الرقة.. “حرب نفسية” تغذيها الشائعات

  • 2022/08/07
  • 10:02 ص

منظر جوي لساحة برج الساعة وسط مدينة الرقة شمال شرقي سوريا- 6 من كانون الأول 2022 (AFP)

عنب بلدي- الرقة

تشكّل احتمالية حدوث أي عملية عسكرية في شمال شرقي سوريا، تحمل في طياتها تغييرًا سياسيًا في المنطقة، بيئة خصبة لانتشار الشائعات والأخبار المغلوطة عن طبيعة العملية العسكرية وتوقيتها وخطورتها وآثارها الأمنية والاجتماعية والمعيشية على الأهالي، خصوصًا في ظل اهتمام معظمهم بالمعلومات المتصلة بهذه الأخبار، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على قراراتهم اليومية وترتيب مصيرهم.

تسبب الشائعات الهلع والخوف لدى السكان، وسط تحميل “الإدارة الذاتية” العاملة في المنطقة مسؤولية مواجهة تلك المعلومات المضللة.

لماذا تنتشر الشائعات

يعتبر الناشط المدني عماد درويش (32 عامًا)، المقيم في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا، قلة ثقة الأفراد بالسلطة الحاكمة، السبب الرئيس وراء انتشار الشائعات في مدينته ومناطق أخرى من شمال شرقي سوريا، حيث تسيطر عسكريًا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وقال الناشط المدني لعنب بلدي، إن “الخوف من السلطة وعدم الثقة بها، وتخبّط تلك السلطة بقراراتها، يعزز انتشار الشائعات في مناطقها، لا سيما المرتبطة بالأمور السياسية والأمنية التي تتصل بحياة السكان بشكل مباشر”.

وفي استطلاع رأي أجرته عنب بلدي في مدينة الرقة، سألت فيه 15 شخصًا، أجمع معظمهم على أن معدّل الشائعات يزيد في المدينة حول المواضيع التي تتعلق بالأمور الأمنية والسياسية.

ووفقًا للاستطلاع، فإن معظم الشائعات تتحدث بالدرجة الأولى عن دخول النظام السوري إلى المنطقة، أو إطلاق حملات التجنيد الإجباري من قبل “قسد”، وتنفيذ حملات أمنية واعتقالات، ليؤثر ذلك على انقطاع المواد الغذائية أو المحروقات.

تعدد جهات السيطرة

في مطلع عام 2018، صار مشهد السيطرة في شمال شرقي سوريا متعدد الجهات التي تنتمي إلى مرجعيات عسكرية وسياسية مختلفة، إذ تسيطر “قسد”، المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، على مناطق شرق نهر “الفرات” من الحدود التركية إلى الحدود العراقية شرقًا.

كما تسيطر قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية على المنطقة الواقعة جنوب نهر “الفرات” من منبج إلى البوكمال، مع بعض النتوءات شمال النهر، وتحافظ على وجود لها في مركز مدينتي الحسكة والقامشلي.

ولا تزال خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” تنشط في مناطق متفرقة بالصحراء، شمال النهر على الحدود العراقية، وجنوب النهر بمحاذاة سيطرة النظام.

يرى الناشط المدني فادي حسن (33 عامًا)، المقيم في الرقة، أن من أحد الأسباب الرئيسة وراء انتشار الشائعات في المدينة، هو تعدد جهات السيطرة عليها خلال فترة زمنية يمكن وصفها بالقصيرة تاريخيًا.

“طموحات الأطراف العسكرية المتداخلة تبرز الحاجة إلى نشر الشائعات التي تضر بالطرف الآخر”، وفق ما ذكره الناشط حسن لعنب بلدي، فجميع الأطراف تتطلع إلى بسط سيطرتها على المنطقة، “وفي حال لم يكن هناك أي عمليات عسكرية، بإمكان تلك القوى اللعب بورقة نشر الشائعة لإحداث حرب نفسية تُضعف هيمنة الطرف الآخر على منطقته”.

وأوضح الناشط أن الشائعات تؤثر سلبًا على حياة السكان واستقرارهم، وتخلق آثارًا نفسية سلبية داخل المجتمع، وتعزز التوتر السياسي والعسكري الذي تعيشه المنطقة منذ سنوات، الأمر الذي بإمكانه إرباك السلطة المسيطرة، إذ تفقد قدرتها على خلق بيئة آمنة تعزز بها حكمها وتشرعنه.

ويملك عدة ناشطين محليين صفحات إخبارية عبر “فيس بوك”، من بينهم الناشط فادي حسن، الذي قال، “ترد على بريد الصفحة يوميًا عشرات الرسائل التي تحمل معلومات مضللة وكاذبة، هدفها إحداث قلق بقرية ما أو منطقة معيّنة لمصلحة طرف من الأطراف”، وعند رفض نشرها يُتهم الناشط بالخيانة.

وخرجت مدينة الرقة عن سيطرة النظام السوري في آذار عام 2013، وسيطرت عليها فصائل من المعارضة السورية، ومن ثم خضعت لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” من العام 2014 حتى أواخر العام 2017 حيث دخلتها “قسد”.

لا هوية وطنية موحدة

اعتبر المرشد النفسي علي المحمد، المقيم في مدينة الرقة، أن سكان المدينة صاروا “بلا هوية وطنية موحدة، يعيشون في مجتمع مفكك فكريًا وسياسيًا واجتماعيًا، وهو ما يخلق جوًا ملائمًا لإحداث الشائعات ونشرها”.

وقال المرشد النفسي لعنب بلدي، “حين لا يملك المجتمع منهجًا فكريًا وسياسيًا موحدًا، يكون من الصعب مواجهة نشر الشائعات بشكل قانوني، وبالتالي من السهل نشر الشائعات، خصوصًا تلك التي تتضمّن خطابًا لكراهية مجموعة أو عشيرة معيّنة”، وفي هذه الحالة تتحول الشائعة إلى “أداة لإقصاء الأفراد والتحريض عليهم بشكل ممنهج”.

ويرى المرشد النفسي أن الحل الأمثل لإنهاء حالة التخبط المجتمعي في مناطق شمال شرقي سوريا عمومًا، والرقة خصوصًا، وما ينتج عنها من ظواهر اجتماعية سلبية ومنها انتشار الشائعات، هو “خلق وعي ثقافي موحد وفقًا لمناهج وخطط مدروسة للتعامل مع الشعوب التي تعاني من الأزمات والحروب”، على حد قوله.

القانون غائب

لم تتطرق قوانين “الإدارة الذاتية” أو “ميثاق العقد الاجتماعي” الخاص بها لمصطلح الشائعات أو تجريمها، على اعتبار أنها تندرج ضمن أدوات التحريض والتنميط السلبي لنشر خطاب الكراهية في المنطقة التي تمتاز بتنوع ثقافي واجتماعي وقومي، وبالتالي، قد تستهدف مجتمعًا بعينه، أو إحدى شرائح ذلك المجتمع.

واعتبر الحقوقي عبد الله الراضي، المقيم في الرقة، أن من واجب “الإدارة الذاتية”، على اعتبار أنها السلطة الحاكمة في الرقة ومناطق واسعة في شمال شرقي سوريا خلال الوقت الحالي، إحداث قوانين وتشريعات وأجهزة تلاحق مروّجي الشائعات وتعاقبهم، أو على الأقل تفند تلك الشائعات.

عدم وجود القوانين التي تردع من يتساهل في نقل الشائعات، وخصوصًا تلك التي تمس أمن واستقرار المجتمع، أدى إلى تساهل المجتمعات في نشر ونقل المعلومات المضللة بشكل كبير وواسع، بحسب الحقوقي، كما أن تخلي بعض الصحفيين والناشطين الإعلاميين عن أخلاق وقواعد مهنة الصحافة في المنطقة، أدى أيضًا إلى انتشار الإشاعات حتى على الوسائل الإعلامية التي تمثّل سلطات محلية رسمية.

وفي 21 تموز الماضي، نفى زيدان عاصي، رئيس “مكتب الدفاع” في “الإدارة الذاتية”، الشائعات التي تتحدث عن أن سبب إطلاق حملة التجنيد الإجباري الأخيرة هو للزج بالمقاتلين في الجبهات التي يمكن أن تندلع في حال شنت تركيا عملًا عسكريًا ضد “الإدارة”.

وفي حديث لموقع “الإدارة الذاتية” الرسمي، نفى رئيس “مكتب الدفاع” الشائعات التي تتحدث أيضًا عن أن المواليد المطلوبة للتجنيد من 1980 حتى العام 2004، معتبرًا أن وسائل التواصل الاجتماعي تداولت معلومات غير صحيحة بالمطلق.

خروج المسؤول في “الإدارة الذاتية” لنفي الشائعات ليس الأول، إذ تكرر كثيرًا خلال الأعوام الماضية خروج مسؤولين في “الإدارة” لنفي وتكذيب الشائعات وأخبار تداولها السكان عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي عام 2015، تحدثت دراسة أمريكية تحمل عنوان “أكاذيب وأكاذيب كريهة ومحتوى ينشر بسرعة”، عن أن عددًا كبيرًا من وسائل الإعلام الإلكترونية يفتقد إلى الدقة ويسهم في نشر الشائعات، مشيرة إلى أنه ليس كل ما يُنشر على الشبكة يتمتع بالمصداقية.

وقالت الدراسة، إن “عددًا كبيرًا من وسائل الإعلام الإلكترونية تسهم في التضليل لحصد مزيد من الزيارات لمواقعها ومن الاهتمام”.

وأضافت الدراسة التي جرت في معهد “تاو سنتر للصحافة الرقمية”، أن وسائل الإعلام اضطرت لمعالجة أخبار لم يتم التحقق من صحتها، لكن بعضها تسرعت في نشر أخبار كاذبة.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع