“كنت أتعذب في كل مرة أراجع بها طبيب الغدد في عيادته الواقعة في مدينة اسنيورت في ولاية اسطنبول التركية والتي تحتاج للوصول إليها من مكان سكني في منطقة الفاتح أكثر من أربع ساعات ذهابًا وإيابًا”.
هكذا شرحت مها المحمود (45 عامًا) لعنب بلدي، معاناتها في مراجعة طبيب الغدد الخاص بها بسبب إصابتها بمرض قصور الغدة الدرقية والذي يتطلب مراجعة الطبيب بشكل دوري.
ورغم إقامة مها في منطقة سكانية (الفاتح) تعتبر مكتظة بالسوريين والمراكز الطبية السورية أكثر من غيرها من المناطق الأخرى في اسطنبول، فإن ندرة تواجد الأطباء المختصين بالغدد الصم في الولاية ككل، هو ما اضطرها للذهاب إلى مكان بعيد عن بيتها حيث يوجد الطبيب المختص بمرضها.
وبعد حوالي ثلاث سنوات من زيارة عيادة الطبيب في اسنيورت عند الضرورة فقط، أو التواصل المستمر عبر الهاتف معه في الحالات العادية، قالت مها، إن طبيبها التزم بالدوام في عيادة بمركز طبي في مدينة الفاتح لكن لمدة يوم واحد أسبوعيًا فقط، ما يجعل زيارته في هذا اليوم الوحيد أمرًا متعبًا أيضًا ويحتاج للوقت الكبير من الانتظار في العيادة لمقابلته، نظرًا لعدد المرضى الكبير الذين يحتاجون زيارته.
وبحسب ما رصدت عنب بلدي، يواجه معظم المقيمين في ولاية اسطنبول التركية، معاناة في زيارة الأطباء المتخصصون بمشاكل الغدد الصم، وذلك بسبب ندرة تواجدهم في الولاية بشكل عام.
من هو طبيب الغدد الصم هو طبيب متخصص بتشخيص وعلاج الحالات الصحية المتعلقة بمشاكل هرمونات الجسم والغدد الهرمونية والأنسجة ذات الصلة، وهو متدرب متخصص في نظام الغدد الصماء في الجسم، ويساعد في تشخيص وعلاج وإدارة الأمراض التي يمكن أن تنشأ عند حدوث اختلالات هرمونية أو مشاكل في الغدد الصماء. |
اختصاص “غير مربح” ماديًا
في عيادة وسط منطقة الفاتح في ولاية اسطنبول، أشبه ما تكون بسكن منزلي عبارة عن غرفة يجلس فيها الطبيب وراء مكتبه وأمامه سرير لفحص المرضى، وصالون استقبال يتسع لحوالي ثلاثة مقاعد مخصصة لانتظار المرضى موعد مقابلتهم الطبيب، زارت عنب بلدي، الطبيب المتخصص بالأمراض الباطنية والغدد الصم، عبد الكريم البني.
الدكتور البني، أكد في حديث إلى عنب بلدي، وجود ندرة في عدد الأطباء المتخصصين بالغدد الصم بالولاية، موضحًا أن عددهم لا يتجاوز الأربعة أطباء تقريبًا.
وعزا الطبيب ذلك، إلى عدة أسباب منها، ندرة هذا الاختصاص أساسًا في سوريا وذلك لعزوف الأطباء من الأساس عن الاختصاص به، مضيفًا أن أطباء الداخلية بالعموم يجب أن يعرفوا كل شيء عن الأمراض، لكنهم غير قادرين على القيام بأي شيء (سوى وصف العلاج)، أما اختصاص الجراحة فهو مرغوب أكثر لكونه أكثر جدوى مادية من الاختصاصات الأخرى.
وبحسب الدكتور عبد الكريم البني، فمن أبرز أسباب ندرة أطباء الغدد في اسطنبول خاصة، وفي تركيا عمومًا، هي طبيعة القوانين التركية في تعديل شهادة الأطباء، فالطبيب مثلًا الذي يأتي بهدف العمل في تركيا، يجب أن يتقدم لامتحان تعديل الشهادة الكتابي والشفهي بالإضافة إلى الدوام ضمن المستشفى في حال نجاحه في الامتحان، وذلك بعد أن يتعلم اللغة التركية.
وهو أمر يحتاج إلى التفرغ أولًا، وإلى القدرة المادية على تأدية المصاريف المطلوبة خلال فترة الدراسة لتعديل الشهادة وهي فترة لا تقل عن ثلاث سنوات، واعتبر الطبيب البني، أن هذا “ليس سهلًا” على الأطباء القادمون إلى تركيا هربًا من الحرب في سوريا.
فلذلك سعى أغلب الأطباء السوريون عند قدومهم إلى تركيا، واصطدامهم بهذه الظروف، اللجوء إلى أوروربا حيث يمكن لهم الدراسة بشكل أفضل، أو السفر إلى دول الخليج حيث لا يحتاجون إلى تعديل شهادتهم أساسًا.
ما شروط تعديل شهادة الطب في تركيا؟
تستغرق مراجعة الأوراق الرسمية المقدمة من الطبيب في وزارة التعليم العالي مدة زمنية تتراوح بين ثمانية أشهر إلى عام واحد، يقوم الطبيب خلال هذه الفترة بالاستعداد لإجراء اختبار المعادلة. واختبار المعادلة (STS) يقام مرتين في السنة في شهر شباط وآب، وهو عبارة عن 120 سؤال باللغة التركية في مجال الطب السريري فقط، وعلامة النجاح فيه تساوي 40 درجة من أصل 100، لكنه يعتمد على حذف إجابة صحيحة عند كل 4 إجابات خاطئة. بينما يجري الاختبار العملي (OSCE) أربع مرات سنويًا، ويتم اختيار المتقدمين له عن طريق الاقتراع، إذ يختار 25 طالب فقط لكل امتحان من أصل جميع المتقدمين. بعد اجتياز اختبار المعادلة بشقيه النظري والعملي، يجب على الطبيب اختيار ثلاث جامعات حكومية لعمل التدريب فيها، على أن تقوم الوزارة بتوزيع الأطباء على إحدى هذه المستشفيات الثلاث، وبعد انتهاء مدة التدريب، يحق للطبيب العمل كطبيب عام في المستشفيات التركية الخاصة، أو الخضوع لاختبار التخصص (TUS). |
هل يحل طبيب الداخلية مكان طبيب الغدد الصم؟
يرى الدكتور عبد الكريم البني أن طبيب الداخلية يمكن أن يحل محل طبيب الغدد الصم، ويكون معالجًا لأمراضها ومشاكلها في حالة وحدة، وهي أن يكون دارسًا لاختصاص الداخلية (الباطنية) مدة لا تقل عن خمس سنوات، وهو ما كان معمولًا بها في سوريا وفق النظام القديم.
وأوضح البني، أن فترة خمس سنوات، تعتبر كافية لإطلاع طبيب الباطنية على مختلف الاختصاصات التي تتضمنه كـ(الهضمية، القلبية، الصدرية، والدمويات، الكلية، الغدد الصم، المفاصل) والإلمام بها بصورة تعتبر كافية لتشخيص وعلاج المريض، فيدرس الطبيب ويمارس التخصص داخل المستشفى عمليًا لكل اختصاص على حدى فترة لا تقل عن ثمانية أشهر.
بينما يدرس أطباء الداخلية اختصاصهم اليوم وفق النظام الجديد لتخصص الأطباء في سوريا، لمدة سنتين فقط، وهي فترة لا تعتبر كافية للإلمام بكل تفاصيل الاختصاصات الكثيرة نفسها، إذ يدرس كل اختصاص لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر فقط، ضمن هاتين السنتين.
ما هو اختصاص الأمراض الباطنية؟
الأمراض الباطنية تشمل كل فروع الأمراض الباطنية (الداخلية) خاصة: أمراض القلب، ارتفاع الضغط الشرياني، السكري، الغدد الصماء، أمراض الجهاز التنفسي، الجهاز الهضمي، الكبد، الكلى، بالإضافة إلى أمراض الدم والحساسية والمفاصل والأعصاب. مع نظرة شاملة إلى جسم المريض كوحدة واحدة وربط أعراض وعلامات مرضه ببعضها وصولا إلى التشخيص والعلاج الأنجح والأكمل. |