الحرب الإعلامية على المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية

  • 2023/10/29
  • 1:29 م
lama kanout - enab baladi

lama kanout - enab baladi

لمى قنوت

رفض الصهاينة خطاب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بمجلس الأمن في 24 من تشرين الأول الحالي، وقال جلعاد إردان، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، إن الأمين العام “فقد كل الأخلاق والحياد”، لأنه “تسامح مع الإرهاب” عندما قال إن “هجوم (حماس) لم يحدث من فراغ”، وطالب إردان باستقالته، لأنه، حسب زعمه، “في كل يوم يوجد فيه في هذا المبنى، ما لم يعتذر على الفور(…) فلا يوجد أي مبرر لهذا المبنى”، أي الأمم المتحدة.

لم يكتفِ الصهاينة بتنديد الأمين العام، في مستهل خطابه، بعملية “حماس” في 7 من تشرين الأول، التي وصفها بـ”هجمات الرعب غير المسبوقة”، بل كان المطلوب منه، وسط سعار الخطاب الإسرائيلي المهيمن، أن يتبنى بالمطلق السردية الإسرائيلية، وينسف قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والاتفاقات الأممية السابقة.

السؤال الذي وجهه الوزير الإسرائيلي إيلى كوهين للأمين العام: “سيدي الأمين العام، في أي عالم تعيش؟ بالتأكيد هذا ليس عالمنا”، هو سؤال واقعي فعلًا، فحرب المعلومات التي تحدد السرديات، وأي معلومات تصل إلى الأفراد، أو تُحجب عنهم وتخضع للرقابة، وبث وترويج معلومات خاطئة ومضللة هي جزء من الحرب العسكرية والسياسية والإعلامية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي وداعموه على غزة.

لقد أسست الحرب الإعلامية، ومن ضمنها حرب المعلومات، التي تتبنى السردية الإسرائيلية لـ:

أولًا، القمع وطمس الحقائق والتحكم بالرأي العام، حيث تقوم منصات التواصل الاجتماعي بمحاولات ممنهجة ومستمرة لقمع المحتوى الفلسطيني الرقمي وقمع حرية التعبير عن الرأي الداعم للقضية الفلسطينية، فمثلًا، في ربيع 2021 أطلقت الناشطة منى الكرد حملة (هاشتاغ “#أنقذوا-حي-الشيخ-جراح”) لإنقاذ عائلتها وعائلات أخرى من التهجير القسري بحي الشيخ جراح، ولمنع محاولات المستوطنين المستمرة للاستيلاء على منازلهم، لكنها، وبذروة التفاعل مع القضية، قيّد تطبيق “إنستجرام” حسابها ومنعها من البث المباشر الميداني.

وخلال نفس الفترة، وعلى ذات التطبيق، مُنع صحفيون وناشطون، نساء ورجالًا، من رفع منشوراتهم، وقُيّدت حساباتهم خلال اعتداء الاحتلال على القدس والمسجد الأقصى والعدوان على غزة، وتم توثيق 1200 انتهاك خلال عام 2021 في عديد من منصات التواصل الاجتماعي، تضمنت إغلاق وحذف حسابات وصفحات، وإزالة محتوى وحظر النشر والبث المباشر وتضييق الوصول والمتابعة وقيود النشر للمحتوى الفلسطيني، وأزيل جزء كبير منه.

وحاليًا، ازدادت الحرب الإعلامية على المحتوى الفلسطيني والمحتوى الداعم للقضية، خاصة بعد التشريع الأوروبي الجديد الخاص بالخدمات الرقمية، وإطلاق المفوض الأوروبي للشؤون الرقمية، تييري بريتون، تحذيرات لشركات التكنولوجيا (19 منصة إلكترونية)، من ضمنها “إكس” و”فيس بوك” و”إنستجرام” و”تيك توك”، بفرض قواعد صارمة وغرامات بشأن “نشر محتوى غير قانوني ومعلومات مضللة، في سياق الصراع بين إسرائيل و(حماس)”، وقد حذفت شركة “ميتا” 795 ألف منشور مرتبط بالحرب التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، وكان ضحيتها المحتوى الفلسطيني والمحتوى الداعم للقضية للفلسطينية.

ثانيًا، التخلي عن أخلاقيات مهنة الإعلام ومن ضمنها مهنة الصحافة، من خلال نشر وتداول الأخبار الكاذبة والمضللة للرأي العام، التي يُبنى عليها التحريض على الحرب ونشر خطاب الكراهية، مثل نشر “CNN” وغيرها من القنوات والمواقع ما قالته المراسلة الإسرائيلية “Nicole Zedeck” لقناة “آي نيوز 24” عن أن “حماس” قتلت 40 طفلًا رضيعًا خلال عملية “طوفان الأقصى” في 7 من تشرين الأول، إلا أن تلك المراسلة تراجعت عما قالته دون أن تعتذر.

ثالثًا، محاكمات متلفزة، عندما تستضيف الوسائل الإعلامية الرئيسة الفلسطينيين، نساء ورجالًا، فإن أول سؤال يوجه لهم، هل تؤيد عملية “حماس”؟ في تجاهل تام لجرائم الاحتلال المتواصلة منذ 75عامًا، فمثلًا، عندما استضافت مذيعة “BBC” كيرستي وارك السفير الفلسطيني لدى المملكة المتحدة، حسام زملط، في 9 تشرين الأول، وبعد أن أخبرها بأن الاحتلال قصف مبنى في غزة قُتل فيه ستة من أفراد عائلته، قبل ساعات من المقابلة، وأن الاحتلال قصف قطاع غزة المكتظ بالسكان خلال أقل من أسبوع أكثر مما أسقطته الولايات المتحدة على أفغانستان خلال عام كامل، فكان أول سؤال وجهته لزملط بعد أن تأسفت على خسارته الشخصية: “هل يمكنني أن أكون واضحة (…) لا يمكنك التغاضي عن قتل المدنيين في إسرائيل، أليس كذلك؟”، وقد كان السؤال الأول المكرر لزملط في عدة مقابلات أجراها في عدة محطات تلفزيونية هو: “هل تدين عملية (حماس)؟”.

رابعًا: الاستهداف العسكري للصحافة. تشجع الحصانة الممنوحة لإسرائيل مواصلة جيشها قتل الصحفيين والصحفيات وأسرهم، مثلما استهدفت عائلة مراسل قناة “الجزيرة” في قطاع غزة وائل الدحدوح مساء الأربعاء (25 من تشرين الأول الحالي)، وقد أكد محرر الشؤون الفلسطينية في القناة “13” الإسرائيلية تسفي يحزقيلي أن عائلة الدحدوح كانت هدفًا لقصف الجيش.

وقد وثقت نقابة الصحفيين الفلسطينية منذ 7 من تشرين الأول الحالي وحتى 22 منه مقتل 19 صحفيًا وعاملًا في مجال الإعلام. وكان جيش الاحتلال استهدف سيارة طاقم صحفي في جنوبي لبنان قُتل فيه المصور الصحفي في “رويترز” عصام العبد الله، في 13 من تشرين الأول، وأصيب ستة من زملائه يعملون في وكالة الأنباء الفرنسية و”رويترز” و”الجزيرة”، كما قتل جيش الاحتلال الصحفية شيرين أبو عاقلة في 11 من أيار 2022 خلال تغطيتها اقتحامه مخيم “جنين”، وفي عام 2021، قصفت إسرائيل مبنى يضم عددًا من وسائل الإعلام العربية والعالمية في غزة.

إن شيطنة الفلسطينيين والداعمين للقضية الفلسطينية، نساء ورجالًا، وتهديدهم وتبني السردية الإسرائيلية دون تشكيك أو أدلة هو متأصل بجوهر مفهوم “استعلاء البيض” (white supremacy)، أي أن البيض هم الأخيار والمتحضرون وأن الأشخاص الملونين هم همج وكاذبون بالفطرة.

مقالات متعلقة

  1. بأصواتهم.. الاحتلال وتحذيرات الخطر الوجودي
  2. الترقيع الإيراني
  3. مجزرة إسرائيلية في بيت لاهيا شمالي غزة
  4. محو الأمية الإعلامية والرقابة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي