عنب بلدي– ديانا رحيمة
تتعاقب تحليلات وآراء حول اجتماعات سرية يتناقلها ناشطون وقياديون سابقون من المعارضة السورية في الجنوب السوري، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، حول احتمالية إنشاء “منطقة آمنة” على الحدود السورية- الأردنية.
ولمعرفة حقيقة هذه الاجتماعات واحتمالات إنشاء “منطقة آمنة”، تحدثت عنب بلدي إلى قياديين وخبراء من الجانبين السوري والأردني حول إمكانية إنشاء “منطقة آمنة”، يُعاد فيها تسليح فصائل المعارضة في الجنوب لردع التوغل الإيراني في المنطقة من الاقتراب من الحدود الأردنية.
ما مصدر المعلومات؟
المحامي سليمان القرفان قال لعنب بلدي، “خلال الشهر الماضي، جرت اجتماعات في دولة الإمارات العربية المتحدة بمشاركة الأردن والسعودية ومصر، وحضر ممثلون عن قادة الفصائل وممثلون عن السويداء والقنيطرة”.
وأضاف أن توافقًا حصل بين هذه المكوّنات على إنشاء “منطقة آمنة” على طول الحدود السورية- الأردنية بعمق 35 كيلومترًا.
وأضاف القرفان، وهو عضو في اللجنة الدستورية السورية ونقيب “المحامين الأحرار” في درعا سابقًا، أن عمليات الإنشاء قد تستمر حتى نهاية الشهر الحالي، ومع نهاية فصل الصيف ستكون “المنطقة الآمنة” أُنشئت، على حد قوله.
وحول إمكانية تشكليها، قال القرفان إن هنالك ظروفًا مواتية بسبب انشغال الروس بالحرب الروسية على أوكرانيا.
وأضاف أن الوضع الاقتصادي المتردي والفلتان الأمني قد يدفع الشباب للالتفاف حول قياديين بعد تخصيص كتل مالية لهم.
وتوقع القرفان معارضة كل من النظام وإيران لإنشاء المنطقة، إذ بدأ الجانبان بخطوات احترازية، وهي رفع سواتر وحفر أنفاق في منطقة التنف على الحدود السورية- الأردنية- العراقية، المتوقع انطلاق المنطقة الآمنة منها، وكذلك اجتماع جرى لجميع الضباط في “اللواء 90” بمحافظة القنيطرة لبحث هذا الأمر.
الأردن ينفي
بينما نفى مصدر مسؤول أردني لوكالة “عمون”، في 7 من تموز الحالي، بصورة قاطعة ما تردد من أنباء على وسائل التواصل الاجتماعي عن إنشاء “منطقة آمنة” على الحدود الأردنية- السورية.
وأضاف المصدر في حديثه للوكالة، أنه لم يُطرح أي شيء من هذا القبيل على الإطلاق.
وأوضح أنه لا توجد أي أحاديث حول إنشاء “منطقة آمنة” مع التأكيد على أن الأردن لا يفكر بإنشائها.
جس نبض
الباحث السياسي المنحدر من محافظة درعا حسام البرم، اعتبر أن الإشاعات ونشر الإعلان عن تشكيل “منطقة آمنة” على الحدود السورية- الأردنية هي امتزاج وسبر لآراء الشارع الأردني والسوري وتقييم إمكانية تنفيذ الخطة، من قبل مخابرات أردنية وربما دولية أو حتى مراكز أبحاث.
وحول إمكانية تطبيق المنطقة العازلة، يرى البرم أنه لا يوجد تعويل كبير عليها، وأن نسبة 40% من إمكانية التنفيذ ممكنة فقط، فالأردن يسعى أولًا وأخيرًا لتأمين أمنه القومي.
إنشاء منطقة عازلة بعمق أكثر من 35 كيلومترًا، يصطدم بعدم إمكانية التنفيذ بالمرحلة الحالية بالداخل السوري، بسبب أزمة الثقة التي حصلت بعد تخلي الأردن عن الجنوب في 2018.
وحذر الأردن فصائل المعارضة من أن التعزيزات شكلية، ولم يتخذ موقفًا مناصرًا للفصائل في مواجهة الهجوم السوري- الروسي، الذي أفضى إلى سيطرة النظام على عموم المنطقة الجنوبية، كما أغلق الأردن حدوده بشكل كامل حينها.
وتوقع البرم أن يكون المقترح وسيلة ضغط على الدول النافذة بالملف السوري، وخاصة في ظل تراجع الدور الروسي بسبب “غزو” أوكرانيا، فالروس لم يكن لهم دور فعال في لجم التمدد الإيراني، وغياب القوات الروسية الفاعلة بالجنوب السوري بالشكل الذي يحمي الحدود.
وتصاعد الحديث منذ نيسان الماضي عن تخفيض روسيا عدد قواتها العسكرية في سوريا، لتعزيز جبهتها القتالية في أوكرانيا، إذ نشر موقع “The Moscow Times” خبرًا يتحدث عن تقليص موسكو خلال المرحلة الراهنة عدد قواتها في سوريا، مبررًا تخفيض العدد بمتابعة عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وتسليم روسيا مراكز وجودها لإيران و”حزب الله” اللبناني.
مصلحة أمريكية.. واستثمار للعلاقة معها
بدوره، قال الخبير الاستراتيجي الأردني الدكتور عامر السبايلة، لعنب بلدي، إنه موضوع الخطر الإيراني وتشكّله أصبح بلا شك هاجس الولايات المتحدة اليوم، وهي معنية به بسبب وجودها العسكري بمناطق قريبة من الحدود (في إشارة إلى منطقة التنف على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق)، وبالتالي هي معنية بتحقيق معادلة الأمن في هذه المنطقة ومنع أي استهداف مستقبلي لها، وتبحث عن حلفاء يستطيعون على الأقل ضمان عدم سقوط هذه المناطق بيد ميليشيات إيرانية أو تنظيم “الدولة الإسلامية”.
معظم الدول الأخرى التي تدفع الآن باتجاه احتواء الخطر الإيراني على الحدود السورية لها مصلحة، وتعمل لتستخدم ذلك نقطة تقارب مع الإدارة الأمريكية، وبالتالي من غير المستعبد أن تتم محاولة الاستثمار في هذه المرحلة بصورة مشابهة لما تم الاستثمار به في مرحلة تنظيم “الدولة” في الجنوب.
تطبيق خطة أمريكية استباقية قد تسبقه إشارات من الولايات المتحدة لدعم فصائل محلية تقود فكرة الحزام الفاصل بين وجود هذه الفصائل على الأرض وبين الداخل السوري.
الاعتماد على فصائل محلية.. غير ممكن
حول إمكانية الاعتماد على “اللواء الثامن” المدعوم روسيًا سابقًا، قال الباحث السياسي حسام البرم، إن “اللواء الثامن” كان يتضمن 1200 مقاتل، إلا أن الروس حلّوا تبعيته لهم في تشرين الثاني 2021، وصار يتبع لـ”الأمن العسكري” الذي يعتبر أحد أجهزة النظام.
كما أن أبناء درعا فقدوا الثقة بـ”اللواء الثامن” بعد تخليه عما يقارب 700 مقاتل كانوا ضمن صفوفه، وبالتالي فقد “اللواء” ثقة السكان ليتسلّم موقعًا حساسًا بهذا الحجم.
قيادي سابق بفصائل المعارضة، قال لعنب بلدي، إن سكان الجنوب السوري لن يدخلوا بمحرقة جديدة، لتخلّي الأردن والدول الصديقة عن الشعب السوري في 2018، وهم يحصدون الآن نتائج تخليهم بعد أن كانت المنطقة تحت سيطرة الفصائل.
وكان الأردن رحب بسيطرة النظام السوري على أمل ضبط الحدود، إلا أن عمليات التهريب وخاصة المخدرات توسعت، لتشمل كميات كبيرة وبأصناف جديدة، بعد سيطرة النظام.
وأوضح القيادي أن الحلول الحالية يجب أن تكون دولية بإشراف أممي، واعتبر ما يحدث جزءًا من المخططات الدولية في الملف السوري.
الأردن تعرّض لخديعة؟
من جانبه، قال الصحفي والكاتب الأردني بسام البدارين، لعنب بلدي، إن عمان تعتقد أنها تعرضت لخديعة خلال السنوات الماضية، مشيرًا إلى إعادة الأردن علاقاته مع النظام السوري مقابل تأمين حدوده الشمالية وإبعاد إيران عنها.
واعتبر أن من يعمل على إعادة تأهيل النظام وإبقائه وإقامة العلاقات معه، هو في الواقع يدعم إيران، لأن وجود النظام هو وجود مباشر لإيران، ولا يحتمل الأمر أي مواربة أو تأويل أو تجميل.
عندما تم تسليم المنطقة للنظام خلال صيف 2018، كان الجميع يدرك أن ما تم هو تسليمها لإيران، بحسب البدارين.
وكانت أجراس الخطر الإيراني وما زالت تجلجل منذ سنوات، فهناك محافظات تسيطر عليها إيران بشكل واسع مثل الرقة ودير الزور، حيث مظاهر التشيّع سافرة ومخيفة، وإيران الآن تسيطر مباشرة على أكثر مناطق العاصمة دمشق أهمية وحساسية، وأولها المسجد “الأموي” ومحيطه، بحسب البدارين.
وكان للانحسار الروسي دور كبير لمصلحة إيران في الجنوب، لكنه لا يرتبط بـ”الغزو” الروسي لأوكرانيا، كما يروّج الآن، بل بالفترة التي سبقته، بحسب البدارين، فمن أكبر المعايير التي كانت تشير إلى السيطرة الروسية وجود “اللواء الثامن” المدعوم من روسيا، ولكن بعد سحب روسيا غطاءها عنه وزجه في خانة شعبة “المخابرات العسكرية”، وُضع هذا “اللواء” أمام أمر واقع ليجد نفسه تابعًا مباشرة لها.
كما أن عمليات تهريب المخدرات لم تنشأ أو تتزايد بعد الحرب الأوكرانية، بل ما زالت بنفس المستوى وخاصة منذ تم التضييق ماليًا على إيران بعد تعليق الاتفاق النووي وقيام “حزب الله” ببيع المخدرات وإيصالها إلى الدول العربية عبر الأردن، وكان فتح المعبر أكبر مساعد لإدخال المخدرات.
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في 5 من كانون الأول 2021، تحقيقًا، أثبت أن “الفرقة الرابعة” بقيادة ماهر الأسد، هي المسؤولة عن تصنيع مادة “الكبتاجون” وتصديرها، فضلًا عن تزعّم التجارة بها رجال أعمال تربطهم علاقات وثيقة بالنظام وجماعة “حزب الله”.
وفي أواخر نيسان 2021، كشفت دراسة صادرة عن مركز “كوار” للتحليل والأبحاث عن حجم الكارثة، إذ أوضحت أن سوريا أصبحت مركزًا عالميًا لإنتاج “الكبتاجون” المخدر بتقنيات متطورة، وأن قيمة صادراتها تجاوزت ثلاثة مليارات و46 مليون دولار.
وأوضح البدارين أن من يراقب عن كثب يعرف أن النسبة الكبرى لمحاولات تهريب المخدرات تتم عن طريق المعبر تحديدًا وليس عبر الحدود، مستغربًا الحديث عن حزام حدودي آمن.
واعتبر الصحفي والكاتب بسام البدارين الترويج لفكرة الحزام الأمني في الجنوب السوري أو “الناتو” الشرق الأوسطي (الذي دعم فكرته الملك الأردني أيضًا) بسبب التمدد الإيراني غير صحيح، وأن سببه باختصار هو تخوّف أمريكا من فشل خطتها في أوكرانيا، وبالتالي تريد من هذا الترويج إبقاء روسيا محبوسة في إطار ونطاق أوكرانيا ليتم استنزافها بهدوء، بحسب البدارين.
خذلان 2018
كانت قوات المعارضة قبل حزيران 2018 تسيطر على كامل الريف الشرقي حتى الحدود الإدارية لمركز مدينة درعا، إلى جانب درعا البلد والريف الغربي، وقسم كبير من الريف الشمالي، وعلى محافظة القنيطرة.
وفي أيار 2017، وتحديدًا في الجولة الرابعة لاجتماعات “أستانة”، وقّعت كل من روسيا وإيران وتركيا على إضافة المنطقة الجنوبية إلى مناطق “خفض التصعيد”.
والتزمت الفصائل العسكرية بهذه الاتفاقية، وامتنعت عن تنفيذ أي عمل عسكري يخفف الضغط عن ريف دمشق الشرقي الذي كان يتعرض لحملات عسكرية مكثفة في شباط 2018.
وبعد اتفاقية وقف إطلاق النار، امتنعت “غرفة الموك” (لتنسيق الدعم)، ومقرها الأردن، عن تزويد المعارضة بالسلاح، على الرغم أن المعارضة كانت تخوض حربًا ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي سيطر على كامل حوض اليرموك وعلى تل الجموع الاستراتيجي.
وبعد تخلي أمريكا والأردن عن المعارضة في الجنوب، تمكنت قوات النظام بدعم جوي روسي من السيطرة على كامل الريف الشرقي خلال مدة 17 يومًا من المعارك، في حين دخلت درعا البلد والريف الغربي بمفاوضات “تسوية” مع الروس انتهت بتسليم السلاح الثقيل ودخول النظام المناطق دون إقامة حواجز عسكرية فيها.
وتعهدت روسيا لقادة الفصائل بتحقيق مطالبهم بالإفراج عن المعتقلين، ورفع المطالب الأمنية، وسحب الجيش إلى ثكناته، وعودة الموظفين المفصولين، إلا أن هذه المطالب لم تتحقق.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد