تكرر اسم حي كفرسوسة على مدار سنوات، عند الحديث عن قصف إسرائيلي يطال العاصمة السورية، دمشق، إذ اتخذ هذا القصف لأكثر من مرة، من كفرسوسة مسرحًا وموقعًا للاستهداف، متأثرًا بخصوصية الموقع، وأهميته على المستوى الأمني.
يرتبط جزء من الحي يعرف باسم “تنظيم كفرسوسة” بأذهان السوريين بصورة مثالية على مستوى العمران والموقع، وهي صورة لا تتعارض مع الواقع إلى حد ما، فالأبنية طابقية عالية، والطرقات عريضة ونظيفة، مع الاحتفاظ بمظهر عمراني تتفرد به بعض الأحياء الغنية.
كما يقع حي كفرسوسة في قلب دمشق، تحت أنظار الحكومة، وفيه يقع مبنى رئاسة مجلس الوزراء، يجاوره مبنى وزارة الخارجية.
يشكل حي كفرسوسة نقطة تجمع لمؤسسات حيوية ومهمة، ومراكز تجارية في دمشق، حيث تقابل رئاسة الحكومة، مستشفى “الأسد” الجامعي، على مسافة قريبة من “تجمع المزة” الجامعي.
مقار وأجهزة أمنية سورية وإيرانية، و”مركز ثقافي” إيراني كبير، ونشاط وزيارات متكررة لقياديين في “حزب الله” اللبناني، للحي، قبل سنوات من الثورة السورية، كل هذه العوامل والعناصر، تضع الحي تحت رقابة أمنية مشددة لا تعصمه من الاستهداف الإسرائيلي.
استهدافات بالجملة
تعرض حي كفرسوسة الأربعاء الماضي، لاستهداف إسرائيلي أسفر عن مقتل مدنيين اثنين، وإصابة آخر بجروح، وفق ما ذكرته وزارة الدفاع في حكومة النظام.
في 19 من شباط 2023، استهدفت غارة جوية إسرائيلية مقرًا أمنيًا في كفرسوسة، وقال مصدر أمني لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، حينها، إن رشقات من الصواريخ انطلقت من اتجاه الجولان السوري المحتل، واستهدفت بعض النقاط في مدينة دمشق ومحيطها، منها أحياء سكنية مأهولة بالمدنيين، ما تسبب بمقتل عسكري وإصابة 15 مدنيًا.
وكان الحي ذاته شهد في 2008، اغتيال عماد مغنية، أحد أبرز قياديي “حزب الله” اللبناني، بتفجير سيارة مفخخة، كما تحدث تقرير صحفي إسرائيلي صدر في 28 من كانون الثاني 2021، عن تنفيذ جهاز استخبارات غربي عملية في دمشق، باقتحام مقر وحدة تابعة لـ”فيلق القدس” في “الحرس الثوري الإيراني”، ضمن الحي.
وذكر موقع “إنتيلي تايمز” الإسرائيلي، حينها، أن عملية الاقتحام جرى تنفيذها قبل أربعة أشهر، في حي كفرسوسة، وكانت ضد مقر ما يعرف بـ”الوحدة 840″ التابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني” في سوريا، التي كشفت المخابرات الإسرائيلية وجودها في أيار 2019.
مسؤولون إيرانيون في الحي
تعرض موقع في الحي لاستهداف إسرائيلي قبل عام، حين طال هجوم صاروخي اجتماعًا لمسؤولين إيرانيين لدفع برامج تطوير طائرات مسيّرة وقدرات صاروخية للنظام السوري.
ونقلت وكالة “رويترز” في 22 من شباط 2023، عن مصدر مقرّب من حكومة النظام، لم تسمِّه، أن الضربة استهدفت تجمعًا للخبراء الفنيين السوريين والإيرانيين في تصنيع الطائرات المسيّرة، دون أن تسفر عن مقتل أي قيادي إيراني.
وطال الاستهداف حينها مركز اللقاء وشقة ومبنى سكنيًا، ما أسفر عن مقتل مهندس سوري ومسؤول إيراني “ليس رفيع المستوى”.
كما نقلت الوكالة عن مصدر آخر، أن الإيرانيين يشاركون في اجتماع الخبراء الفنيين بمنشأة عسكرية إيرانية في قبو داخل مجمع أمني، وأن أحد القتلى مهندس في مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري، الذي تعتبره بعض الدول الغربية مؤسسة عسكرية منتجة للصواريخ والأسلحة الكيماوية، رغم نفي النظام ذلك.
خبراء ومحللون رجّحوا حينها أن القنبلة المستخدمة بالاستهداف من نوع “Spice”، نظرًا لدقة الاستهداف ومحدودية الأضرار التي ألحقها.
حي كفرسوسة تعرض في كانون الثاني 2017، أيضًا لتفجير سمع صداه في أرجاء العاصمة، ليعلن النظام أن انتحاريًا فجر نفسه ضمن تجمع أشخاص، ما أسفر عن مقتل 10 أشخاص معظمهم عسكريون، أبرزهم العقيد منذر حيدر.
وفي كانون الثاني 2018، تحدث عضو في مجلس الشعب عن توجه لنقل مقر المجلس إلى كفرسوسة بعد أن تجري إقامة بديل عن المقر الأصلي في الصالحية، المبني منذ عشرينيات القرن الماضي، خلال مرحلة الانتداب الفرنسي في سوريا.
وشرع النظام منذ سنوات بإزالة الحواجز العسكرية والأمنية، التي تعيق حركة المرور في الطريق الرئيسي للحي، منذ عام 2017، حين أزيل حاجزين أمنيين، أحدهما يقع بجانب مول “شام سيتي سنتر” باتجاه ساحة المواساة، والآخر يتجه من المتحلق الجنوبي نحو المول.
“كُفرسوسية”
جنوبي دمشق، وعلى بعد ثلاثة كيلومترات فقط من القصر الرئاسي، و500 متر عن السفارة الإيرانية، يقع حي كفرسوسة، وهو أحد الأحياء القديمة في دمشق، وأصل التسمية مشتق من كلمة سريانية هي “كُفرسوسية” (بضم الكاف)، ويتكون من شقين، أولهما كُفر، ويعني مزرعة، والثاني سوسية، ويعني الخيل، وبذلك يكون المعنى مزرعة الخيل، ووردت باسم “كُفر سوسية” في “معجم البلدان” لياقوت الحموي.
يبعد حي كفرسوسة عن مركز دمشق (منطقة المرجة) نحو ستة كليومترات، تجاوره أحياء المزة والقنوات والميدان والقدم، ويعتبر ضمن المنطقتين التنظيميتين الواقعتين في المصور العام لمدينة دمشق، بموجب المرسوم التشريعي “66”، لعام 2012، الذي نص على إحداثهما.
ورغم تشكيل كفرسوسة تجمعًا للأفرع والمراكز الأمنية، انخرط الحي سريعًا في الاحتجاجات الشعبية السلمية التي طالبت بالتغيير السياسي وإسقاط نظام بشار الأسد، وامتدت لمختلف لمعظم المحافظات السورية منذ 2011.
واشتهر جامع عبد الكريم الرفاعي بالمظاهرات التي شهدها بداية الحراك الشعبي، ما قوبل بقمع أمني أوقف الاحتجاجات ودفع بالأهالي إلى ساحات تظاهر كانت ما تزال قائمة حينها في الأحياء والمناطق المجاورة كالميدان وداريا ونهر عيشة.