“لا نستقبل سوريين.. فقط نازحين لبنانيين”، هكذا كان رد السلطات اللبنانية على السيدة مريم مد الله، وهي نازحة سورية كانت تقيم في مدينة صور، توجهت إلى البقاع الغربي.
نزحت مريم، حالها حال آخرين من لبنانيين وسوريين، تحت ضربات سلاح الجو الإسرائيلي المستمر منذ أيام.
ويعاني السوريون في لبنان من تمييز في المعاملة بعد موجة النزوح التي فرضها التصعيد العسكري الإسرائيلي، إذ ترفض مراكز إيواء استقبالهم، كما مُنع بعضهم من تقديم المساعدات لأقرانهم من السوريين.
واضطرت مريم للنوم في الشارع لليلتين متواصلتين، وفق ما قالته لعنب بلدي، حتى تسللت لخيمة عمتها في مخيم “المرج” بالبقاع الغربي، لأن السلطات اللبنانية منعت المهجرين السوريين القدامى من استقبال نازحين سوريين “تحت طائلة المحاسبة القانونية”.
دلال مد الله قريبة مريم، ذكرت لعنب بلدي، أنها استقبلت ثلاث عائلات نازحة في خيمتها التي وصفتها بـ”المتواضعة”، وقالت، “لم أستطع إغلاق خيمتي في وجه أقاربي”.
ووفق التقديرات الحكومية اللبنانية، يعيش في 1.5 مليون لاجئ سوري بمختلف المناطق اللبنانية، لكن أرقام المسجلين لدى مفوضية اللاجئين فهي حوالي 774 ألف.
ويتوزع اللاجئون بشكل أساسي في منطقة البقاع بـ 292 ألفًا، يليها شمال لبنان بـ 219 ألفًا، وبيروت بـ 175 ألفًا، ثم جنوبي لبنان 86 ألفًا، بحسب المفوضية.
وتقول مفوضية اللاجئين، إن 90% من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون حالة من الفقر المدقع.
تمييز
قالت دلال إن البلديات في لبنان منعت الجمعيات من توزيع المواد الإغاثية إلا بإشرافها، وعند مراجعة أقاربها لمبنى البلدية في المنطقة التي تقيم فيها، أبلغها المسؤولون أنهم يحصرون توزيع الإعانة للعائلات اللبنانية فقط.
وأضافت أن البلدية منعت جمعية خيرية من دخول خيمتها لأنها تحوي سوريين، بينما وزعت منظمات إنسانية أغطية وفرشًا فقط للعائلات اللبنانية المقيمة على مقربة من المخيم.
مريم قالت من جانبها إن إحدى الجمعيات رفضت تسجيل اسمها بسبب “اكتمال العدد المتاح”، مشيرة إلى أن مسؤولي البلديات رفضوا إعطاءها فرشًا وأغطية لتدفئة أطفالها الثلاثة، الذين كانوا يفترشون أرصفة البقاع الغربي.
وأضافت مريم، لعنب بلدي، أنها تفكر بالعودة إلى سوريا، لكن تكلفة الطريق تقارب 200 دولار أمريكي عن كل فرد، يضاف إلى ذلك أن زوجها مطلوب لأفرع الأمن السورية، ما سيفرض عليها العودة مع أطفالها، وترك زوجها في لبنان.
من جانبها، نزحت ليلى من صيدا، حيث كانت تقيم، باتجاه بيروت، مع اشتداد الضربات الإسرائيلية. علقت في الزحام لساعات، لكنها وصلت أخيرًا.
ليلى قالت لعنب بلدي إن الحواجز التي أنشأتها السلطات اللبنانية لتسهيل حركة العبور، كانت تتعامل بطريقة سيئة مع حملة الهوية السورية، وهي منهم، مشيرة إلى أنها تعرضت لتعليقات عنصرية على هذه الحواجز.
ليلى لم تقصد بيروت لأنها تملك مأوى هناك بل لأنها “أكثر أمانًا”، إذ قالت إنها تعرفت إلى أصدقاء مؤخرًا وافقوا على استقبالها في بيروت، وإلا كانت ستبقى في الشارع حتى اليوم، لأنها لن تفكر بالتوجه إلى مركز إيواء ولو كان ذلك الخيار الوحيد.
وامتدت هذه المعاملة إلى تفقد الضحايا في أماكن مقتلهم، وهو ما حصل مع أقرباء شادي التوبة، الذي قتل جنوبي لبنان.
تنحدر عائلة شادي من مدينة نوى غربي درعا، وقتل مع زوجته بقصف إسرائيلي في صيدا الساحلية جنوبي لبنان، بينما نقل أطفالهما الثلاثة إلى مستشفى لم تعرفه العائلة بداية.
أحد أقارب الشاب وهو نازح حاليًا في البقاع الغربي، قال لعنب بلدي إن القصف وقع في مدينة صيدا الساحلية، في 22 من أيلول، وعندما حاول شقيق الضحية تفقد منزل شقيقه بعد الضربة، منعه الأمن اللبناني من الاقتراب، دون إعطائه معلومات عن مصير عائلة شقيقه.
ولأربعة أيام، واظب شقيق الشاب على البحث في المستشفيات حتى تمكن من العثور على الأحياء من عائلة شقيقه، وهم ثلاثة أطفال.
لم تقدم السلطات أي معلومات للشاب السوري، كما لم يتلق أي مساعدة في العثور على الأطفال الأحياء من عائلة شقيقه، في حين لا يزال الخطر محدقًا به وبآخرين، من اللاجئين السوريين في لبنان.
الحرب لا تشفع
قالت مريم مد الله إن عمليات القصف التي استهدفت منزلًا مجاورًا للمنزل الذي كانت تقيم فيه في صور أجبرتها وعائلتها على النزوح دون القدرة على اصطحاب الأثاث أو حتى ملابس العائلة.
وأضافت أن الأولوية لإخراج العائلات من المنطقة كانت للبنانيين فقط، ما دفع عائلات سورية للنوم في الشارع بمنطقة تعتبر خطرة أمنيًا، ومعرضة للقصف، لانتظار إتاحة المجال أمامهم للخروج.
وذكرت مريم، لعنب بلدي، أن حافلة صغيرة يملكها شخص سوري نقلتها وعائلتها إلى البقاع الغربي، بعد أن رفضت السلطات اللبنانية إخراجها، قبل نقل العائلات اللبنانية.
وقالت الشابة، “حتى في زمن الحرب والتهجير يعاملون السوريين بطريقة سيئة”.
صهيب عبدو، ناشط حقوقي مقيم في لبنان، قال لعنب بلدي إن عائلة سورية نزحت خلال اليوم الأول للتصعيد، واتجهت لمركز إيواء، لكنهم أبلغوا من قبل القائمين على المركز باحتمالية قدوم الأمن العام اللبناني، والتفتيش على أوضاع إقامات السوريين، ما قد يعرضهم للترحيل، ما دفع اللاجئين لمغادرة المركز.
ويقيم كثير من السوريين في لبنان بطريقة غير شرعية منذ سنوات، ومؤخرًا بدأت السلطات اللبنانية التفتيش عن المقيمين بطريقة غير شرعية (غير حاصلين على الإقامة)، وترحيلهم نحو سوريا.
وأضاف صهيب عبدو أن الحالة متوقعة، خصوصًا أن مخابرات الجيش اللبناني طردت لاجئين سوريين حاولوا اللجوء لمراكز إيواء منذ بداية التصعيد جنوبي لبنان في تشرين الثاني 2023.
بيد رئيس البلدية
حول آليات التعاطي مع اللاجئين السوريين قال محافظ بعلبك ورئيس غرفة إدارة مخاطر الكوارث في مركز المحافظة، بشير خضر، في حديث لموقع “مناطق نت” الإخباري إن مسألة استقبال اللاجئين في مراكز إيواء تقع على عاتق البلدية التي يحق لرئيسها قبول أو رفض استقبالهم وفقًا لإمكانات البلدية.
ولفت إلى أنه في حال وجود تقصير من قبل البلديات في استقبال النازحين السوريين، فينبغي عليهم التواصل مع مفوضية اللاجئين، خصوصًا عندما يشعرون بأنهم في مكان خطر أو يحتاجون إلى الانتقال من مكان إلى آخر.
وأضاف خضر، “يتوجب على النازحين السوريين تخفيف الضغط عن البلديات التي تعمل بإمكانات محدودة جدًا”.
واعتبر الموقع الإخباري أن موقف خضر “المُلتبس” يفتح الباب والصلاحية لرئيس البلدية في أن يرفض استقبال سوريين هاربين من “آلة الحرب الإسرائيلية”، كما هو الحال في قضاء صور جنوبي لبنان.
وترفض وحدة إدارة الكوارث في صور استقبال سوريين في مراكز الإيواء، وإن كان تحت حجة عدم القدرة ومحدودية الإمكانات فضلًا عن إمكانية تذرع رؤساء البلديات بـ”خصوصية المنطقة” التي يبرع اللبناني بالتسويق لها.
الآلاف إلى سوريا
المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قالت، الأربعاء، إن الآلاف من اللبنانيين والسوريين يفرون من لبنان إلى سوريا مع استمرار القصف الإسرائيلي.
وأضافت المفوضية عبر موقعها الرسمي، أن حشودًا كبيرة تضم نساء وأطفالًا تتجمع في صفوف بعد قضاء الليل في العراء وسط درجات حرارة منخفضة، البعض منهم يعاني من إصابات جديدة جراء القصف الإسرائيلي في لبنان.
وقالت المفوضية، الجمعة 27 من أيلول، إن أكثر من 30 ألف شخص أغلبهم سوريون عبروا إلى سوريا من لبنان، خلال الساعات الـ72 الماضية.
ويزداد عدد الواصلين إلى سوريا وسط تصاعد عمليات القصف الإسرائيلي التي تستهدف مقرات لـ”حزب الله” وقرى وأحياء سكنية.
وذكر ممثل المفوضية في سوريا، جونزالو فارغاس يوسا، إن نحو 80% من هؤلاء العابرين سوريون و20% لبنانيون.
نصف النازحين من الأطفال والمراهقين، بينما يعبر الرجال بأعداد أقل من النساء، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” عن المسؤول الأممي.
وأضاف يوسا، خلال مؤتمر صحفي، “إنهم يعبرون من بلد في حالة حرب إلى بلد يواجه صراعًا وأزمة منذ 13 عامًا، وهو خيار صعب للغاية”.
وقال المسؤول الأممي إنه سيتعين على المفوضية أن ترى خلال الأيام القليلة المقبلة عدد الأشخاص الذين سيعبرون الحدود باتجاه سوريا.
اقرأ أيضًا: المئات يعبرون من لبنان إلى سوريا إثر التصعيد الإسرائيلي