التحالف و"الأميرال كوزنتسوف" يعقّدان الحسابات

“حرب لاسلكية” في الشمال السوري

القبضات اللاسلكية المستخدمة في الشمال السوري (عنب بلدي)

camera iconالقبضات اللاسلكية المستخدمة في الشمال السوري (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

طارق أبو زياد – إدلب

كنت على الطريق الدولي جنوب مدينة سراقب، متجهًا إلى ريف حلب الغربي. “القبضة اللاسلكية” رفيقتي الدائمة تنبّهني بصوت أحد المراصد، بوجود طائرة روسية متجهة من شمال سراقب إلى الجنوب.

“انتهت الطائرة من مهمتها في حلب وهي في طريق العودة إلى مطار حميميم”، صوتٌ يتردّد من المراصد في القبضة، والكلام يبعث القليل من الطمأنينة في قلوب الناس، ولكن وبشكل مفاجئ وعند وصول الطائرة إلى أجواء سراقب ألقت صاروخين عنقوديين في الجهة الشرقية من البلدة.

تعالت أصوات المراصد على القبضة اللاسلكية “انتبهوا حتى يغادر الأجواء.. الخنزير نفّذ بعدما بلّغ عن عودة”، تبعها النصائح التي يشارك بها الجميع “يا عالم يا ناس لا حدا يأمّن للحربي، حتى لو بلغ عن انتهاء عمله.. ما لهم أمان غدارين”.

هذه القصة التي لا تتجاوز دقيقتين حدثت مع براء الدومي، من سكان مدينة إدلب، ويعمل في إحدى المنظمات الإغاثية، وفق ما ينقله لعنب بلدي.

الطيران الروسي والسوري مراقب

يوجد في كل منطقة “محررة” تقريبًا، شخص من أهالي المنطقة يتطوع ليقوم بتنبيه الناس من الغارات المتكررة ومكان وجود الطائرات وإقلاعها. يسمى هذا الشخص بـ “المرصد” بحسب محمد سعيد، أحد المراصد بريف إدلب الجنوبي، والذي رفض تحديد المنطقة المسؤول عنها، لأسباب أمنية.

وفي الحديث عن طبيعة عمل المراصد أوضح محمد سعيد لعنب بلدي، أنه توجد عند أغلب المراصد أجهزة لاسلكية متنوعة يمكنها التقاط الإشارة اللاسلكية التي يستخدمها الطيران، للتواصل بين الطيار والقاعدة، ومن خلال هذه الإشارة يُعلم الطيّار القاعدة عن بداية مهمته ونهايتها ومكان عمله، وإن كان لديه أهداف جاهزة أو أنه سيقوم بالقصف حسب المشاهدة، وبعض المعلومات التي قد تفيد في تنبيه الناس وتحذيرهم، وذلك عن طريق رموز مشفرة يتم استخدامها وتغييرها كل فترة، وتحاول المراصد فكّها، من خلال مراقبة الطيران بالنظر ومعرفة المحور الذي يعمل به والأهداف المحتملة له.

وأضاف محمد سعيد أنه في بعض الأحيان ترسل القاعدة أمرًا للطيران لإعطائه هدفًا لم يكن موجودًا قبل إقلاعه، كوجود تجمع لمدنيين في بلدة ما أو لضرب سيارات في مكان آخر، وهنا يكون الأمر بدون رموز، بحسب الراصد الذي أكّد “نقوم بتنبيه المنطقة التي تم الحديث عنها لعلنا نكون سببًا في حماية المدنيين من بطش القصف القادم”.

بالنسبة للطيران السوري يستطيع المرصد معرفة نوع الطائرة والمطار الذي أقلعت منه، مثلًا “حربي ميغ 23 من مطار حماة، أو حربي رشاش من مطار النيرب”، ويعرف مكان عمل الطائرة من خلال تنفيذها الأول، فكل طائرة لها مكان تعمل به.

ولكن المراصد لا يمكنّها التعرف على نوع الطائرة الروسية، وتستطيع فقط معرفة أن الطائرة أقلعت من مطار حميميم، بالإضافة إلى أمر انتهاء مهمتها.

طيران التحالف لا يمكن مراقبته

“الطيران الروسي والسوري ليس هو فقط من يسبح في السماء السورية، فهناك طيران التحالف الدولي والذي لا نعلم بوجوده”، بحسب محمد سعيد.

لكن هناك طريقة للتعرف على طيران التحالف، وهي إحصاء الطيران الروسي والسوري الموجود، فإذا كان هناك طائرة غير معروفة المصدر فهي طائرة تحالف ولا معلومات إضافية عنها.

هذه العملية أصبحت أعقد اليوم، بعد مشاركة الطائرات الروسية المنطلقة من حاملة الطائرات “الأميرال كوزنتسوف” قبالة البحر المتوسط، والتي بدأت أعمالها في 15 تشرين الثاني الجاري.

يعلم الطيران أن المراصد تخترق تردد العمل الخاص به لذلك ينفّذ بشكل مستمر خدعًا ويرسل أوامر وهمية لإضاعة الناس، فيعطي إشارة أنه سينفّذ غارات بريف حلب الجنوبي، ويستهدف منطقة بريف إدلب بشكل فجائي، أو أنه يعلن انتهاء مهمته وأنه في طريق العودة إلى المطار، وفي طريقه يقصف منطقة معينة.

ويكاد الطيران لا يهدأ في سماء المناطق المحررة، وبعد العجز عن إيجاد رادع لوقف هذا الطيران، لم يكن لسكان الشمال إلا إيجاد هذه الطريقة لتنبيه الناس من الطيران على أقل تقدير، والتي بدأت فكرتها عن طريق استخدام القبضات اللاسلكية للتواصل بين الناس بعد انقطاع وسائل الاتصال الأخرى، وتطورت حتى أصبحت الوسيلة الرئيسية لنشر التعميمات والأخبار بين الناس والإعلام عن القرارات والخدمات، وعن السرقات أو حملات التلقيح وغيرها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة