العيد خارج البلد.. لكن السوريين حملوا “العيدية” معهم

camera iconأطفال سوريون يحملون "العيدية" في اسطنبول التركية (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

فراس العقاد – اسطنبول

بعد انتظار، يهرع خالد (12 عامًا) لإلقاء تحية العيد على أفراد عائلته واحدًا واحدًا في أيام الأضحى، وسرعان ما يبدأ بالتلميح لشيء ما، إنها العيدية التي طالما انتظر أن تحقق الكثير من أحلامه، جمعها منهم وأسرع خارجًا نحو خيمة فُتحت عند مدخل الحارة نُصبت فيها المراجيح وألعاب أخرى، قضى هناك نهاره، ليعود عند المساء مسلمًا ما تبقى من العيدية لوالدته.

جرت العادة لدى العائلات السورية إكرام الأبناء وأولاد الأقرباء بمبالغ مالية صغيرة (تحدّدها قدرة العائلة المالية) بمناسبة عيدي الفطر والأضحى، هذه العادة زرعت السرور في قلوب السوريين ولازمتهم في أعيادهم، حتى في أقسى ظروف اللجوء والنزوح، فهي جزء من طقوس العيد يفرح دافعها قبل آخذها.

في حي الفاتح المكتظ وسط مدينة اسطنبول القديمة، حيث يعيد السوريون لملمة مجتمعهم وترسيخ بعض عاداتهم، أجرينا جولة في آخر أيام العيد التقينا فيها بعض الأطفال والفتية.

غياث، طفل سوري من إدلب عمره 11 عامًا، يجلس أمام “بسطة” والده المتواضعة يبيع فيها قطعًا من الشوكولا و”الديربي” قبالة مسجد الفاتح.

يقول الطفل “أنا سعيدٌ بالعيدية التي تلقيتها هذا العيد من أمي وأبي، هي فقط 10 ليرات تركية (3.3$ دولار أمريكي) اشتريت بنصفها والباقي خبأته”. وقارن غياث العيد بين تركيا وسوريا، واصفًا أعياده في إدلب بأنها أكثر بركةً، “كنت أجمع عيدية (محرزة) عندما كانت الليرة جيدة، من (نانتي) وعماتي وأحصل على 600 ليرة سورية (12$ دولارًا أمريكيًا قبل الثورة)، كنت أصرفها كلها في شراء الألعاب أو إمضاء الوقت في مدينة الملاهي”.

براء عبيد (16 عامًا)، فتى من الغوطة الشرقية لجأ مع عائلته إلى اسطنبول، يقول “عندي 12 عمًا، كنا نزورهم في أول أيام العيد ونجمع من 100 إلى 200 ليرة كانت العيدية يومها لها قيمة، بـ 50 ليرة سورية كنا نملأ كيسًا كبيرًا من البطاطا (شيبس) ومأكولات العيد، حاليًا 50 ليرة لا تشتري شيئًا هناك (في سوريا)”.

“في بعض الأحيان كنا نذهب إلى اللاذقية أو طرطوس”، يتحسّر عبيد على الأيام الخوالي، ويردف “في تركيا تلقيت بضع ليرات كعيدية من أخي، صرفتها مع أصدقائي على ألعاب الكمبيوتر، وتجولنا بها في منطقة أيوب فقط”.

يحيى كم نقش (15 عامًا)، فتى دمشقي حصل على العيدية أيضًا، لكنه لم يصرفها بنفس الطريقة التي كان يصرفها في سوريا واستخدمها لشحن بطاقة المواصلات، “غلاء الأسعار، إيجار البيت ودفع الفواتير، الحياة هنا تقتصر على تأمين الأكل والشرب، كنا في سوريا في بيت ملك نصرف كما نشاء، أما الآن فيجب أن نقتصد، نحمد الله أنا عايشين”. ورغم حالة العائلة المادية الصعبة يؤكّد كم نقش أن العيدية جميلة بغض النظر عن قيمتها المادية وتدل على الحب والاهتمام، خاتمًا “أطمح أن أكون مهندسًا في المستقبل وأقدم العيادي لأطفالي”.

ويوافق أبو وسيم، الأب لثلاث بنات، على كلام الفتى، أن للعيدية “رمزية خاصة” يجب الحفاظ عليها بغض النظر عن قيمتها المادية، “يمكن القول إن العيدية كنقود انقرضت عندنا بسبب بُعد أفراد العائلة. لم أقدم نقودًا لأطفالي كونهم لا يستطيعون النزول والتسوق هنا في اسطنبول، لكنني استبدلت العيدية بهدية”، ويؤكّد أبو وسيم أن “العيدية لا تقتصر على المادة، المهم هو أن تصنع الفرح للطفل حسب استطاعتك”.

آخرون وجدوا مصدرًا للعيدية خارج العائلة، بعدما بدأوا بالاعتماد على أنفسهم، كما حصل مع ماهر الرفاعي (17 عامًا) الذي يعمل في ورشة نجارة في اسطنبول، ويقول “أخذت العيدية من (معلمي) وقضيت عطلة العيد متجولًا، (وفشيت خلقي) في شوارع المدينة”.

ورغم التغييرات الكثيرة التي أرغمت العائلة السورية على التخلي عن بعض عاداتها وتقاليدها، بقيت العيدية ببساطتها راسخةً في ثقافة السوريين في بلاد اللجوء، وساهمت في توطيد روابط الأسر السورية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة