أهالٍ من داريا يودعون بيوتهم من بعيد

  • 2023/08/27
  • 12:13 م
فرق تابعة لمحافظة ريف دمشق تهدم مخالفات في أراضي زراعية في قرية دروشا - 13 من أيار 2023 (محافظة ريف دمشق فيس بوك)

فرق تابعة لمحافظة ريف دمشق تهدم مخالفات في أراضي زراعية في قرية دروشا - 13 من أيار 2023 (محافظة ريف دمشق فيس بوك)

عنب بلدي – خاص

بصعوبة بالغة، استطاع الستيني سعيد أبو محمد التعرف على المبنى الذي يضم شقته بالقرب من ساحة “شريدي” (الحرية) في مدينة داريا بريف دمشق، بعد أن تعرض المبنى لانهيار أحد أجزائه واحتراق واجهته الأمامية.

ما شاهده سعيد وهو مهجر من داريا ويقيم بريف إدلب، كان عبر صورة نشرها المكتب التنفيذي لبلدية داريا عبر “فيس بوك”، مُخطرًا أصحاب المبنى بقرار الإزالة لأنه آيل للسقوط، وهي الطريقة التي يستخدمها المكتب لإبلاغ الأهالي عن ممتلكاتهم بالمدينة.

وأوضح سعيد لعنب بلدي، أنه عند خروجه من داريا ترك المبنى بحال أفضل من الصورة المنشورة، مؤكدًا أن المبنى إضافة إلى القصف، تعرض لأعمال تخريبية متعمدة، حيث أزالت قوات النظام الحديد من أسقف الشقق، ومعظم تجهيزاتها من بلاط ورخام وأبواب ونوافذ، ثم أحرقت المبنى، وذلك وفق رواية جار سعيد الذي استطاع الدخول إلى المدينة عقب حملة التهجير.

منزل الستيني واحد من عشرات المنازل التي طالتها عمليات الهدم وفق بلاغات إنذار ينشرها المكتب التنفيذي لـ”مجلس داريا”، وتتم بتصوير البناء ونشر صوره عبر “فيس بوك”، ويرجع المجلس سبب الهدم إلى نصائح مهندسين محليين أو شكوى القاطنين في تلك المنطقة.

داريا.. ركام وذكريات

رغم مرور سبع سنوات على تهجير أهالي داريا إلى الشمال السوري، والسماح لمن تبقى من أهلها بالعودة إليها مجددًا على دفعات تحت مراقبة أمنية مشددة، فإن ملامح الدمار وبقايا القصف والحجارة بقيت هي السمة الغالبة على المدينة، وبقيت صور المدينة عالقة في أذهان المهجرين ومخيلتهم.

قال سعيد، إنه فقد التواصل مع جيرانه بالمبنى، منذ تهجير قوات النظام أهالي داريا إلى الشمال السوري في 2016، وكان من الصعب عليه أن يتشارك معهم بشأن البلاغ الذي رآه عبر صفحة المكتب التنفيذي، وأكده له أحد جيرانه العائدين إلى المدينة.

أوضح سعيد أنه كان متيقنًا من أن منزله لم يكن يحتاج إلى الهدم قبل أن تعود قوات النظام لمواصلة “تعفشيه” بعد تهجير الأهالي، حيث أخذت حديد السقف وسيراميك الحمام.

من جهته، راتب خرياطي (28 عامًا) وهو مهجر من درايا ويعيش في تركيا، قال إنه تمكن من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على المبنى الذي يضم منزل عائلته، والذي عاش فيه أجمل سنوات حياته، وذلك بعد أن نشر المكتب التنفيذي لداريا صورته.

وذكر راتب أنه لم يستطع بداية تمييز تفاصيل المبنى الذي بدى كتلًا من الركام المتكدسة فوق بعضها، إلا أنه بسرد العنوان المرفق مع الصورة، استطاع التحقق منه.

وقال، “ظللت متمعنًا بالصورة لدقائق طويلة، وعاد أمام مخيلتي شريط ذكريات عشتها في هذا المنزل، وكنت غير قادر على التفكير بأنه بعد أيام قليلة لن يعود موجودًا”.

ولم تهدأ حركة التدمير التي بدأتها قوات النظام منذ الحملة العسكرية على المدينة أواخر 2012، مستخدمة مختلف أنواع الأسلحة من طيران ومدافع وبراميل متفجرة، حتى عادت آلات التدمير عبر جرافات حكومية منذ اليوم الأول لعودة الأهالي.

وبدأت بتهديم أبنية قديمة وأخرى آيلة للسقوط أو مخالفة للشروط، وفق ما يعلنه المكتب التنفيذي لبلدية داريا، وهو الجهة التي نظمت العودة إلى المدينة وتشرف على إدارتها في الوقت الحالي، والذي يُعرف عن نفسه بـ”مجلس مدينة داريا”.

هدم بلا تعويض.. لجان تعدين

يصدر “مجلس مدينة داريا بلاغات الإنذار والهدم من خلال تصوير البناء ونشره عبر “فيس بوك”، ويرجع السبب إلى نصائح مهندسين محليين أو شكوى القاطنين في تلك المنطقة، ولم تأتِ البلاغات وفق قرار رسمي، واقتصر الأمر على نشر المجلس صورة للمبنى المراد إزالته، مخطرًا أصحابه بالتعرف عليه والتواصل معه لإتمام عملية الإزالة.

ولم يحصل أصحاب الأبنية على أي تعويض باستثناء ترخيص مجاني لإعادة بنائه مجددًا، كما تمت عملية الهدم وإزالة الأنقاض على نفقة أصحاب المبنى الخاصة، مقابل استخراج الحديد وبقايا من المبنى يمكن الاستفادة منها.

وحين لا يستجيب أصحاب المبنى للبلاغ أو إذا كانوا مهجّرين من المدينة، أو لم يصلهم البلاغ أصلًا، فإن المكتب التنفيذي يجري عملية الهدم محولًا المبنى إلى كتلة من الركام توضع على أطراف الطريق، وفق ما أكدته مصادر محلية من المدينة لعنب بلدي.

ونشطت منذ تهجير الأهالي من المدينة ورشات عُرفت بلجان التعدين، عملت على سحب الحديد والخردة والكتل الأسمنتية من الأبنية المدمرة.

وتتجه أصابع الاتهام إلى “مجلس داريا” في مواصلة تدمير المباني للاستفادة من بقاياها، خصوصًا أن رئيس البلدية السابق، مروان عبيد، هو ذات الشخص الذي كان يشرف على لجان التعدين، وفق مصادر أهلية.

وعمل المجلس بتعليمات من محافظ ريف دمشق، كما أوضح بمنشوراته في “فيس بوك”، على استخدام بقايا الهدم، وهي أملاك خاصة، بإعادة ترميم الأرصفة العامة.

مخطط مدينة داريا بريف دمشق- 29 من تشرين الأول 2022 (الإعلامي عماد نصيرات/ فيس بوك)

مخططات النظام العمرانية

عمدت حكومة النظام خلال فترة الحملات العسكرية التي كانت تشنها على مدن وبلدات ريف دمشق إلى إصدار حزمة من القرارات والمراسيم التشريعية، التي شرعت لها مواصلة تدمير الأبنية، منها المرسوم التشريعي رقم “40” لعام 2012.

ونص المرسوم على إزالة الأبنية المخالفة مهما كان نوعها وموقعها وصفة استثمارها أو استعمالها بالهدم، وترحيل الأنقاض على نفقة كل من كانت المخالفة لمصلحته.

ومثّل القرار رقم “10” لعام 2018 خطرًا أكبر على ممتلكات الأهالي، لا سيما المهجرين والمغتربين والذين يخشون من بطش النظام في حال عودتهم إلى مناطق سيطرته.

ونص على السماح بإنشاء مناطق تنظيمية في جميع المناطق السورية، وإبلاغ الملاك الأصليين بتثبيت ملكيتهم للعقار خلال عام واحد فقط، وإلا تستملك الدولة هذا العقار ولن يتم تعويض مالكه بأي مقابل.

وشهد تطبيق هذه القرارات تشديدًا غير مسبوق على هدم الأبنية المخالفة في سياق إحداث مخططات تنظيمية جديدة من شأنها إحداث تغيير ديموغرافي يشمل مناطق عديدة في ريف دمشق، خاصة تلك التي تعرضت للقصف الممنهج طوال أعوام الثورة، وتزامن التشديد في تنفيذ القانون رقم “40” مع رغبة واضحة لدى النظام في عرقلة عودة مزيد من الأهالي نحو مناطق ريف دمشق المدمرة.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع