحب مكتبة من محافظة حماة، “منذ ثلاثة أيام لم نر نور الكهرباء، ولم نشغل مدفأة في منزلنا، التقنين لدينا 45 دقيقة مقابل ست ساعات انقطاع، هذا إن لم يحدث عطل يحرمنا من هذه الدقائق القليلة”.

يتابع أبو منير شرح مأساة انقطاع الخدمات وتدهورها مع برد الشتاء، “تخيلي هذا الحال في برد كانون ومنزل في الطابق الأخير، في نفس الوقت تجدين مناطق تابعة لحماة (مسكونة من قبل طائفة النظام) لا يوجد فيها عدادات كهرباء حتى، والكهرباء فيها لا تنقطع”.

تدهور عام

لا يتوقف الأمر عند الكهرباء، إذ ترتبط بانقطاعها خدمات أخرى مثل المياه والاتصالات، يشرح أبو منير “طبعًا بغض النظر عن انقطاع المياه بسبب أعطال الشبكة المفاجئة والتي نحاول التعويض عنها بشراء المياه، يمنعنا انقطاع الكهرباء من سحب المياه إلى الخزانات، وهكذا تتفاقم المشاكل لدينا، تغطية أبراج الهواتف المحمولة غير مستثناة من التأثر بانقطاع الكهرباء، إذ تضعف بشكل كبير”، يتنهد بحسرة “ما حدا مرتاح بهالبلد، سواء تحت حكم الأسد أو تحت قصف الأسد، لم يبق لدينا أمل بأي شيء هنا”.

فقدان أدوية نزلات البرد

الآنسة (د.ل) موظفة في مستودع أدوية خاص في مدينة حمص، تضيف شهادتها عن بعد آخر من أبعاد سوء الخدمات في مناطق سيطرة النظام، وهو نقص الأدوية بشكل كبير، تقول “بحكم عملي في مستودع أدوية لتوزيعها على الصيدليات، فأنا مطلعة على أنواع الأدوية المفقودة والنادرة، تخيّلي أننا وفي موسم نزلات البرد نعاني من نقص حاد في أدوية الكريب ومعالجة أعراضه مثل الزكام والسعال وسواها، عندما تصلنا شحنة من هذه الأنواع أشتري لعائلتي (مؤونة دوائية)، لأن هذه الأنواع من الأدوية غير متوفرة في الأسواق”، تستدرك (د.ل) بقولها “أشتري الأدوية رغم معرفتي أنها مثل الماء في مفعولها لنقص المادة الفعالة”.

ردود فعل على مواقع التواصل

لا يجرؤ السوريّ على البوح بشكواه في الشارع أمام الجميع خوفًا من الاعتقال، لكن نتائج انقطاع الخدمات تُترجم إلى سخط كبير في التعليقات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فمثلًا يقول أحدهم في رد على صفحة وزارة الكهرباء “ما في داعي يكون في وزارة كهربا مشان عشر دقايق باليوم، بلاها حرام المصاريف، لو بدل الرواتب اللي عم تنصرف اشترينا فيول أحسن من وجودكم”.

ويقول آخر على صفحة شركة الكهرباء في حماة، والتي يشيع اسم “مدينة الظلام” كلقب لها، “شو يعني كهرباء، وكيف طريقة تحضيرها وهل هي من الأكلات السورية”.

في حين يطالب كثر بالعدل بساعات التقنين بين الأحياء “المدعومة” وسواها، فمثلًا يردّ أحد المعلّقين على منشور لوزارة الكهرباء يطالب ضرورة ترشيد الاستهلاك بالقول “وإنارة الشوارع يلي بتبقى شاعلة طول ما في كهربا بالليل وبالنهار، على مين الترشيد فيها؟ والحارات المدعومة يلي الكهربا ما بتنقطع فيها غير بالصدفة، دخلك ما في هدر فيها؟”. وتردّ إحدى السيدات على خبر بزيادة التقنين بسبب عدم وجود وقود (فيول) كاف على صفحة الوزارة بقولها “الكهربا بدها فيول والفيول بدو بواخر والبواخر بدها بحر والبحر بدو مي والمي مقطوعة يا أفندي، والله كلكم حرامية”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة