طبق الفول.. طقس اجتماعي وبديل أرخص لآلاف الأسر بدرعا

  • 2022/03/27
  • 10:38 ص

قدِر من الفول يُطهى على نار مدفأة الحطب في ريف درعا الغربي- 14 من شباط 2022 (عنب بلدي حليم محمد)

درعا – حليم محمد

تستغل “أم زياد” (46 عامًا) مدفأة الحطب التي تشتعل ليلًا، لسلق الفول، تحضيرًا لوجبة الفطور التقليدية لعائلتها التي تسكن في ريف درعا الغربي، جنوبي سوريا. ومثل هذه الوجبة صارت ملاذًا لآلاف الأسر نظرًا إلى سعرها المعقول مقابل بقية الأطعمة والوجبات، وكذلك لقيمتها الغذائية مع غياب اللحم عن الموائد لارتفاع أسعاره وضعف المداخيل.

تترافق عملية تحضير الفول المدمس مع طقوس وذكريات لدى سكان درعا، فهذه الوجبة تعد الطبق الأساسي على موائد الفطور لأغلبية الأهالي داخل المحافظة وعموم سوريا، في وقت صار فيه الناس يبحثون عن توفير تكلفة وجبات الطعام، واستغلال مصادر الطاقة المتاحة بعد غلاء أسعار المنتجات الغذائية، وفقدان وغلاء مصادر الطاقة كالكهرباء، والغاز، والمازوت.

وتبدأ هذه الطقوس من قطاف الفول الأخضر وتجفيفه وسلقه، ومن ثم تحضير الأطباق الشهية منه.

الفول المدمس أقل تكلفة

تشتري “أم زياد” الكيلوغرام الواحد من الفول اليابس بثمن 2500 ليرة سورية، وتحتاج إلى نصف كيلوغرام لكل وجبة كي تكفي عائلتها المكوّنة من خمسة أفراد.

“أنقع الفول لفترة ثماني ساعات، وأحاول تبديل المياه كل ساعتين تقريبًا، حتى تصبح حبات الفول أكثر طراوة”، وفق ما قالته “أم زياد” لعنب بلدي، التي تشاركها بناتها بتحضير مائدة الفطور اليومي.

خلال فصل الشتاء الذي امتد هذا العام بشكل غير اعتيادي، وعند إشعال المدفأة مساء، تضع “أم زياد”، التي تملك خبرة في طهو الأطعمة التقليدية داخل مطبخها المتواضع، قدرًا مليئًا بالماء، وتضيف إليه الفول، وتتركه محكم الإغلاق على نار التدفئة، وفي الصباح تجد الفول قد وصل إلى مرحلة الاستواء.

كل منطقة في سوريا تشتهر بـ”الفوال” الخاص بها، والذي يعد قِبلة أغلبية الناس يوم العطل الأسبوعية، إذ يرغب الأهالي بتحضير مائدة مميزة عن بقية أيام الأسبوع قوامها طبق الفول، الذي بمقدوره جمع كل أفراد العائلة.

إلا أن تحضير الفول داخل المنزل يوفر على أسرة “أم زياد” التكلفة المادية، مقارنة بشرائه من “الفوال” أو المطاعم المنتشرة في ريف درعا، حيث وصل سعر الكيلو الجاهز من الفول في المطاعم إلى ستة آلاف ليرة (حوالي دولار ونصف).

و”بعد طهو الفول جيدًا أضيف إليه الحمض والطحينة والزيت والبقدونس المفروم، إنه الطبق التقليدي الخاص الذي يجمع عائلتي خلال الشتاء”، بحسب ما قالته “أم زياد”، إذ توفر مدافئ الحطب في درعا بديلًا مع نقص الغاز والمازوت، وتعتمد الأسر في الطهو عليها، خصوصًا بعد غلاء أسعار الغاز في السوق المحلية، وعدم كفاية المخصصات من الغاز المدعوم للسكان.

محمد خير، هو عامل في محل مواد غذائية بريف درعا الغربي يبلغ من العمر 28 عامًا، قال إن السكان يقبلون على شراء الفول اليابس في فصل الشتاء لطهوه منزليًا على المدفأة استغلالًا للطاقة، وبعضهم يخزّنه يابسًا منذ فصل الصيف، لأنه خلال فترة حصاده يكون سعره أقل.

ووصل سعر أسطوانة الغاز في السوق المحلية إلى 90 ألف ليرة (24 دولارًا)، في حين يمتد توزيع الغاز المدعوم لفترات قد تصل إلى ثلاثة أشهر، لذلك تبحث العائلات عن وسائل تساعد على التقنيين باستخدام الطاقة ومنها الطهو على المدفأة.

وأوضح العامل في محل المواد الغذائية لعنب بلدي، أن معدل شراء الفول الجاهز من السوق قلّ في الفترة الأخيرة، مع ارتفاع الأسعار، وانتشار وصفات طهو الفول بجميع أنواعه عبر الإنترنت من جانب آخر، الأمر الذي أتاح لأي سيدة تحضير طبق الفول منزليًا بطريقة أوفر وأسهل.

الحطب خارج القدرة الشرائية

رغم استخدام العائلات مدافئ الحطب بما توفره من استخدام الغاز للطهو، فإنها صارت أيضًا خيارًا مكلفًا، إذ وصل سعر الطن الواحد من حطب الزيتون إلى 700 ألف ليرة (191 دولارًا)، ويختلف سعره باختلاف نوعيته، ودرجة تجفيفه.

وقالت “أم زياد”، إن عائلتها خزّنت الحطب منذ فصل الصيف مستفيدة من رخص سعره مقارنة بسعره الحالي، إذ كان سعر الطن خلال فصل الصيف الماضي 350 ألف ليرة (حوالي 100 دولار)، ولكن الكميات لديها أوشكت على النفاد، في حين أن “رسائل تكامل” المخصصة لتوزيع المحروقات غالبًا ما تتأخر بالوصول إلى الأهالي.

ووزعت مديرية المحروقات في درعا عن طريق تلك الرسائل 50 ليترًا من مادة المازوت لكل عائلة، ومن المفترض توزيع 200 ليتر لكل عائلة على أربع دفعات، ولكن حتى نهاية شباط الماضي لم تتسلّم أغلبية العائلات مخصصاتها من الدفعة الثانية، بحسب ما رصدته عنب بلدي في المنطقة.

تلتف أسرة “أم زياد” حول المدفأة، وتحاول هي تزويدها بالحطب، وعليها قِدر الفول يغلي، ولكن تبقى الحسرة والخوف في حال نفاد كميات الحطب المتبقية هاجسًا يعكر ما صنعته مائدة الفطور التقليدي بجمع أفراد الأسرة.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع