هديل إنديوي – دمشق
أقيم في الفترة ما بين 20 و 25 شباط عرض على خشبة مسرح القباني بدمشق بعنوان “trip”، مقتبس عن فيلم “dream” للمخرج الكوري “kim ki duk”.
ويطرح العرض حكاية شخصين، يؤدي دورهما كلّ من مصطفى القر، وريمي سرميني، خريجي المعهد العاليّ للفنون المسرحيّة، أحدهما يحلم والآخر ينفذ دون أن يتذكر شيئًا مما حصل، حتّى يتضح فيما بعد أنّه يمشي أثناء نومه.
تقرر الشخصيتان ملازمة بعضهما تجنبًا للتورط في أفعال قد تودي بحياة أحدهما. وتحاولان تعليل جدليّة العلاقة بين الحلم والواقع بالمنطق، ما يدفع من يقوم بالفعل لإنهاء حياة الّذي قرر الخروج من اللعبة.
اختار كلّ من سرميني والقر بناء عرض دون وجود مُخرج، إلاّ أنّ غيابه أغرق العرض بالعديد من الفجوات الكبيرة على مستوى بناء الشخصيّة وطرح الموضوعات والقضايا الّتي يُسلط العرض عليها الضوء. من ناحيّة أخرى كان العرض غير مضبوط على مستوى تغيّر الحالات الانفعاليّة للشّخصيّة، بالتوافق مع الأحداث الّتي تُعتبر المحرك الأساسيّ لها، وبذلك كانت هذه التحولات غير مدروسة بإحكام ففقدت عفويتها وتلقائيتها.
لم يتورط أي من القر وسرميني في الشّخصيّة بشكلٍ كامل، على الرغم من أنّ طبيعة بنائها يفترض كثافة نفسيّة غنيّة، استنادًا لخلفيّة الشخصيات الفنيّة واختلاف رؤيتها للواقع عن الأشخاص العاديين، إلاّ أنّ هذه العوالم النفسيّة لم تظهر، وبدت الشّخصيّات كأنّها وليدة الّلحظة والآن، بلا تاريخ.
لم تراعَ تبدّلات مكانة السيطرة بين الشّخصيتين بتاتًا، مع العلم أنّها العامل الأهم في كشف العلاقة المتباينة بين الشّخصيتين، وانحصرت المواجهة فيما بينهما بالصراخٍ والعنفِ الممارس على طرفيّ الصراع، وعمومًا أبرز العروض المسرحيّة السوريّة تتجه نحو هذا الشكل في إبرازِ حالات الصّراعِ.
على الرغم من أنّ الحكايّة المُختارة تفترض تتابعًا زمنيًا ومتغيّرات، إلاّ أنّ إيقاع الشّخصيات جاء ثابتًا وغير متوافق معها، بل “يحاول” أن يواكبها، فتجمّدت الشّخصيات في نقطة واحدة تخرج وتدخل دون أيّ تحوّلٍ ملحوظٍ عليها، وبذلك يسقط الأداء ليخدم الأحداث فقط.
لا يخلو الحوار من بعض “التقفيلات” بهدف الترفيه، التي وقعت ضمن “كليشهات”، وتكرار مواقف الشخصيّات، مما يحصل من أحداث أضفت على العرض طابع السؤم، ولم يقترب للنفاذ بشكل عميق للموضوعات الفلسفيّة التي يطرحها العرض، بل بقيت غير مكتملة وعبارة عن ومضات سريعة تتلاشى فور انتهاء النّطق بها.
لم تُستغل علاقة الفرجة، غير التقليديّة، القائمة على كسر علاقة المواجهة بين المتفرّج والخشبة، في توريط المتفرّج في الحدث من جهة، أو إصابته بعدوى الانخداع بالوهم بسبب اختلاط الفضاءات (فضاء المسرح مع فضاء الواقع) من جهة آخرى لضعف إغراء الشّخصيّات.
اقتصار الحوار على وظيفته الخبريّة، الّتي اكتفت بنقل الأحداث الحاصلة خارج خشبة المسرح، منع من تكريس اللغة باتجاه الكشف عن هذه الشخصيّات وما يجري في فضائها، كما أنّه هدد الكشف عن العوالم النفسيّة للشّخصيّة المحاطة بالأسئلة الوجوديّة وبذلك لم يتورط المتفرّج.
وقع العرض في طرح مبتذل للثنائيّات، تغيير جنس شخصيّة منها عن الفيلم الأصلي، انتقاء شخصية مثليّة الميول الجنسيّ وفق منظور سوي- غير سوي. كما أن هذه الثنائيّات امتدت على طول العرض من خلال استخدام الإضاءة في فصل المشاهد واستخدامها دراميًّا لتعزيز هذه النقطة (علاقة النّور والظّلام، الحلم والواقع) كعلاقة “ثنائيّات كمكملات” كان تكرارًا لا جدوى منه، فجدلية العلاقة بين هذه العناصر أعقد من ذلك.
في خضم الفوضى محاولة فاشلة للبحث عن معنى، فاستمرار كلّ من الشّخصيتين البحث عن منطق لما يحصل لا يتوافق مع الحالة السوريّة الآن، حيث تَخدّر الإنسان السّوري ولم يعد همه البحث عن حل لهذا القلق، فقد مات هاملت…