قالت منظمة العفو الدولية، إن عدم تجديد آخر منفذ للمساعدات الإنسانية في سوريا، يهدد بحدوث كارثة إنسانية تطال الملايين من النازحين في مخيمات شمال غربي سوريا.
وطالبت المنظمة في تقرير لها بعنوان “ظروف معيشية لا تُطاق” اليوم، الثلاثاء 5 من تموز، أعضاء مجلس الأمن بتمديد القرار الخاص بإدخال المساعدات عبر الحدود، الذي يسمح للأمم المتحدة بإيصال المساعدات إلى حوالي أربعة ملايين من السكان والنازحين في المنطقة.
من جهتها، قالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالنيابة في منظمة العفو الدولية، ديانا سمعان، “يعيش العديد من هؤلاء النازحين، منذ أكثر من ست سنوات، في ظروف من العوز المطلق، وليست لديهم فرص حقيقية في العودة إلى ديارهم، بسبب الانتهاكات المستمرة التي ترتكبها السلطات السورية في موطنهم الأصلي”.
وأكّدت سمعان أن البقاء في أماكن وجود النازحين الحالية، يفرض العيش في ظروف معيشية قاسية لا تُطاق، ويعرضهم لمخاطر الإصابة بالأمراض، والتعرّض للعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، وفق قولها.
وبحسب التقرير، يعيش حوالي مليون و700 ألف شخص في مخيمات بشمال غربي سوريا، 58% منهم من الأطفال، منذ سنوات في خيام لا تتوفر فيها سوى إمكانيات ضئيلة أو معدومة، للوصول إلى المياه وخدمات الصرف الصحي، ما يزيد خطر الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه.
واعتمدت المنظمة في تقريرها على بحث أجرته بين شهري شباط وأيار الماضيين، لدراسة عدم قدرة الأشخاص الذين يعيشون في المخيمات على التمتّع بحقوقهم في السكن اللائق والمياه وخدمات الصرف الصحي والصحة.
كما أجرت مقابلات مع مجموعة من 45 شخصًا، بينهم عاملون في المجالين الإنساني والطبي، إلى جانب مجموعة من النازحين من النساء والرجال من المنطقة.
سكن غير مناسب
يعيش أكثر من نصف النازحين شمال غربي سوريا في ألف و414 مخيمًا، معظمها تضم خيمًا مكوّنة من غرفة واحدة لا تحتوي على أبواب صلبة أو أقفال، ولا توفر العزل عن ظروف البرد القارس أو الحرارة الشديدة الشائعة في المنطقة، ما يعتبر انتهاكًا لحقهم في السكن اللائق بموجب القانون الدولي.
ويحصل معظم سكان المخيمات على المياه بكميات تكفي أقل من نصف احتياجاتهم، من خلال خزانات مشتركة، ويتمكّن حوالي 40% منهم من الوصول إلى مرافق المراحيض الصالحة للاستعمال.
ونقل التقرير عن امرأة تعيش مع زوجها وأطفالها الخمسة في أحد هذه المخيمات منذ ثلاث سنوات، قولها، “أعيش في خيمة مكوّنة من غرفة واحدة، يمكن لأي شخص الدخول إلى الخيمة”، مشيرة إلى غياب الأمان الذي يرافق سكان المخيمات.
وقال عاملون صحيون للمنظمة، إن المخيمات تمثّل خطرًا على الصحة، إذ تسهم في انتقال الأمراض المعدية، كما يسهم سوء المياه وسوء معالجة مياه الصرف الصحي بانتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه.
العنف على أساس النوع
أبلغ العاملون في المجال الإنساني المنظمة أن الاكتظاظ، وانعدام الخصوصية، والمخيمات غير المسيجة، وعدم القدرة على إغلاق الخيم بالأقفال، واستبعاد النساء والفتيات من عمليات صنع القرار، عرّضهن لمجموعة من ممارسات العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف من جانب أفراد الأسرة، وإدارة المخيمات، والمقيمين، والغرباء، والعاملين في المجال الإنساني، بحسب التقرير.
وقال أحد عمال الإغاثة، “كل نوع من أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تعرفونه ويمكنكم التفكير فيه موجود في شمال غربي سوريا، وخاصة في المخيمات. ويشمل ذلك المضايقة اللفظية من قبل أفراد الأسرة الذكور، وكذلك العنف الجسدي من قبل أفراد الأسرة الذكور، والاغتصاب، والاستغلال الجنسي”، وفق ما ذكره التقرير.
ويسهم تصميم وموقع دورات المياه المشتركة ومرافق الاستحمام في تفاقم خطر العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، إذ تتفاقم هذه المشكلة بسبب ضعف الإضاءة، والأبواب التي تفتقد إلى وجود أقفال إلى جانب عدم تقسيم دورات المياه حسب النوع الاجتماعي.
وأضاف التقرير نقلًا عن أحد العاملين في المجال الإنساني، أن النساء يذهبن إلى الحمامات المشتركة معًا في مجموعات أو برفقة أحد الأقارب، في الليل، خوفًا من الذهاب بمفردهن.
انخفاض المساعدات والرعاية الصحية
منذ بداية النزاع المسلح، استهدف النظام السوري نظام الرعاية الصحية في شمال غربي سوريا، وعرقل إيصال المساعدات الطبية، ما أثّر على الحق في الصحة لملايين الأشخاص.
وأدت التخفيضات في المساعدات الدولية على مدار العام الماضي إلى تدهور الظروف المعيشية لسكان شمال غربي سوريا والنازحين داخليًا بشكل خطير، كما أدى إلى نقص في الموظفين والأدوية والمعدات، وانخفاض القدرات التشغيلية، ودفع المرافق الصحية إلى تقليص أو وقف عملياتها وخدماتها الحيوية.
الحاجة إلى تدخلات مستدامة
لم يتمكّن المانحون والمنظمات الإنسانية، خلال السنوات الماضية، من تزويد الأشخاص الذين يعيشون في المخيمات بإمكانية الوصول الكافي إلى الخدمات الأساسية بسبب عدم كفاية التمويل، واقتصرت المساعدات المقدمة على حلول مؤقتة غر مستدامة.
وبحسب تقرير المنظمة، أكّدت إحدى العاملات في المجال الإنساني، أن المشكلة الأساسية في المخيمات هي غياب محاولات العثور على حلول مستدامة للمشكلات المتكررة.
وتواصل المنظمات الإغاثية التحذير من منع وصول المساعدات عبر الحدود، في ظل تخوّف من استخدام روسيا حق “النقض” (الفيتو)، لمنع تمديد تفويض مجلس الأمن الدولي الذي ينتهي في 10 من تموز الحالي، ويقضي بالسماح بدخول شاحنات المساعدات إلى سوريا عبر تركيا من خلال معبر “باب الهوى”.
وفي 29 من حزيران الماضي، قالت لجنة التحقيق في سوريا، إن الحديث عن إيقاف المساعدات عبر الحدود غير معقول، مؤكدة وصول الاحتياجات الإنسانية في سوريا إلى أعلى مستوياتها.
–