خطيب بدلة
قال لي صديقي رحمون: إن التطور الذي تدّعيه أمريكا والدول الأوروبية، في رأيي المتواضع، خلّبي، وهمي، لا قيمة له على الإطلاق. تصوّر، أخي أبا مرداس، ثمة دول طويلة، عريضة، تسكنها أمم يقال إنها متطورة، وليس لها نفسية.
قلت: تقصد أن تقول إن هذه الأمة نفسيتُها رضيّة، مثلًا، وتلك الأمة نفسيتها حامضة، والثالثة نفسيتها جقرة؟ ضحك رحمون ضحكة مدوية، وقال: أضحكتني بالرغم مني، أقصد أنك إذا قرأتَ دساتير تلك الدول، وقوانينها، ونواميسها، فلن تجد فيها مادة تعاقب مواطنًا يسعى عامدًا متعمدًا إلى وهن نفسية أمته، ولا حتى بسجن عشرة أيام، وأنا أتخيل مواطنًا ألمانيًا يمر بقربه شرطي، فيتعمد أن يحكي كلامًا أعوج بحق ألمانيا وشعبها، ولكيلا يلتبس الأمر على الشرطي، يوضح له أنه يقصد الأمة الألمانية على مر العصور، ومع ذلك لا يلتفت الشرطي إليه، لأن هذا الأمر لا يعنيه، وليس مكلفًا بمتابعته.
وأضاف رحمون: بالمقابل، إذا أنت أحصيتَ الأشخاص الذين سُجنوا في سوريا خلال الـ60 سنة الماضية، بسبب إقدامهم على وهن نفسية الأمة، وعددَ السنوات التي قضاها أولئك الأشخاص في السجون، واستخرجتَ نسبةَ الذين لقوا حتفهم تحت التعذيب بسبب هذا الجُرم، لطقّ عقلُك، وذهبتَ إلى أقرب محل كهربائيات، واشتريت جهاز راديو صغيرًا، ووضعته على أذنك، ومشيت في أزقة إدلب وأنت ترفع حاجبيك وتخفضهما بالتناوب، مثل المجنون “ضَبْضَبِتْ” رحمه الله.
قلت: لا تؤاخذني يا رحمون أفندي، أنت إنسان متخلف عن ركب الحضارة، وعقلك لا يزال معترسًا عند المرحوم “ضبضبت” الذي عاش في الستينيات، يبدو أنك لا تعرف أن ثورة شعبية كبرى قامت في سوريا قبل 11 سنة، وأن الإخوة المجاهدين تمكّنوا من السيطرة عليها، وتنقيتها من رجس العلمانيين والديمقراطيين والوطنيين، وبفضل من الله تعالى، تمكّنوا من تحرير قسم لا يُستهان به من مناطق الشمال، وصار عندنا هناك دولة، وقائد جولاني ملهم، وشرطة نسائية، وجهاز حسبة، وحكومة إنقاذ، وقوانين، وأنظمة، ووزارات، وجامعات، حتى إن كلية الصيدلة بإدلب استضافت، في الأمس القريب، إياد قنيبي، الرجل الصالح المحترم، ذا اللحية الواصلة إلى سرته، الشهير بسعيه لفض الخلافات بين المجاهدين الذين ينتمون إلى تنظيم “القاعدة”، وتوحيد صفوفهم، وهذا لا يوهن نفسية الأمة، أبدًا، بل يرفعها إلى الأعلى.
قال رحمون: بالعكس، أنا متابع ما يجري، وأعرف أكثر مما تعرف حضرتك، فأنت، مثلًا، لا تعرف أن الحكومات التي تعاقبت على هذا الشمال المحرر لا تقل بأسًا عن نظام الأسد في معاقبة مَن يُقدم على وهن نفسية الأمة، وتفتك بالذين يناصرون الأمريكيين الكفرة، وتتفوق على نظام الأسد في أمور أخرى كثيرة، منها، على سبيل المثال، الثقة، والهيبة، فإذا كان لدى النظام معاون وزير قيمته فرنكان سوريان يصرح بأن الحكومة السورية كسبت ثقة المواطنين في مجال مكافحة الغش والتدليس، وتثبيت الأسعار، فها هو رئيس “الائتلاف”، بجلالة قدره، يصرح لقناة “العربية” بأن إصلاحاته الأخيرة أكسبته ثقة الشعب، الشعب السوري كله، فماذا نريد أكثر من ذلك بالله عليك؟!