محمد قطيفان – درعا
جعلت قوات الأسد من حي المنشية في مدينة درعا، ثكنة عسكرية كبيرة، ليتحول إلى “ثقب أسود” استنزف العشرات من أبناء المدينة، الذين قضوا على تخومه، في سعيهم للسيطرة على أهم معاقل الأسد فيها.
تمكنت فصائل الجيش الحر بعد إطلاقها معركة “الرماح العوالي” في كانون الثاني 2013، من السيطرة على جميع الأحياء الشرقية في درعا البلد، وامتدت المعارك غربًا باتجاه حي المنشية، قبل أن تتوقف على أطرافه، بعد صد قوات الأسد أكثر من محاولة للتقدم
يقع حي المنشية في الجزء الغربي من درعا البلد، وبلغ عدد سكانه أكثر من 20 ألف نسمة في 2011، وفقًا لمصادر محلية، في حين لا يتجاوز قاطنوه الآن بضع مئات.ويمتاز الحي بموقعه الجغرافي المهم، إذ يطل على وادي الزيدي الفاصل بين حيي درعا المحطة والبلد، كما يشرف على جمرك درعا القديم، واستطاعت قوات الأسد التحصن فيه منذ آذار 2013، وإفشال جميع المعارك التي هدفت إلى تحريره، لما يمثله الحي من أهمية استراتيجية، فهو يعد بوابة لتحرير كامل المدينة. |
على مواقعها.
أحمد المسالمة، أحد عناصر الجيش الحر في حي المنشية، أوضح، في حديثٍ إلى عنب بلدي، أن الأهمية الكبيرة للحي جعلت النظام يتمسك به ويدافع عنه بشراسة، لافتًا إلى أن “تحرير المنشية يعني الإشراف على مساحات واسعة من درعا المحطة، وبالتالي إمكانية تحريرها بسهولة والتوجه إلى تحرير مدينة درعا بالكامل”.
“شهداء الخندق” .. أبرز المحاولات
الخطوط والتحصينات الكبيرة للنظام على أطراف الحي، إضافة إلى انتشار أعداد كبيرة من القناصين، جعلت من محاولات التقدم برًا غايةً في الصعوبة، ما دفع فصائل الجيش الحر إلى التقدم تحت الأرض وعبر الأنفاق.
وفي أيار 2014، أطلقت الفصائل معركة واسعة بهدف السيطرة على الحي، من خلال مجموعة من الأنفاق المتفجرة لإسقاط دفاعات النظام الأولى، واستطاعت التوغّل في مناطق مهمة داخل الحي قبل أن تنسحب من جديد.
المسالمة أوضح أن المعركة كانت الأهم والأكثر تنظيمًا لتحرير الحي، لكن “اكتشاف النظام لبعض الأنفاق التي كان يتم الإعداد لها، ثم قيامه بتفجيرها لاحقًا، تسبّب في تغيير خطط المعركة”، وأدت التفجيرات المضادة التي قام بها النظام، إلى مقتل عدد من عناصر الجيش الحر، وسميّت المعركة لاحقًا بـ “شهداء الخندق” تكريمًا لهم.
وأشار إلى أنه رغم التقدم الذي أحرزته الفصائل حينها، واقترابها من قطع طرق إمداد النظام في الحي، إلا أن “المعركة سارت لاحقًا بعكس الخطط ما أدى إلى فشلها”، لتتراجع الفصائل إلى مواقعها الأولى، وتعود المعارك إلى أطراف الحي على شكل عمليات قنص متبادلة.
“عاصفة الجنوب” لم تعصف بدفاعات النظام
عاودت الفصائل محاولتها اقتحام الحي مجددًا، فكانت معركة “عاصفة الجنوب” الشهيرة في حزيران 2015، والتي ترافقت هذه المرة مع فتح جبهات عديدة في محيط مدينة درعا، لمحاولة تشتيت قوات الأسد، لكنها فشلت في تحقيق التقدم.
ووفقًا للمسالمة، فإن دفاعات النظام المعقدة، وكذلك فقدان التنسيق المنتظم بين الفصائل أثناء الهجوم، أفشل المعركة مجددًا، وأضاف “مضى حينها أكثر من عامين على تحصن النظام داخل الحي، وبنى خلالها خطوطًا دفاعية عديدة بين أنفاق للحركة ودشم وقناصين وبعض النقاط المفخخة”.
وبحسب إحصائيات مكتب توثيق الشهداء في درعا، قتل في المعركة، وعلى أطراف الحي، أكثر من 29 مقاتلًا، بينهم الإعلامي محمد الأصفر، مصور قناة الجزيرة الفضائية.
أساليب قتال جديدة وصعبة
اتسمت المعارك على أطراف الحي بنمط جديد لم تشهده أي منطقة أخرى في درعا، إذ استطاع النظام جرّ فصائل المعارضة إلى خوض حرب بين الأزقة وداخل المنازل، وتم تحييد الأسلحة الثقيلة عن المعركة، فأصبحت عملية اقتحام منزل واحد بحاجة إلى خطة عسكرية كاملة، وهو ما ينقص الفصائل في الوقت الحالي.
وأضاف المسالمة “في هذا النوع من المعارك، الأقوى هو من يدافع، ويرسم خريطة الأرض ويضع الكمائن، بينما المهاجم يكون عرضة للوقوع في هذه الكمائن في أي لحظة، ويدخل منازل لا يعلم ما ينتظره في داخلها”، لذا يجب على الفصائل العمل على تأهيل عناصرها وإكسابها الخبرة اللازمة في حرب “العصابات” داخل المدن، فالمعركة في الحي لن تكون سهلة، ولن تكون كأي معركة خاضتها الفصائل في مناطق مختلفة من درعا.
مصير الحي بيد جميع فصائل درعا
في الوقت الذي يسيطر فيه الهدوء على معظم جبهات محافظة درعا، تشهد نقاط الاشتباك على أطراف الحي مناوشات مستمرة وعمليات قصف لا تتوقف، وختم المسالمة “لا نريد معارك فاشلة جديدة، ولا إزهاق المزيد من الأرواح، علينا إعادة دراسة الأخطاء وتفاديها، فإما معركة حقيقية بخطط مدروسة، أو نحقن الدماء ونبقى مكاننا”.
وبالنظر إلى الواقع الذي تعيشه محافظة درعا عمومًا، لا يبدو الحديث عن معركة للسيطرة على حي المنشية قريبًا، ويبدو أن “الثقب الأسود” سيواصل استنزاف الأرواح، إلى فترة ليست قصيرة.