درعا- حليم محمد
يتجول أحمد (35 عامًا) في أقسام مشتل تل شهاب الزراعي الذي تحول إلى مرعى للأغنام، بعد أن زرعه سكان بلدة تل شهاب بريف درعا الغربي بالقمح والشعير هذا العام.
يعد المشتل مصدرًا رئيسًا لأشجار الزيتون واللوزيات وأشجار الحراج والزينة في المنطقة الجنوبية لسوريا، إلا أنه أصبح أثرًا بعد عين، جراء العمليات العسكرية والإهمال الحكومي.
بين الأبنية المدمرة يقف أحمد، وهو عامل سابق في المشتل، وخلفه مساحة واسعة لأرض صارت قاحلة بعد حصاد القمح.
“كم مؤلم هذا التحول، قبل أربع سنوات كان المشتل عبارة عن مرج أخضر، فيه قسم للزيتون، وبيوت بلاستيكية لتجذير عقل الزيتون (عملية قص أجزاء من أغصان الزيتون لإعادة زراعتها)، وقسم للوزيات، وقسم للأشجار الحرجية، ومكاتب إدارية، اليوم لم يبقَ شيء، حتى أشجار الصنوبر التي يعود تاريخها لنشأة المشتل تم قطعها”، وفق ما قاله أحمد.
عمل أحمد 12 عامًا في هذا المشتل، الذي أُسّس في خمسينيات القرن الماضي، وتحولت تلك السنوات إلى مجرد ذكريات مع دمار المشتل عام 2018، بفعل العمليات العسكرية، “كانت تعج الحياة بجمالية ونشاط وحب للزراعة في المشتل، لكن كل ذلك قد دُمّر”.ما الذي حدث
بعد سيطرة قوات النظام السوري على محافظة درعا في تموز 2018، انتهى عمل المنظمات الإنسانية والهيئات الإدارية التابعة للمعارضة السورية، وعاد العمل بهذه المؤسسات إلى وحدات النظام السوري.
ولكن مديرية زراعة درعا لم تُعر المشتل أي اهتمام، إنما أخرجته من الخدمة، بحجة عدم توفر المياه، ونقلت المولّد الكهربائي الذي يعمل على تشغيل المضخات لري الغراس إلى أماكن أخرى، ولم تعمل على عودة العمال المفصولين، إنما حوّلت المشتل مجددًا إلى مشاع يتقاسمه سكان المنطقة.
ويعتبر مشتل تل شهاب من أقدم المشاتل الزراعية في سوريا، ويعود إنشاؤه إلى عام 1948، حين تخصص بإنتاج غراس الزيتون بطريقة الإكثار الخضري.
وكانت وزارة الزراعة تصدّر منتجات المشتل من الزيتون إلى أغلب الدول العربية، وخاصة الأردن والعراق والسعودية وقطر والسودان وسلطنة عمان.
وفي مطلع عام 2012، تعرض المشتل للسرقة والتخريب، وتحول إلى أرض قاحلة حتى عام 2015، لتبدأ مجموعة من المهندسين والفنيين والعمال باستعادة جزء صغير من أعمال المشتل بإمكانيات ضعيفة.
وهو يمسك بيده بقايا تدل على وجود شجيرات حرجية، قال أحمد، تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، “بدأنا العمل بإمكانيات تطوعية خلال الثورة، وأذكر أول راتب قبضته، وهو عشرة آلاف ليرة من مجلس محافظة درعا”.
“كان جهدنا هو إعادة المشتل كما كان. بالبداية لم نتمكّن من زراعة الزيتون بكميات كبيرة، لأن تجذير العقل يحتاج إلى إمكانيات عالية، وانصب جهدنا على زراعة اللوزيات وأشجار الحراج، ولكن استمرارنا كان حافزًا للمنظمات الدولية لدعم المشتل”، وفق ما ذكره العامل السابق.
لم يخفِ أحمد ألمه على ما حل بالمشتل، ولم يتوقع إعادته كما كان، فـ”عقلية مديري دوائر الدولة انتقامية تجاه كل نجاح، وكان بإمكان مديرية زراعة درعا دعم الكادر الموجود عبر إعادتهم لوظائفهم، وتعيين المتطوعين ممَن أصبح لديهم خبرة بالعمل، ولكن النظام آثر تدمير المشتل على أن يعترف بخطوة قام بها متطوعون من أجل إنقاذ مرفق عام في بلدتهم”.
منظمات أعادت للمشتل بريقه
في عام 2016، دعم “مشروع سوريا للخدمات الأساسية” المشتل لوجستيًا وماليًا، من خلال تقديم بيوت بلاستيكية ومضخات مائية، تمكّنت من تشغيل الآبار فيه.
كما استطاع في أثناء سيطرة المعارضة المسلحة إنتاج حوالي 400 ألف غرسة زيتون، و200 ألف غرسة لوزيات ورمان، و200 ألف غرسة حراج، وفق تقديرات أحد الإداريين السابقين المشرفين على المشتل.
وأضاف الإداري السابق، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن المشتل وزع الشتلات على مزارعي محافظتي درعا والقنيطرة بشكل شبه مجاني، إذ بلغ سعر الغرسة 200 ليرة سورية، في حين كانت تباع بالمشاتل الخاصة بين 1500 و2500 ليرة.
وكان المشتل من أهم الوحدات الإدارية بمحافظة درعا، وكان يخلق فرص عمل لمئات الشبان في المحافظة، بالإضافة إلى إعطاء البلدة جمالية خضراء، وكذلك كان مصدرًا موثوقًا لتقديم شتلات الأشجار بأسعار رمزية.
وأغلبية أشجار الزيتون في محافظة درعا كان مصدرها مشتل تل شهاب.